يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
{ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }.سورة التوبة: 32 ـ 33.
يبيّن الله لنا هنا طبع الكفار ونواياهم تُجاه الإسلام، ويبيّن عز وجل إرادته في إتمام نور الإسلام وإظهاره على سائر الأديان رغم أنف الكافرين والمشركين.
{ يُرِيدُونَ } أي الكفار وخاصة اليهود والنصارى لأن سياق الآيات التي سبقت هاتين الآيتين يشير إلى ذلك. فقد وصفت أولاً المشركين بأنهم نجس فلا يقربوا المسجد الحرام، ثم أمرت بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، ثم قال: { وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } وأنكر الله عليهم ذلك ووصفهم بالمشركين، ثم جاءت الآيتان المذكورتان أعلاه.
{ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ } قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: (أي ما بُعِثَ به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الهدى ودين الحق بمجرد جدالهم وافترائهم فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أُرسل به رسول الله صلى الله عليه و سلم لا بد أن يتم ويظهر، ولهذا قال تعالى مقابلاً لهم فيما راموه وأرادوه: { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } والكافر هو الذي يستر الشيء ويغطيه ومنه سمي الليل كافراً لأنه يستر الأشياء والزَرّاع كافر لأنه يغطي الحَبْ في الأرض). وإتمام نوره هو كناية عن انتشار الإسلام.
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } قال ابن كثير: (فالهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع، ودين الحق هو الأعمال الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة).
{ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } أي سائر الأديان. وهذا يشمل المبادئ مثل المبدأ الرأسمالي والمبدأ الشيوعي وإن كان الناس لا يسمونها ديناً، ويشمل كل فكرة أو كل مذهب يدين به الناس سواء كان هذا الدين أصلاً من عند الله وحرّفه الناس أو كان من صنع البشر ابتداءً. { لِيُظْهِرَهُ } أي ينصره بحيث تصبح الغلبة له.
وهنا تأتي أسئلة حول عبارتي { يُتِمَّ نُورَهُ } و{ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ }:
1- هل ما حصل في السابق هو كل ما أراده الله من إتمام النور وإظهار الدين، أو أن ما حصل هو مرحلة وتليها مراحل؟
2- إتمام النور هل يعني أن يبلغ الإسلام جميع الناس أو أكثر الناس أو بعض الناس؟
3- الظهور على كل الأديان والمبادئ وهل يكون في وقت واحد، وهل يستمر أو يكون مؤقتاً؟ ونستعين بأحاديث رسول الله r لفهم المقصود. قال صلى الله عليه و سلم : «ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله هذا الدين يعزّ عزيزاً ويذلّ ذليلاً، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر» رواه الإمام أحمد. وقال صلى الله عليه و سلم : «انه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة» مروي في الصحيح. وجاءت أحاديث كثيرة تتحدث عن المستقبل أيضاً.
هذه الأحاديث تتضمن الإجابة عن هذه الأسئلة… فنور الإسلام سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، أي جميع الناس. وبلوغ الإسلام للناس لا يكون بلوغ سماع فقط بل بلوغ سيطرة وحكم، فمنهم من يعزّه الإسلام حين يعتنق الإسلام والباقون الذين يرفضون الإسلام سيصيبهم الذل بخضوعهم للإسلام. فيكون ما حصل من انتشار الإسلام وظهروه في السابق هو مرحلة وليس هو نهاية المطاف.
ولم يحصل أن حكم المسلمون العالم كله حتى الآن. والأحاديث، التي هي خير ما يفسر القرآن لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «استنطقوا القرآن بسنتي»، تفيد أن المسلمين سيحكمون العالم، والأرجح أن يحصل ذلك في وقت واحد، أي أن يصبح الحكم في العالم كله للدولة الإسلامية. وهذا الحكم يدوم زمناً يعلمه الله، ثم ينحسر ولا يستمر إلى يوم القيامة، لقوله: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد الاّتُ والعُزّى» .