Take a fresh look at your lifestyle.

الأزمة الاقتصادية العالمية أسبابها ونتائجها – ح3

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، وأتباع هداه، وعلى من اهتدى بهديه واقتدى بسنته إلى يوم الدين….. وبعد.

فإن الأزمة الاقتصادية الحالية، التي ضربت سوق المال الأمريكية أولاً، ثم بقية سوق المال في دول العالم المختلفة، خاصة الغنية والمتطورة منها، ليست أزمة عابرة، يسهل تجاوزها، وحصر أضرارها، كما أنها لم تحدث فجأة كما يتصور البعض، وإنما هي نتاج تفاعلات عميقة، ذات جذور تمتد إلى ما قبل ثلاثة عقود. وعندما تجمعت كل أركانها، ونضج كل عناصرها، حصل الانفجار. وكان انفجارها من الشدة، بحيث وصفها رئيس الاحتياطي الأمريكي الأسبق “الان غرينسبان” بتسونامي اقتصادية. ووصفها الملياردير الأمريكي “وارين بافيت” بأنها بيرل هاربر اقتصادية، تشبيهاً لها، بكارثة إغراق اليابان للأسطول الأمريكي، في المحيط الهادي، إبان الحرب العالمية الثانية.

وقد أدرك المسؤولون الأمريكيون، خطورة هذه الأزمة، وخطورة تداعياتها، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وضرورة احتوائها وحصر أضرارها قدر المستطاع.

ففي الخامس والعشرين من أيلول، من العام الجاري 2008، ألقى الرئيس الأمريكي جورج بوش، خطاباً متلفزاً، موجهاً للشعب الأمريكي، قال فيه: “إن الولايات المتحدة، تواجه أزمة مالية خطيرة، وان اقتصاد الولايات المتحدة برمته في خطر، وتعهد بالعمل على إيجاد حل لهذه الأزمة.

وفي الثالث من تشرين أول من العام الجاري، اجتمع مجلس النواب الأمريكي، وصوت بالموافقة، وبأغلبية كبيرة على الخطة التي وضعها “هنري بولسون” وزير الخزانة الأمريكي، لإنقاذ الاقتصاد، وكان مجلس الشيوخ قد سبق مجلس النواب بالموافقة عليها, بعد أن أدخل عليها بعض التعديلات.

ورغم التنافس الشديد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، عشية الانتخابات فإن الحزبين كلاهما، أيد الخطة وباركها، ذلك أن الخطر الذي يتهدد النظام المصرفي، ومن بعده أركان الاقتصاد الأمريكي، هو خطر داهم وحقيقي, بما ينتج عن ذلك من أخطار سياسية واجتماعية.

فما واقع هذه الأزمة، التي تعاني منها الولايات المتحدة بخاصة والعالم بعامة؟ وما هي أسبابها؟ وما هي خطة الإنقاذ، التي وضعها وزير الخزانة، ووافق عليها الكونجرس بمجلسيه؟ وما مدى نجاعتها في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟ وما هي الآثار المترتبة على الولايات المتحدة أولاً، وعلى العالم ثانياً وأخيراً وليس آخراً، أين المسلمون من آثارها ونتائجها؟

إن الأزمة التي تعانيها الولايات المتحدة الآن، تتمثل في انهيار السوق المالية وإفلاسها. والسوق المالية تعني، تلك المؤسسات التي تتعامل بالمال بالمعنى الاصطلاحي، وليس بالمعنى اللغوي، أي بالنقود، والأسهم والسندات والبنوك، والمؤسسات المالية, التي تقوم بعمليات الإقراض، ومؤسسات ضمان القروض وشركات الاستثمار، التي تتولى إصدار صكوك الضمان، وشركات التأمين على القروض. وهذه المؤسسات لا تتعامل عادة بالسلع، كالأرز والقطن والحديد والبترول، وما شاكل ذلك، وهي لا تتعامل كذلك بشكل مباشر، في الإنتاج الصناعي أو الزراعي، أو قطاع الخدمات، وإنما يقتصر دروها على إقراض هذه المشاريع وتمويلها.

وهذه المؤسسات تعتمد في عملها على أموال المودعين من جمهور الناس، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات، كمؤسسات الضمان الاجتماعي، وصناديق الادخار، وصناديق التقاعد، وسواء كان المودع من رعايا الدولة أو من الأجانب المقيمين خارجها، أفرادا كانوا أو مؤسسات أو صناديق سيادية.

وقد سهلت وسائل الاتصال الحديثة، نقل الأموال وتحويلها، كما سهلت القوانين الرأسمالية انسياب الأموال وانتقالها، داخل الحدود السياسية للدول وخارجها، سعياً وراء الأرباح، فنتج عن ذلك كله ترابط الاقتصاد في دول العالم المختلفة، وتدويل الأزمات تبعاً لذلك فبنك ليمان براذرز الأمريكي على سبيل المثال، والذي أعلن إفلاسه منتصف شهر أيلول الفائت، كان مديناً لمودعين من خارج الولايات المتحدة، بمبلغ “160” مليار دولار.

ولما كانت هذه المؤسسات آنفة الذكر، تعتمد في عملها على أموال المودعين، فإن إفلاسها يؤدي إلى إفلاس أو زعزعة المراكز المالية ، لمئات المؤسسات والشركات التي استثمرت أموالها فيها، كما يؤدي إلى إفلاس أو تضعضع الوضع المالي لملايين الأفراد، الذين أودعوا أموالهم لديها بقصد الربح، وحال انهيار واحدة أو أكثر من هذه المؤسسات العملاقة، لسبب أو آخر، فإن جمهور المودعين، لدى البنوك والمؤسسات الأخرى يهرعون لسحب ودائعهم ومدخراتهم، خوفاً عليها، وحيث أن هذه الأموال والمدخرات، قد استثمرتها تلك المؤسسات في أصول غير سائلة, كالعقارات والأسهم والسندات. وهذه تحتاج إلى وقت لتسييلها، أي تحويلها إلى نقود، فإن هذه المؤسسات تتوقف عن الدفع بدورها، فيزداد الجمهور ذعراً، ويزداد سحب الودائع، فيزداد عدد المؤسسات العاجزة عن الدفع، ويزداد الإفلاس، فتنشأ الأزمة، وتكبر بسرعة، وتصبح ككرة الثلج، كما تدحرجت كبرت، وكلما كبرت زادت سرعتها وزادت خطورتها.

وقد بدأت الأزمة الحالية، في الولايات المتحدة، بتعثر عملاقين من عمالقة ضمان القروض، هما “فريدي ماك” و “فاني ماي” وهما تستحوذان تقريباً على نصف سوق العقار الأمريكي، وتستأثران بما يقرب من ستة تريليونات دولار، وقد تأسست “فاني ماي” واسمها الجمعية الاتحادية للرهن العقاري، بغرض شراء الرهون من البنوك، ولكن باستخدام أموال دافعي الضرائب، أي بالتمويل بالاقتراض من الحكومة الاتحادية ولكن بفائدة أقل من المؤسسات الأخرى، وقد تكبدت هذه المؤسسة خسارة مالية في الربع الثاني من العام الجاري، بلغت 2.3 مليار دولار وهي رابع خسارة فصلية على التوالي. وقد انخفض رأسمالها من 39 مليار دولار، إلى 7.6 مليار دولار نهاية العام الماضي، كما بلغ حجم ديونها في نهاية آذار 2008، (544) مليار دولار.

أما فريدي ماك فقد انخفض رأسمالها من 22 مليار دولار إلى 3.3 مليار نهاية عام 2007، وبلغ مجموع ديونها بنهاية شهر آذار من العام الجاري 460 مليار دولار. ثم تبع هاتان المؤسستان، عملاق التأمين A-I-G أو المجموعة الأمريكية الدولية للتأمين, وهذه مختصة بإعادة التأمين، وبتأمين الرهون العقارية، حيث أوشكت على الإفلاس. عندها خشيت الحكومة الأمريكية أن تفلس هذه المؤسسات العملاقة الثلاث، وتجر معها كثيراً من المؤسسات والبنوك،فقامت بضخ مائة مليار دولار لكل من فريدي ماك، وفاني ماي، وخمسة وثمانين مليار دولار للمجموعة الأمريكية الدولية للتأمين، مقابل حصص في رأسمال هذه المؤسسات، وكانت الحكومة الأمريكية تأمل أن توقف كرة الإفلاس، التي بدأت تتدحرج وتكبر، وتضرب في السوق المالية الأمريكية، وقد بدأ تأثيرها يضرب أسواق المال، خارج الولايات المتحدة، نظراً لكثرة الأموال الأجنبية المودعة في السوق الأمريكية.

ولما لم تفلح الإجراءات الأمريكية، في إيقاف موجة الإفلاسات أعلن بنك ليمان براذرز، رابع أكبر بنك في الولايات المتحدة إفلاسه، منتصف شهر أيلول، مخلفاً ديوناً بلغت 613 مليار دولار ثم تبعته المجموعة الأمريكية “واشنطن ميوتشوال” سادس بنك أمريكي من حيث الأصول، حيث أعلنت إفلاسها في 25 أيلول 2008، ثم باع بنك ميريل لنش نفسه، لبنك أوف أمريكا. وقد بلغ عدد البنوك التي أغلقت أبوابها حتى الأسبوع الأول من شهر تشرين ثاني الجاري، تسعة عشر بنكاً، كان آخرها بنك فريدوم، في ولاية فلوريدا وبنك آخر في ولاية كاليفورنيا. وهذا يدل على أن الإجراءات المتخذة، وخطة الإنقاذ، إنما كانت محدودة الأثر، حففت من تفاقم الوضع، ولم تعالج الأزمة، حيث أن الأزمة أقوى مما كان يتصور المسؤولون وعلاجها يحتاج إلى ما هو أكبر من خطة الإنقاذ، التي وضعتها وزارة الخزانة الأمريكية وساعدها في وضعها رئيس البنك المركزي الأمريكي -الاحتياطي الاتحادي- بن برنانكي، وصفوة من مفكري وأساتذة الاقتصاد، في الجامعات. وعدد من مدراء البنوك والشركات الكبرى.

لم يقتصر تأثير الأزمة، على البنوك التي أفلست، أو البنوك المهددة بالإفلاس، بل امتد تأثيرها إلى انعدام ثقة البنوك بعضها ببعض، وتوقفت عن إقراض بعضها، وصار كل بنك يتشكك في غيره من البنوك، وشحت موارد إقراض الشركات الصناعية، فشركات صناعة السيارات الأمريكية الكبرى، جنرال موتورز، وكرايسلر، وفورد، تكاد تعلق إفلاسها، وهي تبحث عن شركاء ممولين ولو من خارج الولايات المتحدة.

كما أن الأفراد، باتوا يخشون من إيداع أموالهم في البنوك، بل وصار قسم منهم يعمل على بيع أسهمه في سوق الأسهم، للحصول على نقود سائلة، فانخفضت الأسهم في كل البورصات في العالم، وكان انخفاضها في كثير من الأحيان يبلغ حد الكارثة، أسهم فقدت حوالي نصف قيمتها، وأسهم تدنت قيمها دون القيمة الاسمية لها.

ثم زاد تفاقم الأزمة، فانخفض الاستهلاك، وتبعه انخفاض الإنتاج، فارتفعت نسبة البطالة، وهكذا بدأت تتفاقم الأمور من سيء إلى أسوأ.

ما ذكرناه آنفاً هو ما جرى في الولايات المتحدة، أما خارجها فإن الوضع لا يقل سوءاً، فقد اضطربت الأسواق في دول الاتحاد الأوروبي، واليابان والهند، والصين، وروسيا، والبرازيل، وبقية دول العالم، وبنسب متفاوتة.

