محاضرة – المسلمون ومنظمة التجارة العالمية – الأستاذ أبو أحمد التميمي
في الحادي والعشرين من تموز من العام الجاري، وفي مدينة جنيف السويسرية، عقدت منظمة التجارة العالمية آخر مؤتمراتها. وبعد تسعة أيام من الاجتماعات التي وصفت بالماراثونية، وفي الثلاثين من الشهر ذاته، أعلن المدير العام لمنظمة التجارة العالمية -باسكال لامي- فشل المؤتمر، الذي كان يهدف لتحرير التجارة الدولية, وقد تبادل المجتمعون الاتهامات، وأخذ المؤتمرون يلقون بمسؤولية فشل المؤتمر على بعضهم البعض ومن تتبع المحادثات التي استمرت هذه المدة الطويلة، والفشل الذي انتهت اليه، يمكن للمرء أن يرى بصيصاً من النور في نهاية النفق الأمريكي المظلم، وبداية أفول للهيمنة الأمريكية على العالم اقتصادياً، كما بدأ أفول هذه الهيمنة سياسياً.
ذلك منظمة التجارة العالمية ومنذ نشأتها في نهاية النصف الأول من القرن العشرين، كانت الشقيق التوأم لمنظمة الأمم المتحدة، وكانت الأخيرة تهدف إلى تكبيل دول العالم سياسياً، على أن تتولى منظمة التجارة العالمية، -وكان اسمها منظمة التجارة الدولية- تكبيلها اقتصادياً، ليتحقق للدول الرأسمالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، السيادة المطلقة على البشرية، وإنه وإن كانت الحرب الباردة، بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، قد أعاقت الهيمنة الأمريكية على العالم، وكان الصراع بين المعسكرين يبدو في ظاهره صراعاً سياسياً، إلا أنه في في حقيقته كان من الجانب الرأسمالي على الأقل صراعاً على المصالح والمنافع. وإن تبرقع بشعارات الحرية، وحقوق الانسان، وحق تقرير المصير، وغير ذلك من الشعارات الرنانة. فما أن بدأ الانهيار في بنية المعسكر الشيوعي، في العقد الأخير من القرن العشرين. حتى كشفت الرأسمالية -وخاصة الأمريكية_ عن أنيابها، وأزالت عن وجهها الكريه كل الأصباغ الوردية التي تماهت خلفها. فقد أعلن أحد فلاسفتها فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ، أي سيادة القيم الرأسمالية للأبد. كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وارن كريستوفر أمام مجلس الكونغرس في الفترة ذاتها أن النصر الذي ستحققه الولايات المتحدة من خلال منظمة التجارة العالمية، لا يقل أهمية عن النصر الذي تحقق لأمريكا بانهيار المعسكر الشيوعي وانتهاء الحرب الباردة. وكان وزير الخارجية يحث بهذا مجلس الكونغرس على الموافقة على انضمام أمريكا للاتفاقية الجديدة, التي خلفت اتفاقية الجات الموقعة عام 1947. ذلك أن التجارة الخارجية للولايات المتحدة هي من اختصاص مجلس الكونغرس، وليست من اختصاص السلطة التنفيذية ولا يستطيع الوزراء، المختصون، ولا حتى رئيس الولايات المتحدة أن يبت في أية اتفاقية تجارية، دون موافقة الكونجرس، وهذا القيد قد تنبه له واضعوا الدستور الأمريكي، فأُدرج ضمن مواده والذي على أساسه قامت الولايات المتحدة.
لقد كانت اتفاقية الجات الموقعة عام 1947، تختص بتنظيم تجارة السلع عالميا، وما يستتبع ذلك من وضع نظام للرسوم الجمركية، على السلع المتبادلة بين الدول. لكن الاتفاقية الجديدة المسماة، منظمة التجارة العالمية -يرمز لها بالاحرف اللاتينية “WTO” وورلد تريد اورجنايزيشن.
قد تمت الموافقة عليها في جولة الأورغواي عام 1994م وقد اقحمت فيها الولايات المتحدة وبضغط سافر ومباشر وبتأييد من الدول الرأسمالية الأخرى موضوعين في غاية الأهمية والخطورة. هما موضوع حماية الملكية الفكرية وموضوع تجارة الخدمات.
