Take a fresh look at your lifestyle.

الرأسمالية الاقتصادية تغرق في الانهيار بعد الاشتراكية الشيوعية والإسلام وحده هو العلاج الناجع والواقي من الأزمات الاقتصادية

تفاعلت أزمة الرهن العقاري، وتوسعت في القروض، وعجز المقترضون عن السداد، فأفلست كبرى البنوك والمؤسسات المالية في أمريكا أو كادت، وبسبب كثافة الدعاية لسوق الرهن العقاري في أمريكا، وللأرباح الوفيرة المتوقعة وفق أرباب صناعة الإعلان… فقد تسارعت البنوك الدولية والأسواق المالية الدولية للاستثمار في هذا السوق، وهكذا انعكس إفلاس البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية على العالم، وأصابت “عطسة” أمريكا العالم بالزكام، بل بالعطس أيضا…

 

لقد قدرت بعض المصادر المالية خسائر الرهن العقاري بنحو “300” مليار دولار في أمريكا وحدها، و”550″ مليار دولار في دول العالم الأخرى! فبدأت الدول، وبخاصة الغنية، تضخ الأموال بالمليارات إلى الأسواق المالية لإسناد السوق وتوفير السيولة لتحريك عملية الاقتصاد، بل إن بعضها تدخلت مباشرة لدرجة وصلت التأميم لبعض المصارف كما حدث في بريطانيا!

 

وهكذا “سقط” أهم أسس النظام الاقتصادي الرأسمالي وهو حرية السوق وعدم تدخل الدولة، وهذان “عقيدة” عند الرأسماليين، حتى إن مجلس الشيوخ الأمريكي في تشرين أول سنة 1999م قد أصدر تشريعا شدد فيه على منع أي قيود على النظام المالي، بل أطلق تحرير سوق المال على مصراعيه…،  ثم تبين لواضعي هذا الأساس فساده وبطلانه، حتى إن “زعيمة” الرأسمالية، الولايات المتحدة الأمريكية، أعلنت التدخل في السوق بموافقة الكونجرس الحالي بشقيه، الشيوخ والنواب، على خطة “الإنقاذ” التي وضعها وزير الخزانة الأمريكي “هنري بولسن” بضخ “700” مليار دولار لشراء الأصول المتعثرة “الرديئة” للبنوك والمؤسسات المالية المتورطة في الرهون العقارية! وقد بدأ بولسن بعد ساعة واحدة من إقرار الكونجرس خطة الإنقاذ، بدأ العمل التنفيذي لخطته!.  

 

أي أن النظام الاقتصادي الرأسمالي قد أصبح في موت سريري، بعد أن تم دفن النظام الاشتراكي الشيوعي!

 

وتسارعت الإجراءات عالميا … فتداعت أربع دول كبرى في أوروبا” فرنسا ، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا” للاجتماع، ودعت إلى اجتماع أوسع لدراسة نظام مالي…، وكذلك تداعى وزراء المال والخزانة وحكام المصارف المركزية في مجموعة السبع “أو الثماني مع روسيا” إلى اجتماع قريب في واشنطن…

 

لكن هل هذه المحاولات ستنقذ الاقتصاد الرأسمالي وفق التسمية التي أطلقتها أمريكا على خطتها بأنها “خطة إنقاذ”؟

 

إن المتدبر لواقع النظام الرأسمالي الاقتصادي يجده على شفير الهاوية، إن لم يكن سقط فيها بعد، وإن كل ما يصنعونه من خطط لإنقاذه لن تكون في أحسن حالاتها إلا تخديرا يخفف الألم لبعض الوقت، وذلك لأن أسباب هذا الانهيار تحتاج إلى معالجة جذورها، وليس إلى ترقيع أغصانها.

 

إن هذه الأسس والجذور، هي أمور أربعة:

 

الأول: إن إقصاء الذهب عن كونه الغطاء النقدي، وإدخال الدولار شريكا له في اتفاقية بريتون وودز مع نهاية الحرب الثانية، ثم بديلا له في أوائل السبعينات، قد جعل الدولار متحكما في الاقتصاد العالمي، بحيث تكون أية هزة اقتصادية في أمريكا مشكِّلةً ضربة قاسية لاقتصاد الدول الأخرى، وذلك لأن مخزونها النقدي، معظمه إن لم يكن كله، مغطى بالدولار الورقي الذي لا يساوي في ذاته أكثر من الورقة والكتابة عليها، و حتى بعد أن دخل اليورو “حلبة الملاكمة”، وأصبحت الدول تحتفظ في مخزونها النقدي نقودا غير الدولار، إلا أن الدولار بقي يشكل النسبة الأكبر في مخزون الدول بشكل عام.

