الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ قَالَ يَا مُحَمَّدُ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ
جاء في تُحْفَةِ الأَحْوَذِيِّ بِشَرْحِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ
( وَلَمَّا يَلْحَقْ هُوَ بِهِمْ )
قَالَ الْحَافِظُ : هِيَ أَبْلَغُ فَإِنَّ النَّفْيَ بِلَمَّا أَبْلَغُ مِنْ النَّفْيِ بِلَمْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ وَلَوْ بَعْدَ اللَّحَاقِ . وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ : وَلَمْ يَلْحَقْ بِعَمَلِهِمْ . وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ : وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِمْ . وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمِثْلِ عَمَلِهِمْ وَهُوَ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ اِنْتَهَى
( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )
يَعْنِي مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا بِالْإِخْلَاصِ يَكُونُ مِنْ زُمْرَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُمْ لِثُبُوتِ التَّقَارُبِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ , وَرُبَّمَا تُؤَدِّي تِلْكَ الْمَحَبَّةُ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ , وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى مَحَبَّةِ الصُّلَحَاءِ وَالْأَخْيَارِ رَجَاءَ اللَّحَاقِ بِهِمْ وَالْخَلَاصِ مِنْ النَّارِ .
إنَّ المؤمنَ يُحِبُّ اللهَ تعالى، { والذينَ امنوا أشَدُّ حُبّاً للهِ }، ويُحِبُّ رسولَهُ الكريمَ الملازمَ لِحُبِّ اللهِ تعالى { أَحَبَّ إليكُمْ مِنَ اللهِ ورسولِهِ }، ويُحِبُّ مَنْ أَحَبَّ اللهَ مِنْ أهْلِ الصلاحِ و الخيرِ.
ولكنَّ العَجَبَ كُلَّ العَجَبِ مِمَّنْ يُحِبُّونَ الْحُكَّامَ المتحكِمِينَ في رِقابِ المسلمينَ. فهذا يُحِبُّ فَهْداً لِحُبِّهِ لأبيهِ عبدِ العزيزِ، وذاكَ يُحِبُّ عَرَفاتٍ، وهذا يُحِبُّ عبدَ الناصرِ، وذاكَ يُحِبُّ حُسَيْناً، وهذا يُحِبُّ حُسْنِيْ، وذاكَ يُحِبُّ عبدَ اللهِ الأولَ أو الثانيَ..
فَنُذَكِّرُ هؤلاءِ بِقولِ رسولِنا الكريمِ “الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”. أَفَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ عَطَّلُوا الْحُكْمَ بما أنزلَ اللهُ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ عَطَّلَ حُدُوْدَ اللهِ؟ّ أَوَنُحِبُّ أنْ نَكُوْنَ مَعَ مَنْ أَبَاحُوا الربا و الخمورَ و الفجورَ! أَوَنُحِبُّ أنْ نَكونَ مَعَ مَنْ عَادَى اللهَ ورسولَهُ! أَوَنُحِبُّ أنْ نَكُوْنَ مَعَ مَنْ آذَى أولياءَ اللهِ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ قَسَّمَ بلادَ المسلمينَ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ أعانَ الكُفَّارَ على قتلِ المسلمينَ واغتصابِهِمْ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ خانوا اللهَ وبَاعُوا البلادَ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ عَاثَ في الأرضِ الفَسَادَ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ شَقَّ على أُمَّتِهِ!
ونُذَكِّرُ في الْخِتامِ بقولِ اللهِ تعالى { هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } {4/109}