Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق – طرابلس الإسلام: نار تخيف ونور تبشر

الخبر:

      لقيت المصالحة التي رعاها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري في طرابلس والتي وقع عليها ما يزيد على أربعين شخصاً من زعماء المدينة، لقيت اهتماماً سياسياً و إعلامياً كبيرين. وقد جاءت هذه المصالحة مباشرة بُعَيْدَ ما صرح به الرئيس السوري في القمة الرباعية التي انعقدت في دمشق بين رؤساء كل من سوريا وقطر وفرنسا ورئيس وزراء تركيا أردوغان, والذي شدَّد فيه على خطر التطرف, والسلفية المدعومة من دولة خليجية, وصرح فيه بأن الاستقرار في لبنان هش, وأنه لا جدوى من أي عمل ما لم تحل مشكلة التطرف, وأصر على ضرورة حلها بالقوة, وقال أنه طلب من الرئيس اللبناني وأصر عليه في اجتماع القمة بينهما إرسال قوات من الجيش اللبناني إلى طرابلس.

                                                  

التعليق:

      يذهب بعض المراقبين إلى أن المصالحة التي قام بها سعد الحريري هي عمل انتخابي, ولا شك أن المقاصد الانتخابية منها هامة جداً. إلا أن أهدافها تتجاوز المصالح الانتخابية بكثير, ويمكن أن نتذكر في هذا المجال ماصرح به وليد جنبلاط  قبل شهرين تقريبا من أن هناك صراعاً دولياً في مدينة طرابلس.

      وينبغي ملاحظة أن هذا السعي الحثيث من تيار المستقبل لاجراء المصالحة جاء بعد الوثيقة التي تم توقيعها بين حزب الله وفريق سلفي صغير, حيث أيدها حلفاء حزب الله وسائر أدوات سوريا في لبنان, ورفضها تيار المستقبل وحلفاؤه وسائر أدوات السعودية, ثم تم تعليقها.

      ونلاحظ أن عقد المصالحة هذا- الذي رعاه الحريري – ليس فيه وجود لحزب الله, وبالتالي فإن ما جرى يعد مواجهةً وإفشالاً للسياسة السورية في شمال لبنان, وهو أحد أعمال الصراع بين 8 و 14 آذار, و بين سوريا والسعودية.

      إن الصراع في لبنان يتجاوز حد المقاعد الانتخابية، إلى حد الاستماتة بين مشروعين, مشروع أمريكي أداته الرئيسة في لبنان سوريا وأدواتها, ومشروع أوروبي فرنسي أداته الرئيسة في لبنان السعودية وأدواتها وسائر فريق 14 آذار, حيث تسعى أمريكا إلى ضمان تحقيق سيطرة تامة على كافة مؤسسات الدولة وقوى المجتمع, وتجد في مسلمي طرابلس ومحيطها ثقلاً ليس لصالحها, لذلك فهي تريد اختراق هذه الساحة وتفتيتها وشرذمتها لأجل إضعاف خصومها, المتمثلين بتيار المستقبل في مواجهة مؤيدي 8 آذار في الشمال, لذلك فإن توقيع الوثيقة بين حزب الله وتيار سلفي صغير, وتأييد هذه الوثيقة من أدوات سوريا ليس إلا عملاً سوريا لاختراق الساحة وشرذمتها.

      لذلك كان هذا الأمر على مقدار بالغ من الأهمية, بل من الخطر على تيار المستقبل وفريق 14 آذار ومشروعهم السياسي عموماً, ما دفعهم إلى إفشال هذه المحاولة وإلى بذل ما يستطيعون لإجراء المصالحة شبه الشاملة في طرابلس, وإلى الهجوم العنيف على الرئيس السوري وحزب الله.

      إلا أن الأهم من هذا وذاك هو إدراك أن هذه الأعمال تندرج تحت الاستراتجية الأمريكية والتي باتت اليوم ذريعة استراتجية, على غرار ذرائعها في الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان, وهي ذريعة محاربة الإرهاب الذي يقصدون به الإسلام, والتي يشكل النظام السوري فيها رأس حربة في المنطقة. وهذا هو المنطوق الصريح لكلام بشار الأسد في القمة الرباعية, كما أنه كان من مواضيع البحث في القمة الثنائية بين بشار الأسد وميشال سليمان, مما يدل على أهمية الأمر لأمريكا ولعميلها.

      لقد قررت أمريكا, ورسمت دور الجيش والقوى الأمنية اللبنانية, بأنه دور داخلي فقط, وأنه لمحاربة الإرهاب والتطرف والأصولية, وليس للجيش اللبناني دور خارجي, وخصوصاً تجاه إسرائيل, والأمن الخارجي تتكفل به القوانين والاتفاقات الدولية, ودور الجيش وتسليحه وما يقدم له من دعم إنما هو بحدود الأمن الداخلي, ومحاربة الإرهاب والأصولية والتطرف…

      لأجل ذلك فإن أمريكا وسوريا تتعاونان في هذا الشأن بشكل كامل, وتقتضي هذه السياسة إثبات وجود هذا الإرهاب وخطره. لذلك فإن سوريا تقوم بصناعته وتعهده, ثم تقوم بتفعيله لتثبت وجوده وخطره على الاستقرار في لبنان وفي المنطقة والعالم.

      هذا الأمر هو ما قامت به سوريا في أيار 2007 في مخيم نهر البارد شمالي لبنان, وقطفت أمريكا ثماره.

      وهو ما سبق أن قامت به في جبال الضنية شمالي لبنان في العام 2000.

      وهو الذي تخطط لعمله حالياً في مدينة طرابلس وتصر عليه.

      إنه ذريعة استراتيجية أمريكية, وسورية أيضا, وتجد فيه أمريكا وسيلة ناجعةً لتحقيق مآربها في إجبار خصومها على أحد أمرين: إما الوقوع في قبضتها والخضوع لها وإما أن يكونوا فريسةً للإرهاب الذي تصنعه وتوجهه.

      إن ما يجب التحذير منه هو أن امريكا, وبواسطة عميلها بشار الأسد, لن تتراجع عن هذه السياسة الشيطانية, ولن يوقفها عن ذلك ما جرى من مصالحة في طرابلس, خصوصاً وأن أدوات الصراع في المدينة قد غلب عليهم الانقياد عن رضى واختيار للسياسين والزعماء الذين هم بدورهم أدوات للمشاريع الخارجية، فتراهم – وحتى باسم الإسلام – ينقسمون في تبعيتهم إلى فريقين, فريق يتبع 8 آذار ومن خلفهم, وفريق يتبع 14 آذار ومن خلفهم.

      لذلك – وللأسف – فقد ارتضوا أن يكونوا عود ثقاب يقدحه من يقدحه, ليشعل به حرائق تأتي على البشر والحجر وعلى الأخضر واليابس.

      إن ما يشهده العالم الاسلامي عموماً, ومنطقة طرابلس- اليوم- خصوصاً, هو ظاهرة تدل على أن الكفار المتصارعين على بلادنا لم يعودوا قادرين على التأثير في الناس وتحريكهم إلا من خلال الحركات والقيادات الإسلامية, وهذه الظاهرة فيها ما يدل على الصحوة الإسلامية, وما يبعث على البشرى لجهة أن الساحة لم يعد فيها ثقل لغير الإسلام. وفيها أيضاً ما هو مؤسف, إذ إن هذه الصحوة ما زال ينقصها الكثير لجهة إدراك معنى الولاء لله الذي يقتضيه الإيمان, ولجهة إدراك أن الإسلام الذي تحركوا لأجله يوجب عليهم التوكل الحق على الله تعالى, والسير في مشروع الإسلام العظيم نحو إقامة كيان الأمة, نابذين كل المشاريع الأمريكية أو الأوروبية, السورية أو السعودية, ونابذين كل الذين يستعملونهم عيدان ثقاب, يشعلونها لأجل أسيادهم ومصالحهم, و ليس لأجل الإسلام.

      ولنا فيما جرى ويجرى تجارب وعبر…

      فهذا هو ما يفعلونه مع السلفية في طرابلس وغيرها…

      وهو ما يفعلونه مع حزب الله… وهو ما يفعلونه مع حركة التوحيد الإسلامي… وهو ما يفعلونه مع ما يسمى جبهة  العمل الإسلامي… وغيرهم وغيرهم…والقائمة ليست قصيرة .

نسأل الله تعالى أن يأخذ المسلمون من ذلك العبر, وأن يصحوا على حقيقة أمر الله لهم من قريب.

      قال تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ}

      وقال أيضاً: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}. صدق الله العظيم . 

 

كتبه : محمود عبد الكريم