وقد جاء في البند الأول من أهداف المنظمة
اقامة عالم اقتصادي يسوده الرخاء والسلام، فالمستهلك والمنتج كلاهما يعلم امكان التمتع بضمان الامداد المستمر بالسلع مع ضمان اختيار أوسع من المنتجات تامة الصنع ومكوناتها وموادها الخام، وكذلك بخدمات انتاجها، وبذلك يضمن كل من المنتجين والمصدرين ان الأسواق الخارجية ستظل مفتوحة دائما لهم. كما ورد في البند الثاني من أهداف المنظمة “أن يعرف المنتجون والمصدرون أن الأسواق الأجنبية سوف تظل مفتوحة لهم”
وترتكز اتفاقية منظمة التجارة العالمية على أربعة مبادئ رئيسة:
المبدأ الأول: يجب على الدولة العضو أن تعطي للدول الأعضاء كافة المزايا التي تعطيها لدولة أخرى سواء أكانت هذه الدولة عضواً في الاتفاقية، أو ليست عضواً فيها.
المبدأ الثاني: يجب على الدولة العضو في الاتفاقية أن لا تميز في التعامل بين منتجاتها المحلية والمنتجات المستوردة بنفس الشكل والمساواة في المعاملة.
المبدأ الثالث: يجب على الدولة العضو أن تعطي كل المعلومات المتعلقة بوضعها الاقتصادي والتشريعات المنظمة للاقتصاد في الدولة والاحصاءات المتعلقة بتجارتها وبالخدمات التي تقدمها، وبرواتب وأجور العاملين فيها، بل إن الولايات المتحدة ارادت في اتفاقية مراكش أن تضع حدا أدنى لأجور العمال، لأنها تعتقد أن العمالة الرخيصة في بلدان العالم النامية، تعتبر دعماً للمنتجات الوطنية، ما يشكل منافسة ضارة بالمنتجات الأمريكية.
وبمعنى آخر تريد الولايات المتحدة أن تُفتح أسواق العالم لها على قدم المساواة، مع منتجات أية دولة حتى في السوق المحلي لتلك الدولة. أي اسقاط أي نوع من الحماية أو الرعاية لأية صناعة أو زراعة في أية دولة. بل معاملتها على قدم المساواة، مع المنتجات الأمريكية ولا يخفى على أحد، التقدم العلمي والصناعي الذي تتميز به الولايات المتحدة، ما يجعل التنافس بين منتجاتها ومنتجات دولة كالأردن مثلاً كالمنافسة في سباق بين الغزال والسلحفاة. ولا يقتصر الأمر على السلع فقط، بل إن الاتفاقية تفتح المجال بالتساوي في تقديم الخدمات، كالرعاية الطبية، وخدمات البنوك، ومكاتب المحاسبة، والتعليم والطاقة والصرف الصحي. فكل هذه الخدمات يجب أن تخصخص، وتوضع تحت تصرف القطاع الخاص، وبدوره يتنافس القطاع الخاص المحلي مع القطاع الخاص الأجنبي، ومن يفوز في هذا التنافس يتولى السيطرة على الخدمة المحلية, ومن هنا ينبغي أن تفهم سياسة الخصخصة التي تجري في الأردن وفي غيره من الدول وتفهم سياسة النظام الأردني بخصخصة الخدمات الطبية وبدايتها ما جرى في المدينة الطبية، وما جرى لمطار الملكة علياء، وما سيجري قريباً لقطاع المياه وستتبعها بقية القطاعات تباعاً.
إن ما يجدر ذكره في هذه المناسبة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول من نادى بالحماية الجمركية في القرن التاسع عشر لحماية صناعتها الناشئة من منافسة الصناعة الأوروبية الأكثر تقدماً آنئذ، حتى إذا تعملقت صناعتها وبزت أقرانها أخذت تنادي بحرية التجارة وبالتساوي بين الدول في المعاملة، وهي التي اخترعت بعد الحرب العالمية الثانية ما سمي بسياسة الباب المفتوح لتلج من هذا الباب إلى مناطق النفوذ القديم، البريطاني والفرنسي والهولندي والبلجيكي وسائر دول الاستعمار القديم، التي كانت تبسط نفوذها على أسواق مستعمراتها وتقفل أبوابها دون الدول الأخرى.