 

ولذلك فما لم يرجع الذهب غطاء نقديا، فإن الأزمات الاقتصادية ستتكرر، وأي أزمة في الدولار، ستنتقل تلقائيا إلى اقتصاد الدول الأخرى، حتى إن افتعال أزمة سياسية تخطط لها أمريكا ستنعكس على الدولار ومن ثم على العالم، ومثل هذا قد يحصل مع أي نقد ورقي آخر لدولة ذات نفوذ.

 

والثاني: إن القروض الربوية تشكل مشكلة اقتصادية كبرى، حتى إن مقدار الدين الأصلي سيتضاءل مع الزمن بالنسبة للربا المحسوب عليه، فيصبح عجز الأفراد والدول أمرا واردا في كثير من الحالات، ما يسبب أزمة تسديد الدين، وتباطؤ عجلة الاقتصاد لعدم قدرة كثير من الطبقات الوسطى بل والكبرى عن تسديد الدين ومواكبة الإنتاج.

 

والثالث: إن النظام المعمول به في البورصات والأسواق المالية، من بيع وشراء للأسهم والسندات، والبضائع دونما شرط التقابض للسلع بل تشترى وتباع مرات عدة ، دون انتقالها من بائعها الأصلي، هو نظام باطل يعقد المشكلة و لا يحلها، حيث يزيد التداول وينخفض دون تقابض بل دون وجود سلع…، كل ذلك يشجع المضاربات والهزات في الأسواق، وهكذا تحدث الخسائر والأرباح بطرق شتى من النصب والاحتيال وقد تستمر وتستمر قبل أن تنكشف وتصبح كارثة اقتصادية.

 

والرابع : وهو أمر مهم، وهو عدم الوعي على واقع الملكيات، فهي قد كانت عند مفكري الشرق والغرب إما مِلكية عامة تتولاها الدولة وفق النظرية الاشتراكية الشيوعية، وإما مِلكية خاصة يتولاها القطاع الخاص ولا تتدخل الدولة بها وفق النظرية الرأسمالية الليبرالية المعتمدة على حرية السوق، والخصخصة، ثم أضيف لها العولمة.

 

إن عدم الوعي هذا على واقع المِلكيات أوجد ويوجد الهزات الاقتصادية والمشاكل الاقتصادية، وذلك لأن المِلكيات ليست إما أن تتولاها الدولة، أو يتولاها القطاع الخاص، بل هي ثلاثة أنواع:

 

مِلكية عامة تشمل المناجم الصلبة والسائلة والغازية، كالبترول، والحديد والنحاس والذهب والغاز وكل ما في باطن الأرض، والطاقة بكل صورها، والمصانع الكبرى التي تكون فيها الطاقة عنصرا أساسا… فيجب أن تتولى الدولة استخراجها وتوزيعها على الناس عينا وخدمات.

 

ومِلكية دولة وهي ما تأخذه الدولة من ضرائب بأنواعها، وما تنشئه من تجارة وصناعة وزراعة في غير الملكية العامة، وهذه تنفقها الدولة على مرافق الدولة

 

ثم المِلكية الخاصة وهي الأمور الأخرى، وهذه يتصرف بها الأفراد وفق الأحكام الشرعية.

