مع الحديث الشريف – البيعة على الإسلام والنصح لكل مسلم
عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمْ الْآنَ ثُمَّ قَالَ اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَشَرَطَ عَلَيَّ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ” رواه البخاري
ذكر الإمام ابن حجر في الفتح بتصرف يسير:” كَانَ الْمُغِيرَة وَالِيًا عَلَى الْكُوفَة فِي خِلَافَة مُعَاوِيَة, وَكَانَتْ وَفَاته سَنَة خَمْسِينَ مِنْ الْهِجْرَة, وَاسْتَنَابَ عِنْد مَوْته اِبْنه عُرْوَة, وَقِيلَ اِسْتَنَابَ جَرِيرًا الْمَذْكُور, وَلِهَذَا خَطَبَ الْخُطْبَة الْمَذْكُورَة.
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( حَتَّى يَأْتِيكُمْ أَمِير ) أَيْ بَدَل الْأَمِير الَّذِي مَاتَ .
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اِسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ ) أَيْ اُطْلُبُوا لَهُ الْعَفْو مِنْ اللَّه.
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالنُّصْحِ ) أَيْ: شَرَطَ عَلَى الْإِسْلَام وَالنَّصِيحَة, وَفِيهِ دَلِيل عَلَى كَمَالِ شَفَقَة الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَنَاصِح ) إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ وَفَّى بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُول, وَأَنَّ كَلَامه خَالِص عَنْ الْغَرَض . ( فَائِدَة ) : التَّقْيِيد بِالْمُسْلِمِ لِلْأَغْلَبِ, وَإِلَّا فَالنُّصْح لِلْكَافِرِ مُعْتَبَر بِأَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَام وَيُشَار عَلَيْهِ بِالصَّوَابِ إِذَا اِسْتَشَارَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْبَيْع وَنَحْو ذَلِكَ فَجَزَمَ أَحْمَد أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ بِالْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيث”
قلنا في حلقات سابقة أن النصيحة دائرة بين الوجوب والندب وقد فسر النووي رحمه الله كيف تكون هذه النصيحة، واليوم نقف وإياكم حول قبول الخلفاء النصح من الرعية، فرحم الله الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه لقبوله المحاسبة والنصيحة؛ فعن الحسن قال: قال رجل لعمر رضي الله عنه، اتق الله يا أمير المؤمنين فوالله ما الأمر كما قلت. قال فأقبلوا على الرجل فقالوا: لا تألت أمير المؤمنين، فلما رآهم أقبلوا على الرجل قال: دعوه فلا خير فيهم إذا لم يقولوها ولا خير فينا إذا لم تُقَلْ لنا.
وعن حذيفة قال: دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره يحدّث نفسه فدنوت منه فقلت: ما الذي أهمّك يا أمير المؤمنين؟ فقال هكذا بيده وأشار بها، قال: قلت الذي يهمك والله لو رأينا منك أمراً ننكره لقوّمناك، قال آلله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم مني أمراً تنكرونه لقوّمتموه؟ فقلت آلله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمراً ننكره لقومناك، قال ففرح بذلك فرحاً شديداً، وقال الحمد لله الذي جعل فيكم أصحاب محمد من الذي إذا رأى مني أمراً ينكره قومني.
وعن ناشرة بن سمي اليزني قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:… ففرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف إلا جويرية وصفية وميمونة فقالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا، فعدل بينهن عمر… كيف لا وهو القائل أحب الناس إليّ من رفع إليّ عيوبي.
وبما أن الخلافة القادمة سوف تكون على منهاج النبوة، فإننا لنستبشر خيراً في الخلفاء القادمين بقبولهم النصيحة، وعدم صمّ آذانهم عنها.