ومما يجدر ذكره هنا أيضاً أن الولايات المتحدة تساندها بقية الدول الرأسمالية التي تنادي بحرية التجارة قد استثنت البترول من باقي السلع، فلا يجوز أن يخضع لحرية التجارة، بل جعلت له وضعاً خاصاً، له اعتبارات استراتيجية وسياسية، ولا يجوز أن يصبح ضمن اطار دولي، بل يجب أن يبقى ضمن الهيمنة الأمريكية ، وهذا شيء معروف ويحتاج الإعلان عنه إلى دولة مبدأية تمتلك ما هو أكثر من الشجاعة، أي تمتلك الإدارة السياسية المستقلة.
الآن وقد انهارت المحادثات، وانفض مؤتمر جنيف دون الاتفاق على شيء، وليس من المتوقع أن يعقد مؤتمر جديد حتى العام القادم على الأقل بسبب انشغال الولايات المتحدة في الانتخابات، وبسبب اصرار كل من الصين والهند على موقفها، فإن الأمل أن لا تتمكن الولايات المتحدة من تنفيذ مخططها وأن يتاح لاقتصاديات الدول الناشئة فرصة التقاط الأنفاس، قبل أن تعود أمريكا لممارسة ضغطها على المنظمة مرة أخرى. ذلك أن جوهر الخلاف الذي أدى إلى انهيار المؤتمر، يكمن في أن الولايات المتحدة أصرت على أن تلغي الهند والصين الرسوم الجمركية على المنتوجات الزراعية الأمريكية، وتسمح لها بالنفاذ بحرية إلى أسواق هاتين الدولتين، وفي الوقت نفسه تصر على أن تقدم معونات اقتصادية لمزارعيها، مما يخفف من كلف الانتاج لديهم، وقد أشارت مندوبة الولايات المتحدة في المؤتمر “سوزان شواب” إلى الصين والهند قائلة: “إن الاتجاه الذي سلكته بلدان يثير قلقاً لدينا” وقد رد وزير التجارة الهندي كمال ناث “أننا لا نعرقل المفاوضات، ولكن واشنطن تريد أن تحصل على ضعفي قيمة المساعدات المقدمة حالياً” كما رد المندوب الصيني على هذا الاتهام قائلا: “إن الولايات المتحدة لم تلتزم تقليص مساعداتها على القطن في شكل فعلي” ورأى أن هذه المساعدات تسببت بأضرار كبيرة لمنتجي القطن في الدول النامية وافريقيا، ولنحو 150 مليون مزارع صيني. ونبه إلى أن الصين مصممة على حماية انتاجها من القطن والأرز والسكر وترفض خفض الرسوم الجمركية عليها.
إن المشكلة التي أدت إلى انهيار المؤتمر، تكمن في أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، تصر على أن تقدم دعماً كبيراً لمزارعيها الذين ينتجون بعض السلع المهمة، كالسكر والأرز والقطن، والزيوت النباتية، مما يشجعهم على بيع منتوجاتهم بأسعار متدنية، وتريد في الوقت نفسه أن تدخل هذه المنتوجات إلى أسواق الدول الأخرى دون رسوم جمركية، مما يؤدي إلى خسائر جسيمة لدى المزارعين المحليين، وإن كانت الصين والهند قد رفضتا الانصياع للمطالب الأمريكية فإن دولاً افريقية مثل ملاوي وبنين وبوركينا فاسو، قد رضخت للضغوط الأمريكية، مما أدى إلى تدمير زراعة القطن لديها، وانضمام مزارعيه إلى طوابير الفقراء المتزايدة يوماً بعد يوم. وكذلك السعودية حيث تقلص انتاجها من القمح، وسوف تعتمد على استيراد هذه السلعة الاستراتيجية اعتماداً كلياً بحلول عام 2011 بعد أن كانت دولة مصدرة له حتى الأمس القريب.
لقد انضم إلى منظمة التجارة العالمية حتى الآن مائة وثلاث وخمسون دولة، ومن الدول العربية، الجزائر والبحرين، والمغرب والكويت، وتونس وجيبوتي، ومصر وقطر، والامارات والأردن، وعمان والسعودية، كما انضم لها دول أخرى من الدول القائمة في العالم الإسلامي، وأبين هنا ما جنته الدولة والناس من هذه العضوية، وما ينطبق علينا هنا في الأردن ينطبق على بقية دول العالم الثالث، ومنها بطبيعة الحال كل بلاد المسلمين دون استثناء.
لقد كان قرار الأردن تقديم طلب الإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية نهاية عام 1993 مبنياً على عدة اعتبارات حددتها الحكومة كما يلي:
أ- ان الأردن قد أصدر حزمة من القوانين الاقتصادية بهدف تحرير التجارة وتسهيل الاستثمار، وكانت هذه القوانين منسجمة مع متطلبات منظمة التجارة العالمية.
ب-ان عملية السلام -مع كيان يهود- وتوقع ازدياد التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، كان من الاعتبارات المهمة في قرار الحكومة طلب الإنضمام لعضوية منظمة التجارة العالمية.
ج-ان عولمة الاقتصاد التي تقودها ثورة تكنولوجيا المعلومات، جعلت من الانضمام ضرورة ملحة.
أما الفوائد المرجوة من انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية فحددها النظام بسبب سياسي وأربعة أسباب اقتصادية.
أما السبب السياسي فهو أن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية قد يؤدي إلى تأمين مظلة دولية تساعد الأردن على حماية مصالحه الاقتصادية من أية آثار سلبية تنجم عن تطوير مفاهيم جديدة للتعاون الإقليمي بين الدول المنظمة.
أما الفوائد الاقتصادية فهي كما حددها النظام الأردني:
أ- توجيه الاستثمار للانتاج من اجل التصدير، إذ أن صغر السوق الأردني لا يشجع على الاستثمار في الصناعة لأغراض الاستهلاك المحلي ولذا فإن الانضمام للمنظمة يوفر الأسس الضخمة للصادرات، وهذا يوفر فرصاً ضخمة للاستثمار، مما يقلل البطالة، ويحرك العملية الانتاجية.
ب- زيادة مصداقية الأردن أمام الأجانب المستثمرين، مما يهيئ المناخ لجذب الاستثمار، من خلال دخول مؤسسات أجنبية، تتمتع بكفاءة عالية وتخلق فرصا لللاستفادة من رؤوس الأموال المهاجرة التي ستشعر بالمزيد من الاطمئنان في ظل مناخ الانفتاح.
توقع زيادة التجارة البينية بين الدول العربية الأعضاء، في منظمة التجارة العالمية وتفسير ذلك أن المعوقات أمام التجارة العربية البينية هي في أساسها معوقات ادارية ومن خلال التزام الدول العربية بميثاق منظمة التجارة العالمية، فإن الدول العربية تلتزم بفتح حدودها وتزيل العوائق أمام التجارة البينية فتزدهر وتشهد نمواً ملحوظاً.
ان الانتاج يشجع المنافسة وبالتالي يؤدي إلى إقبال الصناعات على تطوير وتحسين منتجاتها من أجل البقاء في الأساس أي البقاء في الساحة.
وإذ نظرنا من زاوية محايدة إلى ما ساقه النظام من أسباب وما رجته وهدفت إليه من فوائد وما تحقق للأردنيين بعد ثمانية أعوام من الإنضمام أي منذ انضمت الأردن رسمياً إلى المنظمة في 11/4/2000 نجد ان النظام قد مارس\ت التدليس والكذب بشكل متعمد، فتطوير القوانين المتعلقة بالاستثمار إنما جاءت كشرط لقبول الأردن في عضوية المنظمة ولم يأت الدخول نتيجة طبيعية لتطوير الأنظمة الاقتصادية.
أما التعاون الاقليمي المزعوم فهو التعاون مع كيان يهود فحسب، ذلك أن الدول التي يحتويها الإقليم هي دول عربية، يوجد بينها العديد من الاتفاقات المنظمة للتجارة البينية، واولها اتفاق السوق العربية المشتركة، الذي ولد بالتزامن مع ولادة السوق الأوروبية المشتركة، وشتان بين السوقين. أما المعوقات فهي معوقات سياسية بين الدول العربية وليست معوقات ادارية، وهي ناتجة عن اختلاف العمالات والتبعات السياسية.
أما بخصوص الأهداف المرجوة من الانضمام للمنظمة، فالحكومة تتحدث عن توجيه الاستثمار للتصدير نظراً لصغر السوق الأردنية، إنه لأمر مضحك فالصادرات الأردنية هي في مجملها إما مواد خام كالبوتاس والفوسفات والطلب العالمي عليها لا يحتاج إلى تشجيع، وإما بعض الخضراوات والفواكه، والزيادة في انتاجها تقتصر على بعض المواسم، وهي تصرّف في دول الخليج دون حاجة إلى منظمة التجارة العالمية. وأما زيادة مصداقية الأردن أمام المستثمرين، فهي ليست زيادة مصداقية، بل هي حماية للمستثمرين الأجانب ليعيثوا في الأرض فساداً, ولنهب خيرات الأمة، فاليورانيوم الموجود في الأردن تقدر كميته بسبعمائة ألف طن ستأخذه فرنسا، مقابل بناء مفاعل نووي لانتاج الكهرباء، على أن يتم التخصيب في فرنسا، حتى لا يمتلك المسلمون أيه خبرات في هذا المجال، ثم تدفن المخلفات بعد التنضيب في أرضنا.
أما ما ذكره النظام من أن الانفتاح يشجع المنافسة، وبالتالي يؤدي إلى اقبال الصناعات على تطوير نفسها، فأمر يدعو إلى السخرية، فأين هي الصناعات التي ستتنافس، هل هي صناعات الطائرات أم صناعات السيارات، أم الصناعت الثقيلة، كصهر الحديد، ومحطات القوى الكهربائية وصناعة المفاعلات النووية.
لقد فتح السوق الأردني لما سمي الشريك الاستراتيجي، فاشترت احدى الشركات الفرنسية مصانع الاسمنت، لتطويرها، فكانت النتيجة أن خامة الاسمنت وهي خامة محلية، كانت تستخرج وتباع في السوق الأردنية بعد معالجتها وكان طن الاسمنت يباع في حدود 40 ديناراً للطن، وتحقق الشركة أرباحاً لا بأس بها، فأصبح سعر الطن حالياً يزيد على المائة دينار، ذهبت في معظمها لجيوب المستثمر الفرنسي، الذي اطلقت عليه وصف الاستراتيجي، لتضفي عليه الثقة والاحترام.
أما القضاء على البطالة فلم يلمس أحد إلا زيادتها لا القضاء عليها فقد ارتفعت من حوالي 15% قبل عشر سنوات إلى حوالي 30% الآن. والأردنيون يرون بأم أعينهم طوابير العمالة الأسيوية التي أغرقت البلد بالأمراض الوافدة، وتتكتم الحكومة عليها. إن المستثمر الأجنبي ونتيجة هذا الانفتاح الذي نتج عن انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية، قد فتحت أمامه أبواب البلد ليحصل منها بخبرته العريقة، وجشعه الرأسمالي، على حاجته محمياً بالاتفاقات الدولية والقوانين المحلية. ولا يجني أهل البلد إلا ما نرى من فساد وغلاء وتفشٍ للبطالة، وتآكل للطبقة الوسطى.
إن ما جرى للأردن بانضمامها لمنظمة التجارة العالمية، قد جرى لغيره فقد بيعت معظم مصانع القطاع العام في مصر، لمستثمرين أجانب، وما تبثه الفضائيات عن المظاهرات والاحتجاجات والتشنجات الاجتماعية ليس إلا مقدمة للويلات القادمة لكل من رهن موارد أمته للمستثمرين الأجانب، وإن الخلاص من الفقر والتبعية الاقتصادية كما التبعية السياسية، لا تكون بربط الأمة ومقدراتها بالعدو الكافر، وإنما تكون بطرده وإبعاده، وابعاد نظامه الرأسمالي الجشع واقامة نظام الإسلام في كل جوانب الحياة, وليس غير الخلافة جدير بهذه التبعة, وليس غير المخلصين أهل لهذه المسؤولية.
فالله تعالى نسأل وإليه نبتهل أن يأذن لنا بفرج من عنده ويعجل باقامتها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته