مع القرآن الكريم – وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [سورة آل عمران: 187].
هل هذه الآية الكريمة خاصة بأهل الكتاب، أي اليهود والنصارى، أو هي عامة لجميع أهل العلم؟ إنها تشمل جميع أهل العلم. وقد عنْوَنَ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية بما يلي: (معاهدة الله لأهل العلم ببيانه وعدم كتمانه عن خلق الله).
الموضوع الذي نزلت فيه الآية الكريمة هو أن الله أخذ العهد على الذين أوتوا الكتاب على ألسنة أنبيائهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه و سلم وأن ينوهوا بذكره في الناس. ولكنهم كتموا ونبذوا العهد طمعاً بحطام تافه. وفي الآية توبيخ لهم وتهديد. وجاء في آخر الآية قوله تعالى: { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } وهذا ينقل الآية من الخصوص على العموم. يقول ابن كثير: (وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم). وجاء في الحديث الشريف: «من سُئِل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار».
ولننتقل الآن من نص الآية الكريمة على واقع علمائنا اليوم.
1- غالبية العلماء في البلاد الإسلامية لا يتركون مناسبة إلا ويقدمون التهنئة للحكام، مع العلم أن هؤلاء الحكام يُحلّون الحرام ويحرمون الحلال ويعطلون شريعة القرآن ويحتكمون على شرائع الكفر. إن تقديم التهاني للحكام هو مبايعة له وقبول بنظامه ودعوة على متابعته على علاته. خاصة وأن هذه التهاني تكون من الذين يتولون مناصب الإفتاء.
2- الذين يتولون مناصب الإفتاء لا يكتفون بتهنئة الحاكم بمناسبة تسلمه الحكم، بل رأينا أنّهم يقدمون التهاني في ذكرى تأسيس أحزاب علمانية أو أحزاب كفر.
3- الذين يتولون مناصب الإفتاء يصدرون الفتاوى التي يطلبها الحاكم لتبرير أعماله ولو كانت من أشد المحرمات. ومن هذا القبيل ما أصدروه من فتاوى لمصلحة الجيش الأميركي (وحلفائه) أثناء حرب الخليج، وما أصدروه من جواز المفاوضات مع اليهود والتنازل لهم عن فلسطين ومصالحتهم والقبول بدولتهم، وما أصدروه من جواز بقاء البلاد الإسلامية مجزّأة وممزقة بضعاً وخمسين مزقه…
لماذا تكون فتاوى المفتين دائماً لمصلحة الحاكم وكأن هؤلاء الحكام معصومون! لماذا لا يصارحهم العالِم أو المفتي بأنهم هم سبب المشاكل؟
فإذا صار أهل العلم غير منحازين انحيازاً أعمى على صف الحكام وصاروا يتحرّوْن الحق ويجهرون به، عند ئذ يصبح لفتواهم قيمة عند الناس وتبرأ ذمتهم عند الله، وإلا فإنهم يكونون نبذوا عهد الله وراء ظهورهم مقابل ثمن قليل وبرئت منهم ذمة الله .