الحديث السياسي النظام العربي الرسمي يُلوح بعصا العقوبات ضد الفلسطينيين إذا لم تتصالح فصائلهم
يقوم النظام المصري في هذه الأيام بتكليف من الجامعة العربية بإعداد ما يُسمى بخطة طريق للحوار بين الفصائل الفلسطينية تفضي إلى مصالحة فيما بينها تنهي حالة الانفصال بين غزة والضفة، وتؤسس لمرحلة سياسية جديدة.
وكان عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية قد توعد الفلسطينيين بالعقوبات إذا لم تتصالح حركتي فتح وحماس فقال: “إن العقوبات التي تلوح بها الدول العربية ضد الفلسطينيين ستكون ضد الجميع إذا لم يتصالحوا”، وأضاف: “نحن ندرس الإجراءات التي سوف تتخذ إزاء الفوضى الفلسطينية القائمة، وستكون هذه العقوبات في إطار مشاورات مغلقة داخل النظام العربي”، وأعرب موسى عن استيائه الشديد من الفصائل الفلسطينية المتناحرة فقال: “أنا غاضب أشد الغضب على المنظمات الفلسطينية، فهل لهم دولة ليتعاركوا على مناصب وزارية، نحن ضحكنا على أنفسنا وسميناها دولة فلسطينية وهي ليست دولة إلى أن تحصل على حقوقها كاملة وتصبح دولة”. وعلَّق موسى على الدور المصري الذي يقود عملية المصالحة فقال: “لا نريد ولن نتعامل مع عملية مصالحة مثل عملية السلام تستمر سنة واثنتين وعشر. هذا كلام يجب أن يقف عند حد معين وخلال فترة زمنية معينة، نحن في انتظار نتائج عملية المصالحة التي تقودها مصر مدعومة من الجامعة العربية بالإجماع”.
إن تصريحات موسى هذه تعكس مدى حالة العجز الصارخ التي وصلت إليها الدول العربية في تناولها لقضية بسيطة من قضايا العرب، بل لقضية ثانوية كقضية التعارك بين الفصائل الفلسطينية.
فلقد رهنت الدول العربية نفسها لحل هذه القضية الهامشية لأكثر من عامين وفشلت في حلها فشلاً ذريعاً، فمن اتفاق مكة إلى اتفاق صنعاء إلى اجتماع نواكشوط إلى اجتماعات القاهرة وكلها فشلت في تحقيق أية إنجازات.
فالأنظمة العربية تركت القضايا العربية الأخطر و الأهم كمواجهة دولة يهود وكاحتلال العراق واحتلال الصومال، وكقضية دارفور، ولم تعني نفسها بها مع أنها تعتبر من القضايا المصيرية للدول العربية، وللشعوب العربية، بينما أشغلت نفسها، وانشغلت بمسألة المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وبذلت الجهود الجبارة في حلها، فيما ذهبت كل تلك الجهود هباءً منثوراً.
ولقد شاركت وسائل الإعلام العربية في هذه الزوبعة، و شنّفت آذان المواطنين العرب بأخبار الحوارات الفصائلية العبثية، والمصالحات الشخصية العقيمة بين رجالات فتح وحماس طيلة الأعوام الأخيرة وكأنها تحولت إلى لازمة موسيقية مزعجة يتوجب على المواطن العربي سماعها في كل نشرات الاخبار صباحاً ومساءاً.
إن هذه الأخبار المملة عن المصالحة بين الفصائل الفلسطينية قد طغت على سائر الأخبار المهمة الأخرى، حتى أنه لم يعد لوسائل الإعلام من شغل غير تلك الحوارات الفلسطينية، واجتماعات عمر سليمان مع اثنتي عشرة منظمة فلسطينية، وردح الناطقين الفلسطينيين على شاشات التلفزة، وحوار المذيعين المطول والمتكرر مع قادة الفصائل ومسؤولي الحركات أصبحت معزوفة يومية مثيرة للسأم والضجر لدى معظم المشاهدين والمستمعين، ثم لم يخرج المستمع أو المشاهد بعدها إلا بخيبات الأمل المتكررة، أو بالمزيد من مشاعر المرارة والسخط والاشمئزاز.
إن تلويح النظام العربي الرسمي الفاشل – والذي يتغنى به عمرو سليمان – بفرض المزيد من العقوبات على الفلسطينيين (المتشاكسين) فيه الكثير من الدلالات:
منها أن هذا النظام العربي الرسمي يستطيع الاتفاق على شيء إن أراد، ولكنه بدلاًً من الاتفاق على إيقاع العقوبات على دولة يهود أو على الاحتلال الأمريكي في العراق أو على الاحتلال الأثيوبي في الصومال أو على التدخل الأوروبي في دارفور فإنه بدلاً من ذلك يُوقع المزيد من العقوبات على الفلسطينيين المساكين الذين يعيشون في معاناة دائمة بسبب العقوبات التي تفرضها عليهم دولة يهود وأمريكا وأوروبا ودول الجوار العربي وسائر ما يسمى بالمجتمع الدولي. وكأن الفلسطينيين لم يكفهم كل هذه العقوبات التي يفرضها عليهم الأعداء والأصدقاء على حدٍ سواء حتى تضيف الدول العربية عليهم عقوبات جديدة.
ومنها أن الدول العربية ونظامها الرسمي لا تفكر بحل القضية الفلسطينية ولا بتحرير فلسطين ولا برفع العدوان عن الفلسطينيين ولا بمواجهة دولة يهود ولا بالضغط على أمريكا وأوروبا من أجل رفع الظلم عن أهل فلسطين، وإنما تفكر فقط في ترتيب المصالحات بين الحركات الفلسطينية المتخاصمة، وبذلك تكون القضية الفلسطينية بالنسبة لهذه الدول العاجزة ليست قضية عربية فضلاً عن كونها قضية إسلامية. فالقضية في نظر هذه الدول الخائنة هي قضية فصائل وحوارات وصلحات ليس إلا.
ومن هذه الدلالات أيضاً أن هذه الدول العربية اعتبرت نفسها أنها قد قامت بجميع الاستحقاقات الواجبة عليها ولم يبق أمامها سوى استحقاق واحد ألا وهو إجراء المصالحة بين فتح وحماس.
فكأن هذه الدول قد حلت مشاكل العرب الخارجية المتعلقة باحتلال أراضيهم ونهب ثرواتهم ونفطهم وتبعية أنظمتهم لأمريكا وأوروبا، وكأنها عالجت مشاكلهم الداخلية كرفع مستوى المعيشة التي وصلت حدود منخفضة جداً من الفقر بحيث بات يقل دخل نصف السكان العرب عن دولارين يومياً.
وكالقضاء على الأمية والفقر اللذان يضربان ما يزيد عن ثلث السكان العرب، أو كبناء المساكن التي يفتقر إليها أكثر من نصف الشعوب العربية فلا يجدون غير بيوت الصفيح أو المقابر أو بين الصخور المنهارة مأوى لهم.
نعم لم تجد الدول العربية أمامها أية مشاكل كبيرة خارجية أو داخلية سوى إجراء تلك المصالحة السقيمة بين فتح وحماس، فكأنها قد توحدت وأزالت الحدود والسدود، ورفعت ألوية النصر عالياً، وطردت المستعمر والمحتل وأقامت صروح العدل في بلدانها، وتبوأت صدارة الدول ولم يتبق من واجب عليها سوى إصلاح ذات البين بين الفصائل الفلسطينية المتنابذة!!!.
إنها حقاً لمهزلة، أن يصل النظام الرسمي العربي إلى هذا المستوى الوضيع في تناوله للقضايا المصيرية … .
غير أن هذا الانحطاط السياسي الشامل الذي بلغته الدول العربية التعيسة قد يبشر بقرب زوالها، لأن الدولة إذا ما فقدت بوصلتها، وضلت طريقها، وضللت رعيتها، واستسلمت لعدوها فقد حق عليها الاندثار، ووجب عليها السقوط، وفتحت المجال أمام شعبها لبناء دولة جديدة على أنقاضها، وإيجاد نظام جديد يمحو ما بلي من بقايا نظامها.
كتبه أبو حمزة الخطواني