فقد أممت الحكومة البريطانية عددا من البنوك، مثل بنك نورذرن روك، وبنك برادفورد اند بنغلي، ودعمت بنوكاً أخرى أو ساهمت في رأسمالها، وكفلت الحكومة الألمانية، بنك هيبو ريال ستيت بمبلغ 50 مليار يورو، وانهارت المجموعة المصرفية البلجيكية الهولندية، “فورتيس” في 28 أيلول من العام الجاري، وسارعت السلطات في هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ، بمدها ب 11.2 مليار يورو، مقابل حصص في رأسمالها كما أممت الحكومة الأيسلندية ثلاثة من بنوكها، هي بنك كاو بثينغ، ولاندز بانكي، وبنك غليتنير. كما اشترت حكومة قطر 20% من رأسمال البنوك المدرجة في السوق المالي. كما استقال رئيس مجلس إدارة بنك كيس دي بارنيه، الفرنسي، واثنان من كبار موظفي البنك، بعد إعلان البنك عن تكبده خسارة بلغت 600 مليون يورو، وقد ضخت دول الاتحاد الأوروبي الثلاث الكبرى (بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، في أسواقها المالية قرابة 2 تريليون يورو، في محاولة لتفادي انهيار الأسواق المالية، وقام رؤساء حكومات اسبانيا وبريطانيا، وغيرها يطلبون من دوال الخليج المساعدة، حتى أن رئيس وزراء قطر، سئل أثناء زيارة رئيس وزراء بريطانيا لقطر، لماذا نقدم لهم المساعدة عندما يحتاجون ولا يقدمون لنا المساعدة عندما نحتاجهم، أجاب، نحن لا نساعدهم وإنما نتعاون معهم، وعندما سئل روبرت كميت نائب وزير الخزانة الأمريكي، أثناء جولته في دول الخليج، كيف تطلبون من دول الخليج الاستثمار في الولايات المتحدة، وأنتم قد رفضتم صفقة موانئ دبي قبل عامين، أجاب أن كثيراً من الأمور في بلادنا قد تغيرت إلى الأفضل منذ رفض الصفقة.

وباختصار شديد، فإن الأزمة ما زالت تكبر وتتسع، مؤسسات على حافة الانهيار، يتوقع انهيارها بين لحظة وأخرى، شركات صناعية كبرى تتعثر، وتكافح من أجل البقاء والاستمرار، توقف في النمو، ازدياد في أعداد العاطلين عن العمل، الأزمة الاقتصادية، أصبحت مركز التنبه، عند الحكومات وصناع القرار السياسي، ففي أول مؤتمر صحفي للرئيس الأمريكي المنتخب باراك اوباما يوم 7/11/2008، أعلن أن أول أولوياته، معالجة الأزمة الاقتصادية، ربع مليون أمريكي فقدوا وظائفهم في شهر تشرين أول وحده، أضاف قائلاً، إنها لمأساة حقيقية أن يصبح عشرة ملايين أمريكي بدون عمل.

إذا أضفنا إلى ما تقدم، أن هناك حوالي ثلاثة ملايين أسرة أمريكية فقد بيوتها، وملايين البيوت معروضة للبيع، بطاقات الائتمان، تكاد تعلن شركاتها إفلاسها. الاقتصاد العالمي كله يترنح، صندوق النقد الدولي يعلن، أن اقتصاديات الدول المتطورة تشهد ركوداً هو الأسوأ منذ عام 1945، وان اقتصاد بريطانيا لهو الأسوأ بين اقتصادات الدول المتطورة كلها، كما أعلنت شركة الطيران البريطانية، بريتش ايرويز، وهي من بين أكبر مائة شركة في بريطانيا، إن أرباحها قد انخفضت عام 2008 بنسبة 90% وهي أدنى نسبة تشهدها منذ تأسيسها، كذلك إذا علمنا أن روسيا قد فقدت من احتياطيها من العملات الأجنبية مبلغ 30 مليار دولار في يوم واحد, وإنه لم يعد أحد قادر على مساعدة أحد. قلنا أنه لا أحد غير الله تعالى، يعلم متى وكيف ستنتهي هذه الأزمة. هذا وقد أعلنت دول اليورو أنها دخلت مرحلة الركود الاقتصادي الفعلي.

هذا من حيث مدى الأزمة واتساعها، أما أسبابها، فيمكن إرجاعها إلى سببين، سبب عام وسبب خاص.

أما السبب العام؛ فإن الأزمات الاقتصادية، هي مرض عضال، متأصل في خلايا النظام الرأسمالي، وهي تحصل بشكل دوري ومستمر، كل فترة من الزمن، ويعرفها مفكروا الرأسمالية بالدورات الاقتصادية، وليست هذه الأزمة الأولى التي تحصل للنظام الاقتصادي الرأسمالي، فقد حصلت أزمة في سبعينيات القرن الماضي وأخرى عام 1987، وثالثة عام 2005، وأشد الأزمات التي وقعت لهذا النظام، تلك التي حصلت عام 1929 ويطلق عليها الكساد العظيم، حيث انهارت سوق الأسهم في نيويورك، وتوقفت آلاف المصانع عن العمل وسرح ملايين العمال، وتفشت الجريمة، واهتزت كل أركان الدول الرأسمالية. وهذه الأزمة على خطورتها وشدتها، لن تكون الأخيرة، بل سيتبعها غيرها طالما ظل النظام الرأسمالي مطبقاً.

أما لماذا تحصل الأزمة في الاقتصاد الرأسمالي؟ ومتى تحصل؟

هذه أسئلة لم يستطع أحد من مفكري الرأسمالية ومنظريها، أن يعطي جواباً شافياً لها، وإلا لأمكن تدارك الأزمات قبل وقوعها.

ونحن كمسلمين، عندما ندقق النظر في النظام الاقتصادي الرأسمالي، نجد أنه نظام خطأ، منبثق من عقيدة خطأ، عقيدة قامت على قاعدة فصل الدين عن الحياة، وأطلقت للإنسان حريات بلا حدود، ومنها بطبيعة الحال حرية التملك، وهذه الحرية عندما يؤازرها مقياس خاطئ للأفعال، هو مقياس النفعية، فإنها تنحدر بالإنسان، إلى دونية البهائم.

فالربا هو أحد أعمدة الاقتصاد الرأسمالي. توعد الله تعالى آكله بالعذاب الشديد في الآخرة، وبالمحق في الدنيا, أصبح في ظل النظام الرأسمالي فنون شتى، أطلق عليا مصطلحات حديثة، يصعب على غير المختصين فهمها، وإدراك معانيها، كالسندات صفرية الكوبون، وعقود ضمان السداد، والمشتقات، والبيع على المكشوف، والبيع العاري، وعقود اقتراض الأسهم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث «الربا سبعون باباً»

وقد لعب الربا الدور الرئيس في هذه الأزمة، كما سنبين لاحقاً. كما أن العقود الباطلة، تنتج آثاراً مدمرة على المدى المتوسط والطويل، فعقد الشركات المساهمة، وهو عقد باطل شرعاً، وما تبعه من رواج سوق الأسهم.وما تبعه من كوارث جرتها هذه التجارة الحرام، ثم ما ينتج عن طبيعة تأسيس الشركات المساهمة، من غل يد المساهمين، وهم المالكون الحقيقيون للشركة، من الإطلاع على حسابات الشركات ودفاترها، أو محاسبة مديرها، أو مجلس إداراتها، وإطلاق الحريات لهؤلاء، ليعبثوا بأموال الناس، دون حسيب أو رقيب، كما حصل في مطلع العام الجاري 2008، مع أحد موظفي بنك سوستيه جنرال الفرنسي، حيث كبد البنك خسارة بلغت 7 سبعة مليارات دولار، حين كان يقوم بعمليات مقامرة بأموال البنك، حتى أن أحد معاوني الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي قال: “ان جيروم كيرفيال -اسم الموظف الذي كان يضارب- كان يضارب بأكثر من 70 مليار دولار، أي بما يتجاوز قيمة البنك في السوق. وكانت عقوبة الموظف عقوبة بسيطة، لا تتجاوز عقوبة بعض مخالفات السير، ذلك أن المحكمة التي نظرت في القضية، رأت أنه كان يمارس عمله، ضمن صلاحياته، لولا بعض المخالفات البسيطة.

وكذلك فإن عقود بيع السلع دون قبضها، أو رؤيتها بل حتى وجودها، أي بيع المعدوم، وما تمارسه مكاتب السمسرة من تضليل وتدليس بقصد قبض العمولة، وما تقوم به شركات ومكاتب تدقيق الحسابات من تدليس، لإظهار بعض الشركات أنها رابحة، وهي على وشك الإفلاس، كما حصل مع شركة “انرن” التي كان يرأس مجلس إدارتها ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش، إن ذلك خير دليل على ما نقول وكذلك بيع الدين بالدين، وعقود باطلة أخرى يضيق المجال عن بيانها.

كما أن إلغاء نظام الذهب، والتحول إلى النظام النقود الورقية الإلزامية، وما أدى إليه من تضخم، أي زيارة المعروض النقدي الورقي، دون غطاء من ذهب، أو حتى سلع تساوي قيمة المعروض من النقود، أدى إلى كثرة النقود الورقية، وضعف قيمتها الشرائية، فارتفعت أسعار العقارات، فاتجه الناس لشرائها وبيعها والاستثمار فيها، نتيجة زيادة ثمنها، لا زيادة قيمتها الحقيقية.

إن هذه المحرمات الشرعية التي ذكرناها، وغيرها كثير لم نذكره، تكفي الواحدة منها لتدمير اقتصاد أمة بكامله، فكيف إذا تجمعت كل هذه المحرمات في اقتصاد واحد.

وفي المحصلة النهائية، يمكننا القول مطمئنين، إن الأزمة الاقتصادية هي ثمرة خبيثة لشجرة خبيثة، هي النظام الرأسمالي.

هذا بالنسبة للسبب العام.

أما السبب الخاص لوقوع الأزمة الراهنة، فيعود إلى تاريخ سابق لوقوعها، وبما يقر من ثلاثة عقود، حيث تطور قطاع الخدمات المصرفية، تطوراً هائلاً على حساب قطاعات الاقتصاد الأخرى، كالصناعة والزراعة، والخدمات وذلك ناتج عن سيل الدولارات الوافد إلى الولايات المتحدة بحثاً عن الأرباح السهلة، حتى ولو كانت حراماً -كثير من هذه الأموال جاءت من أفراد من المسلمين، ومن حكومات، يفترض فيها أن تستثمر أموال المسلمين في مشاريع صناعية وزراعية، وخدمات في بلاد المسلمين، بدل إيداعها في جحور الأفاعي السامة.

وقد تلقفت أسواق الدول الرأسمالية -وخاصة الولايات المتحدة-، هذه الأموال، وقامت تستثمر في العقارات، وخاصة المساكن، لسهولة الكسب, وارتفاع نسبة الربح. ولما كانت هذه الأموال كما ذكرنا، نقوداً ورقية غير مغطاة بالذهب، ارتفعت لذلك نسبة التضخم، فارتفعت أسعار العقارات، لتساير نسبة التضخم، فتهافت الناس لشراء المساكن، إما للسكن قبل أن يزداد ارتفاع أسعارها، وإما بقصد شراءها لبيعها، والحصول على ربح متوقع، لارتفاع أثمان العقارات المستمر.

وقد نشط السماسرة، يسوقون هذه العقارات، ويسهلون عملية الاقتراض حتى لمن كان سجله الائتماني سيئاًَ، وحيث أن القروض، كانت تقدم بضمان العقار نفسه لا بضمان ملاءة المقترض، كان من الطبيعي، أن يتوقف قسم من المقترضين عن الدفع والتسديد، ولما ازدادت القروض، وازدادت معها نسبة القروض الرديئة، بحثت البنوك المقرضة، عن حل لهذه القروض، بدل إبقاؤها أرقاما في دفاترها، وهنا جاءت الحلقة الثانية، بنوك الاستثمار، حيث اشترت هذه القروض من البنوك، وبضمان العقار المرهون نفسه، ثم حولتها إلى سندات، وباعتها للجمهور، بعد أن صنفتها إلى فئات، حسب احتمالية السداد، وقد اشترى جمهور الناس هذه السندات نقداً، مقابل الربا -الفائدة- المتحصل من شراء السند. وعندما باعت شركات الاستثمار سنداتها للجمهور، قامت واشترت بنقود الجمهور سندات خزينة، أي سندات دين حكومي لأجال، وبفائدة -ربا- مرتفع، لتحصل هي على فارق الربا المتحصل بين سعر الفائدة التي تدفعها لها الحكومة، والفائدة التي تدفعها هي لجمهور الناس الذين اشتروا سنداتها.

وعندما توقف قسم من المقترضين، أصحاب البيوت عن التسديد، بدأت شركات الاستثمار، تعاني من نقص شديد في السيولة، حيث أن معظم أموالها، أصبحت سندات حكومية، فقامت شركات الاستثمار، بالحجز على البيوت المرهونة، تمهيداً لبيعها، واستيفاء ديونها، ولكثرة هذه البيوت المعروضة، تدنت أسعارها، ولم تعد أثمانها تفي برهونها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تراجعت عملية البناء، لوفرة البيوت الجاهزة والمرهونة والمعروضة للبيع، وهنا وجدت البنوك، وشركات الاستثمار نفسها في ورطة، جفاف السيولة النقدية لديها، فبدأ بعضها يعلن إفلاسه، كبنك ليمان براذرز، وبعضها باع نفسه لمنافس له، كبنك ميريل لنش، فدب الذعر والهلع عند جمهور المودعين، فبدأوا بسحب أموالهم وودائعهم، وتبين أن بعض هذه البنوك، بلغ بها الجشع، أن قامت بإقراض ما نسبته 96% من الأموال المودعة لديها، وبعضها قد أقرض ما يزيد ثلاثين ضعفاً عن رأسماله، فتوقفت عن الدفع وكان الأمر الطبيعي والمتوقع أن تعلن إفلاسها، وصارت البنوك تتشكك  في بعضها البعض، وتوقفت عن إقراض بعضها، كما توقفت عن إقراض الشركات الصناعية، وسائر الشركات الاقتصادية الأخرى، فتوقف بعضها كلياً وتوقف بعضها جزئياً، وصار الوضع الاقتصادي العام، على شفا كارثة، وقد أعلنت الدول وأولها جمهورية ايرلندا ضمانها لودائع المودعين، ولكن هذا الإجراء، لم يحدث الثقة المطلوبة، ومن هنا رأت الولايات المتحدة، أنه لا بد من عمل ما أو خطة لإنقاذ اقتصادها أو لوقف انهياره على أقل تقدير، إن لم يكن من الممكن علاجه، ثم تبعتها سائر الدول الرأسمالية الأخرى. بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا، واليابان، وغيرها.

فما هي خطة الإنقاذ هذه؟ وما مدى نجاعتها في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي الذي يقف على شفا جرف هار؟ بنت الحكومة الأمريكية خطة الإنقاذ على مجموعة إجراءات نوجزها فيما يلي:

تطبق خطة الإنقاذ على مراحل، تبدأ بشراء الحكومة الأمريكية، أصول ديون- هالكة أو معدومة، لا يرجى سدادها بقيمة تصل إلى 250 مليار دولار كمرحلة أولى مع احتمال رفع هذا المبلغ إلى 350 مليار دولار إذا طلب الرئيس الأمريكي ذلك ويرفع في المرحلة التالية إلى 700 مليار دولار. ولمجلس الكونجرس حق رفض عمليات الشراء التي تتجاوز هذا المبلغ, ومقابل هذا المبلغ تساهم الدولة في رؤوس أموال الشركات التي ستستفيد من هذه الخطة.

رفع سقف ضمان أموال المودعين من 100 ألف دولار إلى 250 ألف دولار، ولمدة عام.

إعفاءات ضريبية للأفراد والشركات تصل إلى 100 مليار دولار.

تحديد مكافآت مدراء لشركات حيث كانوا يتقاضون مكافآت خيالية.

يشكل مجلس مراقبة لتطبيق الخطة، يتألف من وزير الخزانة، رئيس الاحتياطي الفدرالي -البنك المركزي- ورئيس الهيئة المنظمة للبورصة.

يحافظ مكتب المحاسبة التابع للكونجرس، على حضور اجتماعات مجلس المراقبة، التي تعقد في وزارة الخزانة، لمراقبة عملية شراء الديون والتدقيق في الحسابات.

تعيين مفتش عام مستقل لمراقبة قرارات وزارة الخزانة.

السماح للدولة بمراجعة شروط منح القروض العقارية، للمدينين الذين يواجهون صعوبات.

مساعدة المصارف المحلية الصغيرة التي تضررت من أزمة الرهن العقاري.

اتخاذ إجراءات مناسبة لحماية مالكي البيوت المهددين بمصادرة مساكنهم، ومما يجدر ذكره أن عدد المهددين بمصادرة مساكنهم، يزيد عن ثلاثة ملايين عام 2008 وعن 2 مليون عام 2009.

كما تنص الخطة على أن مدتها تنتهي في 31/كانون أول/2009 مع حق الحكومة بطلب تمديدها لمدة أقصاها سنتان من تاريخ موافقة الكونجرس عليها.

هذه هي خطة الإنقاذ -إنقاذ الاقتصاد الأمريكي- فهل تنجح هذه الخطة في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فمتى يتعافى هذا الاقتصاد ويعود لسابق عهده؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فما مصيره ومصير الاقتصاد العالمي معه؟.

وقبل الإجابة على هذه الأسئلة، ننبه إلى جملة من الحقائق

الحقيقة الأولى: إن الأزمات هي كما ذكرنا في بداية هذه الكلمة مرض عضال، متأصل في تكوين ونسيج النظام الرأسمالي، عجز مفكرو ومنظرو هذا النظام عن معرفة سبب حصولها، أو وقت حصولها، وإلا لأمكن تفاديها، وكل ما يمكنهم هو تحليل أسباب الأزمة، بعد وقوعها، ثم محاولة وضع العلاج لها، وبالتالي فإن خطة الإنقاذ هذه إنما هي خطة إسعاف أولي، ومحاولة لوقف الانهيار، لا لعلاجه، وسيبقى الاقتصاد الأمريكي ومن خلفه الاقتصاد العالمي، يعاني من هذه الأزمة، حتى تأخذ مداها، ونعتقد جازمين أنها ستستمر لعدة سنوات، ولا يستطيع أحد من الخبراء، أن يقطع برأي، حول مدتها، أو آثارها الاقتصادية. أو الخسائر التي ستلحقها بالاقتصاد الدولي.

الحقيقة الثانية: أن الوضع الاقتصادي للدول، لا يتسم بالشفافية المطلوبة، فكثير من حقائق الاقتصاد، تبقى مخبأة في خزائن المسؤولين، شأنها شأن الأسرار العسكرية تعتبر من مرتكزات الأمن الوطني للدولة، لا يتم الإفصاح عنها، ولا الاطلاع عليها إلا إلى عدد محدود من المسؤولين، لا يكاد يتجاوز عدد أصابع اليدين.

ومن هنا يصعب الجزم بنجاعة خطة الإنقاذ، طالما أن الأزمة محل البحث مجهولة المعالم، وغير محددة الأبعاد، لكن ما تسرب من أنباء على قلتها توحي أن الاقتصاد الأمريكي، قد دخل غرفة الإنعاش.

فقد نشرت نيويورك تايمز تقريراً كتبه أربعة من الكتاب المتخصصين في الشأن الاقتصادي، هم مارك لاندلر من واشنطن، واريك داش من نيويورك وساعدهما في كتابة التقرير لويس استوري وبن وايت من نيويورك ومما جاء فيه

“إن هنري بولسون وزير الخزانة الأمريكي، أجرى اتصالات هاتفية، بعد ظهر يوم الأحد 12/10/2008، مع الرؤساء التنفيذين لأكبر تسعة بنوك في الولايات المتحدة, وطلب منهم أن يحضروا للاجتماع معه في وزارة الخزانة الأمريكية في اليوم التالي الاثنين 13/10/2008 الساعة الثالثة ظهراً، وعندما اجتمعوا في قاعة المؤتمرات، تسلم كل منهم وثيقة من صفحة واحدة، تفيد أنهم وافقوا على بيع أسهم في بنوكهم للحكومة الأمريكية، وقد طلب منهم التوقيع عليها قبل مغادرة القاعة، واستطرد قائلاً نشعر بالأسف لهذه الإجراءات، فإن ضخ المليارات من الأموال العامة أمر مرفوض، لكن لا فكاك منه، ولا أعتقد أن في هذه الحجرة مصرفياً واحداً يمكن أن يحرجنا، بأن يقول أن لديه الكثير من المال, وقد أفاد أحد الأشخاص ممن كانوا على اطلاع عما دار في الجلسة المغلقة هذه، واشترط عدم ذكر اسمه، نظراً لسرية المناقشات أن العرض خيرهم بين أمرين لا ثالث لهما، إما أن تقبلوا وإما أن تقبلوا ولا خيار آخر, أي أن عليهم قبل أن يستفيدوا من مبلغ الـ 250 مليار المقدم من الحكومة، أن يتنازلوا عن حصص لها من بنوكهم مقابل المبالغ التي سيأخذونها.

الحقيقة الثالثة: أنه لم تظهر حتى الآن آثار ايجابية لتلك الخطة فمنذ اجتماع وزير الخزانة بالمدراء التنفيذيين للبنوك، أعلن عن إغلاق ثلاثة بنوك أمريكية، هي بنك فريدوم في ولاية فلوريدا وبنك فرانكلين في ولاية تكساس، وسيكيوريتي بنك في ولاية كاليفورنيا هذا بالنسبة للبنوك، أما بالنسبة لباقي قطاعات الاقتصاد، فإن أسواق الأسهم شهدت في جميع دول العالم، تراجعات هائلة في قيم الأسهم حتى أنها تدنت في كثير من الحالات، دون القيم الاسمية للأسهم، وهو وإن كان يظهر في اتجاه مؤشرات الأسهم بعض الارتفاع أحيانا فإن الاتجاه العام هو الهبوط المستمر.

كما أن الاجتماعات الدولية المستمرة، سواء على مستوى القمة، أو على مستوى وزراء المالية، من قمم ثنائية إلى سباعية إلى عشرينية تدل يقيناً على أن الأزمة لا زالت تتفاعل، ولم يتوقف نشاطها.

هذا بالنسبة لأسواق الأسهم، أما بالنسبة لباقي قطاعات الاقتصاد، فإن الولايات المتحدة شهدت انكماشاً بمعدل 0.3 % ثلاثة أعشار نقطة في المائة في الربع الثالث من العام الجاري وهو أشد تراجع في سبع سنوات، كما انخفض إنفاق المستهلكين، وهو الذي يغذي ثلثي النمو الاقتصادي الأمريكي بنسبة 3.1% في الفترة ذاتها. كما تراجعت الدخول الفردية للإنفاق بنسبة 8.7% وارتفع عدد العاطلين عن العمل في نهاية شهر تشرين أول إلى عشرة ملايين ومائة ألف في الولايات المتحدة وحدها وبزيادة 240 ألف عاطل في شهر تشرين أول وحده.

وما يجري في الولايات المتحدة من انكماش اقتصادي، وارتفاع للبطالة يجري كذلك في دول مجموعة اليورو، وفي بريطانيا، التي تشهد انكماشاً هو الأقوى في دول الاتحاد الأوروبي، وبنسبة 1% عام 2009 ومن المتوقع أن يستمر هذا الانكماش حتى عام في عام 2010، مما يدل أن الأزمة لا زالت مستمرة. كما تشهد ايرلندا انكماشا بنسبة 0.2% واسبانيا 0.9% وستشهد اسبانيا أسوأ الأزمات، حيث من المتوقع أن ترتفع نسبة البطالة فيها من 10.8% العام الحالي إلى 15.5% في عام 2010 كما أن ما تعانيه بعض القطاعات الصناعية كصناعة السيارات من هبوط في مبيعاتها، ووقوفها على حافة الإفلاس، ما دفعها إلى الاستنجاد بالحكومات، لهو أبلغ دليل على تعمق الأزمة الاقتصادية واستمرارها, فقد تراجعت مبيعات جنرال موتورز بنسبة 16% ومبيعات شركة فورد بنسبة 35% وشركة كرايسلر بنسبة 33% وهذه المبيعات هي الأدنى منذ عام 1993، كما انخفضت مبيعات شركة نيسان اليابانية بنسبة 36.8% وتويوتا بنسبة 32% وتراجعت مبيعات شركة هوندا في داخل الولايات المتحدة بنسبة 24% هذا كله بالنسبة للعام الحالي. وهو لم يكتمل بعد.

وسأورد هنا بعض ما قاله الخبراء وأهل لاختصاص في هذا المقام. فقد حذر كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي سابقاً سايمون جونسون من حدوث ركود عالمي جراء الأزمة المالية المدمرة التي ضربت الولايات المتحدة وأوروبا، وأشار إلى أن خطة الإنقاذ التي تبلغ كلفتها 700 مليار دولار والتي مررها الكونجرس وأقرها الرئيس الأمريكي، لا تعدو كونها إجراءًا طارئاً لن يحول دون حدوث انكماش خطير لأكبر اقتصاد في العالم.

ووصف رئيس الحكومة الكندية ستيفن هاربر وصف الوضع الاقتصادي الأمريكي بأنه “كارثي”.

وفي الولايات المتحدة. قال الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغلتس، إن خطة الإنقاذ لن تتمكن من إعادة الاستقرار تماماً للاقتصاد، إنها تشبه عملية نقل دم إلى شخص يعاني من نزيف داخلي. وفيما يتعلق بمستقبل الوضع الاقتصادي, توقع ستيغلتس أن تشهد المرحلة المقبلة، انخفاضاً في الإنفاق, وتراجعاً في الاستهلاك، وتراجعاً في الناتج المحلي، وطالب بمساعدة الناس على الاحتفاظ ببيوتهم.

وتوقع جيم امورين وهو مدير معهد التثمين العقاري الأمريكي أن لا تنتهي الأزمة قبل عام 2011 وان المبلغ المرصود للحل لا يكفي وقال جاك ضيوف مدير منظمة الأغذية والزراعة -فاو- كان العام الماضي مقلاة، بينما قد يكون العام القادم هو النار.

وخلاصة ما تقدم أن خطة الإنقاذ التي وضعتها الحكومة الأمريكية، محدودة الأثر، ولن تتمكن من إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، وهو مقبل على ركود اقتصادي محتم، وسترتفع نسبة البطالة في الولايات المتحدة، وفي غيرها من دول العالم، وستنتكس أسعار كثير من السلع وأولها النفط، الذي تراجعت أسعاره وستستمر إلى فترة طويلة قادمة، وستشهد دول العالم الثالث بما فيها بلاد المسلمين، أياماً عصيبة، سيكون من نتائجها التشنجات الاجتماعية، والاضطرابات السياسية، بسبب الضائقة الاقتصادية، وكل ذلك مرهون بتفاقم الأزمة، وطول مدتها.

وإذا كانت خطة الإنقاذ في المحصلة النهائية، محدودة الأثر، فما هي الآثار التي ستترتب على هذه الأزمة من آثار اقتصادية، وآثار فكرية، وآثار سياسية وما هي نتائجها على المسلمين؟.

أما الآثار الاقتصادية، فإن الأزمة لا زالت في بدايتها وآثارها ونتائجها الأولية، بادية للعيان، انهيار للأسواق المالية. حيث قدرت خسائر هذه الأسواق بـ 30 تريليون دولار منذ مطلع العام الجاري. منها عشرة تريليونات دولار في شهر تشرين أول وحده. إفلاس كثير من البنوك رغم خطة الإنقاذ بلغ عددها حتى اليوم تسعة عشر بنكا في الولايات المتحدة وحدهاً، وشركات صناعية كشركات السيارات تقف على حافة الإفلاس، انهيار أسعار النفط بسبب انخفاض الطلب الناتج عن الركود الاقتصادي، ارتفاع غير مسبوق في أعداد العاطلين عن العمل، وصل إلى عشرة ملايين ومائة ألف في الولايات المتحدة وحدها في الأسبوع الأول من شهر تشرين ثاني من العام الجاري، وقدرت منظمة العمل الدولية أن أعداد العاطلين ستصل في العام الجاري وحده 20 مليون عامل، وقدر بعض خبراء الاقتصاد أن أعداد العاطلين عن العمل سيصل في بريطانيا وحدها إلى ثلاثة ملايين عامل، بنهاية عام 2009.

وفي اسبانيا سوف ترتفع نسبة البطالة في العام القادم إلى ما يزيد عن 15%، كتب دان روبرتس في صحيفة صنداي تلغراف البريطانية، تعقيباً على قرارات ضخ الأموال في الأسواق المتعثرة يقول: “إذا كان المرء يعتقد أن الأسوأ قد انتهى فعليه إعادة التفكير مرة أخرى، إن قرار الحكومتين الأمريكية والبريطانية القاضي بضخ مئات المليارات، أصبح خبراً قديماً، إذ لم تستمر بهجة السوق بذلك إلا ساعات قليلة” وتقول صحيفة الابزرفر: “لا تخطئوا التقدير فالحقيقة أن الأزمة مخيفة للغاية وفي بلاد المسلمين نشرت صحيفة الحياة اللندنية في عددها الصادر يوم 12/11/2008 أن سوق الأسهم السعودية قد خسرت من بداية العام الحالي حتى تاريخه 50.4% من قيمتها كما خسرت باقي الأسواق الخليجية خسائر مقاربة.

كما أن القطاعات الاقتصادية الأخرى، ليست أحسن حالاً، يقول جون هيرمان. من مؤسسة هيرمان للاستشارات بنيويورك” إن البلاد في حالة ركود شديد، وعلى الرئيس الجديد أن يقدم خطة لحفز الاقتصاد، وإن عليه إنقاذ الصناعات الكبرى، بينها السيارات، والأسلحة، وقطاع المعلوماتية، والخدمات وضخ الأموال في الشركات الصغيرة لمساعدتها على الاحتفاظ بموظفيها”.

أما في الجانب السياسي، فإن الولايات المتحدة، أصبحت نتيجة هذه الأزمة تواجه ضغطاً قوياً من بقية الدول الرأسمالية، لزحزحتها، عن مكانتها وتفردها في اتخاذ القرارات المالية، وتتعرض من حلفاء الأمس إلى التخلي عن السياسة الاقتصادية، التي صيغت نهاية الحرب العالمية الثانية، اتفاقية بريتون وودز، وقد طالب رئيس وزراء بريطانيا جوردون براون بإعادة بناء صندوق النقد الدولي، حتى يتلاءم مع العالم المعاصر، واقترح تشكيل 30 هيئة إشراف عالمية لمراقبة عمل كبرى المؤسسات المالية العالمية كما طالبت دول المجموعة الأوروبية بعقد قمة قبل نهاية العام الجاري ورفض جورج بوش ذلك، وتحت الإصرار الأوروبي وافق على عقد القمة منتصف الشهر الجاري، ولكنه يريدها قمة بروتوكولية، على أن تعقد قمة أخرى منتصف الشهر الجاري، ولكنه يريدها قمة أخرى في شهر شباط، بعد أن يتسلم الرئيس الأمريكي الجديد السلطة وقد أصر الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي وفرنسا هي التي تترأس المجموعة الأوروبية حالياً، صرح يوم الخميس 16/10 أن أوروبا تريد عقد القمة قبل نهاية السنة، واستطرد قائلاً أوروبا تطالب بذلك وستحصل عليه، وأوروبا ستخوض معركة حتى لا تكتفي هذه القمة بمبادئ عامة وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن الأوروبيون يطالبون بأن تطلق القمة عملية إعادة صياغة كاملة للنظام المالي، تكون بمثابة بريتون وودز ثانية، وقال دبلوماسي، أوروبي: “إن الجميع يبتعد عن أفكار بوش وأفكار الن غرينسبان، الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي ويقول بيترموريسي أستاذ الاقتصاد بجامعة مريلاند “الأوربيون تطلعاتهم غير واقعية، ولا رغبة هنا إطلاقا في الولايات المتحدة في المضي في اتجاه نظام ضبط على الطراز الأوروبي، يقود إلى نسبة بطالة بمستوى 10%.

يقول الفيلسوف البريطاني جون غراي “إن عصر الهيمنة الأمريكية قد ولى إلى غير رجعة، وإن الزلزال الذي ضرب أسواق المال الأمريكية، هو إعلان نهاية الإمبراطورية، وإن الولايات المتحدة تترنح تحت وطأة الأزمة المالية العالمية، في مشهد يذكر بما كان عليه الاتحاد السوفيتي عشية انهيار جدار برلين، أكثر من هذا يضيف غراي قائلاً “تراجع القيم الأمريكية عالمياً، فمع تأميم القطاعات الرئيسة في النظام الأمريكي فإن عقيدة السوق الحرة التي بشرت بها أمريكا قد دمرت نفسها بنفسها.

ويقول وزير المالية الألماني بير شتان ينبروك “إن أمريكا ستفقد مكانتها كقوة عظمى، في النظام المالي العالمي، ويجب أن تعمل مع شركائها للاتفاق على قواعد عالمية أقوى لتنظيم الأسواق، بعد كل ما تركته الأزمة الحالية من آثار عميقة.

أما جان بيير جوبيه، الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية فيقول: “ما تشهده أسواق المال حالياً، هو نهاية عهد، وسيكون النظام المالي في السنوات المقبلة مختلفاً تماماً عما نشهده اليوم، لأنه لا بد من ضمانات أقوى وشفافية أكبر.

أما من الناحية الفكرية، فقد انتهت عملياً فلسفة آدم سميث المفكر المؤسس للاقتصاد الرأسمالي “دعه يعمل، دعه يمر إن الأسواق تصحح نفسها بنفسها” فقد ثبت بالدليل البين والحجة القاطعة فشل هذه الفلسفة فإفلاس بعض أكبر المصارف العالمية ووقوف بعضها على حافة الإفلاس والانهيار لولا دعم الحكومات لها للحقت بمن سبقها في الإفلاس، ثم ها هي شركات صناعية عملاقة، كشركات صناعة السيارات تستنجد بحكوماتها، ثم تأميم هذه البنوك والشركات المتعثرة تحت مسمى الاستحواذ ومشاركة الحكومات في إدارتها وفي أرباحها، قد قضى نهائياًَ على فكرة الحرية المطلقة التي قام عليها الاقتصاد الرأسمالي ولقد سخر هوغو شافيز الرئيس الفنزويلي من جورج بوش لتأميمه للبنوك الأمريكية ولقبه “بالرفيق بوش”.

وقد وصف كثير من الكتاب الغربيين، أصحاب العقيدة الرأسمالية، هذه الرأسمالية بأشنع الأوصاف، كالرأسمالية المتوحشة، ورأسمالية رعاة البقر والرأسمالية الجشعة، ويكفي أن نستشهد بما قاله الرئيس الفرنسي ساركوزي عن هذه الرأسمالية، وعن ضرورة تقييدها، يقول ساركوزي: “إن حال الاضطراب الاقتصادي التي أثارتها أزمة أسواق المال الأمريكية، وضعت نهاية لاقتصاد السوق الحرة، حيث أن نظام العولمة، يقترب من نهايته مع أفول رأسمالية فرضت منطقها على الاقتصاد بأسره، وساهمت في انحراف مساره، إن فكرة القوة المطلقة للأسواق، ومنع تقييدها بأية قواعد، أو بأي تدخل سياسي، كانت فكرة مجنونة، وفكرة إن السوق دائماً على حق فكرة مجنونة، وإنه حان الوقت لجعل الرأسمالية أخلاقية”.

أخيراً وليس آخراً، أليس مما يدعونا للتأمل والتفكر أن ترنح الرأسمالية وانكشاف سوءتها، قد وقع بعد أقل من عقدين، من سقوط الشيوعية وإفلاسها، وتخلي أصحابها عنها، لقد انتهت الحرب الباردة، وانهار الاتحاد السوفيتي العدو التقليدي للرأسمالية، وانتهت الشيوعية كفكرة، ووأدها أصحابها دون أن يذرفوا عليها دمعة واحدة، فلو كانت الرأسمالية قامت على أساس عقيدة صحيحة لكانت ازدهرت وانتشرت، في غياب الأفكار المخالفة والدول والقوى المعادية، أما تنتهي بذاتها، وتنهار من داخلها، فذلك لفسادها وفساد الأساس الذي قامت عليه.

وختاماً، أين المسلمون من هذه الأزمة، ومن نتائجها.

إن حال المسلمين العامة، سياسية كانت أو اقتصادية، حال تدعو للرثاء، من ناحية، وتدعو المخلصين لشحذ العزيمة وشد الهمة من ناحية أخرى.

فمن الناحية الأولى؛ فإن ما يشق القلب حزناً وكمداً، أن نرى حكام المسلمين، لم يكتفوا بتعطيل أحكام الشرع الحنيف، ومعاداة العاملين والداعيين لإقامة حكم الله في الأرض، بل بددوا ثروات الأمة، واستنزفوا خيراتها، لإدارة مصانع الكفار، ولم يقيموا في بلاد المسلمين مصنعاً ذا أهمية ولم يكتفوا بأن باعوا ثروات المسلمين بأوراق ملونة سموها نقوداً ورقية. بل أودعوها في بنوك الكفار، فمحقت وهلكت مع الهالكين، ولم يجرؤ حاكم أو مسؤول، أن ينطق برقم الأموال التي ذهبت أدراج الرياح، وكان استثمارها في بلاد المسلمين، يكفي لبناء صروح شامخة للصناعة الحديثة، ويقضي على كل مظاهر الفقر والبطالة.

ولقد تناقلت وسائل الإعلام أن خسائر الصناديق السيادية لدول الخليج العربي وحدها تزيد عن أربعمائة مليار. وأن نسبة الخسارة إلى الأموال المودعة تتراوح بين 30% و 60% هذه من الأموال العامة المعلن عنها، وأما ما خفي فالله وحده يعلم أرقامها، كما أن خسائر الأفراد، تبلغ مئات المليارات.

وإن مما يقتل كل حر غيور. أن نرى بعض من تسموا بالعلماء، وتصدروا الفضائيات، وملأوا الدنيا ضجيجاً، وأصموا الأذان بأحاديث في مسائل هامشية أو تافهة، لم ينكروا على حاكم تبديده أموال المسلمين، أو يسألوه عن الأموال بل المليارات، من أين نهبها، وأين هربها، وأين حق الله فيها، وحق عباد الله فيما استخلف من أموال، وما تحمل من أمانة، وأين جهد هