الخلافة مناسبة إسلامية أم مناسبة حزبية
في السابع والعشرين من شهر رجب صادفت ذكرى عزيزة على نفس كل مسلم ألا وهي ذكرى الإسراء والمعراج حيث أسرى الله سبحانه وتعالى بصفيه من خلقه صلى الله عليه وآله وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ثم عُرج به إلى السموات العلى ليسري الله عز وجل عن قلب حببيه عليه وآله الصلاة والسلام { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } وقد احتفل المسلمون كل المسلمين بهذه المناسبة على جميع المستويات والأصعدة الرسمية والشعبية أو الجماهيرية كما يصفونها .
فرأينا الحكام وقد أقاموا المهرجانات ونصبوا الصوانات احتفاءا واحتفالا بهذه المناسبة وألقوا الخطابات الطنانة وهتفوا بالشعارات الرنانة سواء بذواتهم أو بمن وكلوهم عنهم من المسئولين ، واحتفلت وزارات الأوقاف ووزراؤها ، ولم تغفل وسائل الإعلام بجميع أنواعها المسموعة والمرئية والمقروءة وبجميع مستوياتها الرسمية منها والخاصة ، المحطات الأرضية والفضائية المحلية والخارجية كلها احتفلت وهنئت الأمة الإسلامية بهذه المناسبة . وكان للجماعات والحركات ، والمنظمات والهيئات الإسلامية نصيبها في الاحتفال فعقدت الاجتماعات والمؤتمرات وأقامت الندوات والمحاضرات .
وشمر العلماء والمفكرون والخطباء عن سواعدهم فكانت المقالات والدروس والخطب والندوات أيضا والمحاضرات من على المنابر وعبر شاشات التلفزيون ومن خلال أثير الإذاعات باختصار ولعلي أطلت كان للكل نصيبه ودوره في الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج . وبغض النظر عن كيفية احتفالهم وعن الكيفية التي كان يجب أن يحتفلوا بها في هذه الذكرى إلا أنهم احتفلوا .
وفي الثامن والعشرين من رجب أي في اليوم الثاني تماما مرت ذكرى الأصل أنها أليمة على قلب كل مسلم ألا وهي ذكرى هدم الدولة الإسلامية فخفتت تلك الأصوات بل صمتت كلها فلا الحكام ووزراؤهم ، ولا الحركات والجماعات والأحزاب ، ولا العلماء والمفكرون والخطباء ، ولا وسائل الإعلام على مختلف أنواعها ومستوياتها ، نعم لم يحيي أحد من هؤلاء هذه الذكرى الأليمة بل لم يأتِ أحد منهم على ذكرها لا من قريب ولا من بعيد ، لم يحيي هذه الذكرى إلا جهة واحدة فقط وهي حزب التحرير
لو كانت ذكرى هدم الخلافة بعيدة جدا لقلنا طال عليهم الأمد فنسوها لكن أن يمضي على ذكرى الإسراء والمعراج ما يزيد عن ألف وأربع مائة سنة فيحتفلون بها ولم ينسوها ويمضي على هدم الخلافة سبع وثمانون عاما ولم يحيوا ذكراها فالعقل والواقع يقولان أنه لا يمكن أن يكونوا قد نسوها وأن هناك أمر آخر أدى لعدم إحيائهم لهذه الذكرى ، فيا تُرى هل الإسراء والمعراج مناسبة إسلامية وهدم الخلافة مناسبة حزبية .
الذي جعل من حادثة الإسراء والمعراج مناسبة يحتفل بها المسلمون حيث قال :{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } هو هو سبحانه وتعالى الذي قال : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }
وقال : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } وفي آية {الظَّالِمُونَ }وفي آية { الْفَاسِقُونَ } ، وقال عليه وآله الصلاة والسلام :” حدّ يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا” النسائي وابن ماجه، وقال أيضا :” من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له.
ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” رواه مسلم ، وقال :” إنما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتقى به” رواه مسلم . فجعل سبحانه من تحكيم الشرع في واقع الحياة والمجتمع فرضاً على جميع المسلمين.
وإن كنا نتفهم عدم إحياء الحكام لهذه الذكرى حيث يتصورون أنه بإقامة دولة الخلافة هلاك لهم وضياع لمصالحهم بدل أن يتصوروا أن فيها حياة وعزة لهم وللمسلمين .
وإن كنا نتفهم لماذا لم يحي المسؤولون في الحكومات القائمة في العالم العربي والإسلامي فهم على دين حكامهم .
فكيف لنا أن نتفهم عدم إحياء الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية لهذه المناسبة وكيف لنا أن نتفهم أيضا عدم إحياء العلماء والمفكرين لها وهم الذين يدعون أنهم قائمون للعمل للإسلام والدعوة له وهم الذين يتغنون ليل نهار بنصرة الإسلام والعمل على إحيائه وتطبيقه ، فهل من عمل للإسلام ونصرة له وهل من إحياء للإسلام إلا بجعله مطبقا في واقع حياة المسلمين ! وأقله أن يحييوا ذكرى غياب الإسلام وضياع أحكامه بزوال دولته .
يقول سبحانه وتعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } ويقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
كتبها : محمد أبو ناجي/ غزة