 

إن جعل هذه المِلكيات قسما واحدا تتولاه الدولة أو يتولاه القطاع الخاص لا بد أن يسبب الأزمات ثم الفشل، وهكذا فشلت النظرية الشيوعية في الاقتصاد لأنها جعلت الملكيات كلها تتولاها الدولة، فنجحت فيما هو بطبيعته تتولاه الدولة كالصناعة الثقيلة والبترول ونحوها، وفشلت فيما هو من طبيعته أن يتولاه الأفراد كغالب الزراعة والتجارة والمصانع المتوسطة… ثم وصل بها الحال إلى الانقراض. وكذلك فشلت الرأسمالية، وهي واصلة للانقراض بعد حين، وذلك لأنها جعلت الأفراد والشركات والمؤسسات تمتلك ما هو داخل في الملكية العامة كالبترول والغاز وكل أنواع الطاقة ومصانع الأسلحة الثقيلة حتى الحساسة منها، وبقيت الدولة خارج السوق في كل أنواع الملكية، وكل ذلك من باب حرية اقتصاد السوق والخصخصة والعولمة… فكانت النتيجة هذه الهزات المتتالية والانهيار المتسارع من سوق مالي إلى آخر ومن مؤسسة مالية إلى أخرى…

 

وهكذا انهارت الاشتراكية الشيوعية، وها هي الرأسمالية تنهار أو تكاد.

 

إن النظام الاقتصادي الإسلامي هو وحده العلاج الناجع والواقي من حدوث الأزمات الاقتصادية، فهو قد منع كل مسببات الأزمات الاقتصادية:

 

فقد نص على أن يكون الذهب والفضة هو النقد لا غير، وأن إصدار الأوراق النائبة يجب أن تكون مغطاة بالذهب والفضة بكامل القيمة وتستبدل حال الطلب. وبذلك فلا يتحكم نقد ورقي لأية دولة بالدول الأخرى، بل يكون للنقد قيمة ذاتية ثابتة لا تتغير.

 

ومنع الربا سواء أكان ربا نسيئة أو فضل، وجعل الإقراض لمساعدة المحتاجين دون زيادة على رأس المال، وفي بيت مال المسلمين باب لإقراض المحتاجين والمزارعين مساعدة لهم دون ربا.

 

ومنع بيع السلع قبل أن يحوزها المشتري، فحرم بيع ما لا يملك الإنسان،وحرم تداول الأوراق المالية والسندات والأسهم الناتجة عن العقود الباطلة، وحرم وسائل النصب والاحتيال التي تبيحها الرأسمالية بدعوى حرية الملكية.

 

ومنع الأفراد والمؤسسات والشركات من امتلاك ما هو داخل في الملكية العامة، كالبترول والمعادن والطاقة والكهرباء المستعملة في الوقود… وجعل الدولة تتولاها وفق الأحكام الشرعية.

 

وهكذا فقد عالج النظام الاقتصادي الإسلامي كل اضطراب وأزمة في الاقتصاد تسبب شقاء الإنسان، فهو نظام فرضه رب العالمين الذي يعلم ما يصلح مخلوقاته (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).

 

أيها المسلمون:

 

إن الله سبحانه قد جعل لكم منزلة عظيمة بهذا الإسلام العظيم الذي أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأنذركم به، فقد كنتم به خير أمة أخرجت للناس، كما أن في تطبيقه إسعادا لكم، ليس لكم فحسب، بل هو كذلك إسعاد للبشرية جمعاء بعد أن شقيت، ولا زالت تشقى، بالتفاف الأنظمة الوضعية الشيطانية حول عنقها.

 

غير أن تطبيق هذا الإسلام العظيم لا يكون بحفظه في بطون الكتب، بل بإقامة دولة تحمله وتطبقه، دولة الخلافة الراشدة، التي تحيون بها حياة طيبة آمنة مطمئنة.

 

ولكن الله سبحانه لن ينزل ملائكة تقيم لكم دولة وانتم قعود، بل إن إقامتها هي فريضة عظمى عليكم، بينها رسول اللهصلى الله عليه وسلم بإقامة الدولة في المدينة، وسار على نهجه فيما بعد صحابته رضوان الله عليهم والتابعون بإحسان…

 

فشمروا عن سواعدكم، أيها المسلمون، وشدو المئزر، واعملوا مع حزب التحرير وانصروه وآزروه، واسألوا الله من فضله أن تكونوا مع الحزب ممن يكرمهم الله، بان يتحقق على أيديهم وعده سبحانه بالاستخلاف، وتتحقق بشرى رسوله صلى الله عليه وسلم، بعودة الخلافة مرة أخرى على منهاج النبوة، فأنتم، أيها المسلمون، منارة الدنيا، وحاملو مشعل الخير فيها، والأحق بقيادتها وأهلها.

 

{ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }.