ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون
بدأ أكثر من ثلاثمائة سجين “إسلامي” إضراباً جديداً عن الطعام والشراب مطالبين بإخلاء سبيلهم وإنهاء مأساتهم التي يعيشونها منذ مدة طويلة دونما أي ذنب أو جرم ارتكبوه، ودونما أي حكم قضائي بحقهم حتى يومنا هذا.
وكنا قد أثرنا قضيتهم مراراً في نشرات وبيانات إعلامية ومؤتمرات صحافية واعتصام في جامع طينال في طرابلس السنة الماضية على أثر ما تعرضوا له من انتهاكات وإهانات. واحتج أهالي الموقوفين مراراً وتنقلوا بين أبواب الزعماء والمسؤولين. ولكن هذه النداءات ذهبت سدى وكأنها لم تلامس أسماع المسؤولين في هذا البلد. إلا أن موسماً سياسياً جديداً أطل برأسه ليرفع آمال الموقوفين وذويهم، كالغريق الذي يتعلق بقشة، نعني بهذا موسم الانتخابات النيابية المقبلة، الذي يحشد فيه الفرقاء المتصارعون كل ما يملكون من وسائل وإمكانيات لابتزاز أصوات المقترعين. فهل ستتحول مظلمة هؤلاء المظلومين في هذا الموسم إلى قضية محقة في نظر بعض المسؤولين بعد رميهم في السجون منذ ما يقرب من سنة ونصف، تعرضوا خلالها لصنوف الإهانة والتضييق، وكانوا من قبل تعرضوا خلال التحقيق لأبشع أنواع التعذيب؟!
إن الدول التي تحترم نفسها وشعوبها وإنسانية الإنسان، تعُدُّ أي إفادة أدلى بها السجين تحت أي ضغط جسدي أو نفسي متعمّد إفادة باطلة لا يبنى عليها أي حكم قضائي. أما لبنان الذي يتشدق زعماؤه بسيادة القانون وحقوق الإنسان، فإن انتزاع الاعترافات فيه تحت ضغط الإرهاب والتعذيب الجسدي والتنكيل بات ممارسة أرسخ من القانون. فضلاً عن أن عشرات الشبان يُحتجزون منذ سنة ونصف دونما أي اعتداء على أحد من الناس. وجُلُّ ما يوجه إليهم من تهم هو أنهم اقتنوا أسلحة فردية في بيوتهم، بغية القتال في العراق ضد العدو المحتل، أو الدفاع عن أنفسهم وأهليهم في حال تعرّضهم للاعتداء. ولم يُتهموا بطلقة رصاص واحدة، في الوقت الذي نزل فيه مقاتلو الفتن الطائفية إلى شوارع بيروت والجبل وطرابلس بأسلحتهم الثقيلة وصواريخهم وقَتلوا وجَرحوا ودَمّروا وشرَّدوا وأرعبوا دون أن يفتح تحقيق قضائي واحد في حق أيّ منهم. لماذا؟ بكل بساطة لأن هؤلاء المقاتلين ينتمون إلى الزعامات الطائفية التي تمنحهم الحصانة مهما عظمت جريمتهم. أما الشبان الذين يرنون بعيونهم إلى العراق حيث إحدى أشرف قضايا المسلمين في هذا العصر، فهم مجرمون في نظر المسؤولين في لبنان، لأنهم لم يتحصّنوا بأحد الزعماء القبليين في لبنان، ولأنهم أعلنوا العداء لفرعون العصر أمريكا!
إننا بمعزل عن المواسم السياسية، من انتخابية وغيرها، نهيب بالشرفاء الأحرار، من المسلمين وغيرهم، أن يترفعوا عن الأعراف الجاهلية المتمثلة بالولاء لزعماء الطوائف، لينظروا إلى أنفسهم وسائر الناس بوصفهم ناساً لا بوصفهم أتباعاً لزعماء القبائل الطائفية تجّار السياسة في لبنان. وننصح أهالي الموقوفين وذويهم بألا يعوِّلوا كثيراً على المواسم الانتخابية، إذ تكفي إشارة تأتي من الخارج لتصرف أنظار المتاجرين بالسجناء عن بازارهم الانتخابي هذا، وليراهنوا على بازار انتخابي آخر أقل إسخاطاً لأمريكا والأنظمة الإقليمية. وندعو الرأي العام والفعاليات السياسية إلى الوقوف وقفة عدل وإنصاف تجاه الموقوفين فإن السكوت عن الظلم مشاركة فيه ولو دون قصد. والظلم ظلمات يوم القيامة.