الرّجلُ على دِينِ خَليلِه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ
جاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
قَوْلُهُ : ( الرَّجُلُ )
يَعْنِي الْإِنْسَانَ
( عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ )
أَيْ عَلَى عَادَةِ صَاحِبِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَسِيرَتِهِ
( فَلْيُنْظَرْ )
أَيْ فَلْيَتَأَمَّلْ وَلْيَتَدَبَّرْ
( مَنْ يُخَالِلْ )
مِنْ الْمُخَالَّةِ وَهِيَ الْمُصَادَقَةُ وَالْإِخَاءُ , فَمَنْ رَضِيَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ خَالَلَهُ وَمَنْ لَا تَجَنُّبُهُ , فَإِنَّ الطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ وَالصُّحْبَةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي إِصْلَاحِ الْحَالِ وَإِفْسَادِهِ . قَالَ الْغَزَالِيُّ : مُجَالَسَةُ الْحَرِيصِ وَمُخَالَطَتُهُ تُحَرِّكُ الْحِرْصَ وَمُجَالَسَةُ الزَّاهِدِ وَمُخَالَلَتُهُ تُزْهِدُ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ الطِّبَاعَ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّشَبُّهِ وَالِاقْتِدَاءِ بَلْ الطَّبْعُ يَسْرِقُ مِنْ الطَّبْعِ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي. إنتهى.
قال القَرافِيُّ :” ما كُلُّ أحدٍ يَستحِقُ أنْ يُعَاشَرَ و لا يُصَاحَبَ و لا يُسَارَرَ “
و قال عَلْقَمَةُ : اِصْحَبْ مَنْ إنْ صَحِبْتَهُ زَانَكَ ، و إن أصابتك خَصاصةٌ عَانَكَ و إنْ قلتَ سَدَّدَ مَقَالَكَ ، و إنْ رأى منكَ حسنةً عَدَّها ، و إنْ بَدَتْ منك ثُلْمَةٌ سَدَّهَا ، و إنْ سألتَهُ أعطاك ، و إذا نَزَلَتْ بِكَ مُهِمَّةٌ وَاسَاكَ ، و أدْنَاهُمْ مَنْ لا تأتِيْكَ منه البَوائِقُ ، و لا تختلفُ عليكَ منه الطرائقُ
و يقول الشيخُ أحمدُ بْنُ عَطاءٍ : مُجَالَسَةُ الأضدادِ ذَوَبانُ الروحِ ، و مُجَالَسَةُ الأَشْكالِ تلقيحُ العقولِ ، و ليسَ كُلُّ مَنْ يَصْلُحُ للمُجَالسةِ يَصْلُحُ للمُؤَانَسَةِ ، و لا كُلُّ مَنْ يَصْلُحُ للمؤانسةِ يُؤْمَنُ على الأسرارِ ، و لا يُؤْمَنُ على الأسرارِ إلا الأُمَنَاءُ فَقَطْ.
مستمعينا الكرامُ:
يَنْظُرُ بَعْضُ الناسِ هذهِ الأيامَ إلى حالِهِ أوْ حَالِ أولادِهِ نَظْرَةَ حُزْنٍ وَتَأَسُّفٍ. ويَتَسَاءَلُ كيفَ وَصَلَ به أو بأولادِهِ هذا الحالُ. ويتساءَلُ كيفَ لهُ أنْ يُصْلِحَ مِنْ هذا الحالِ. ويَغْفُلُ السائلُ عن أثَرِ الرفاقِ والأصحابِ. فجاءَ ما جاءَ ذِكْرُهُ تبياناً لأهميةِ هذا الأمرِ. فَلْيَعْلَمْ مَنْ هذا حَالُهُ، أنَّ عليهِ أنْ يَنْقَلِبَ على نفسِهِ ويبحثَ عن رُفَقَاءِ خَيْرٍ يُعِيْنُوْنَهُ على طاعةِ اللهِ. ونسألُ اللهَ تعالى أنْ يَحُفَّنَا دَوْماً بالمتقينَ.