مع الحديث الشريف كُلُّ أُمَّتِيْ مُعافىً إِلاّ الْمُجاهِرِينَ
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:”كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ“. رواه البخاري ومسلم رحمهما الله.
إن المسلم مأمور أن يستر ذنبه وذنب غيره، وهو مأمور بالتوبة وبالأعمال الصالحة ولا يعود إلى ما اقترف من معاصي، يساعده على ذلك أن أسباب المعاصي مُغلقة أبوابها في المجتمع الإسلامي الذي يُطبق فيه الإسلام، وتُنكر فيه كل المخالفات الشرعية فلا يُفضي بعضها إلى بعض.
أما الحال اليوم الذي غَيَّب فيه الحكام تطبيق الإسلام ووجّهوا لظهور المنكرات جهاراً نهاراً بل أعطوا المِنح للمجاهرين بالمعصية والمروّجين لها، فاعتبر الستر جُبنا والمجاهرة بالذنب شجاعة، فَقَلَّ الحياء وغاضت الفضيلة وطورد الجهر بالحق فلا وازع للناس من قرآن ولا من سلطان إلاّ من رحم الله تعالى وهم في ازدياد، وأَمِنَ الناس شر الدنيا والآخرة ولا يأمنهما إلاّ من سفه نفسه وقلّ فقهه. فاللهم عجل لنا بإقامة الخلافة حتى تُقام الحدود فيسود الزجر والجبر وأشِعْ فينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأسبغ علينا سترك في الدنيا والآخرة وخلّصنا من حكام المنكر ليسود المعروف الذي ترضاه وندعوك فتستجيب لنا.
وروى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”من ابتلى من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله فإنه من يُبدلنا صفحته نُقم عليه كتاب الله”.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:( فما دام الذنب مستوراً فعقوبته على صاحبه خاصة، وإذا ظهر ولم يُنكر كان ضرره عاماً، فكيف إذا كان في ظهوره تحريك لغيره إليه، ولهذا كره الإمام أحمد وغيره إنشاد الأشعار-الغزل الرقيق- لأنه يحرك النفوس إلى الفواحش، فلهذا أمر من يُبتلى أن يَعِفّ ويكتم ويصبر ).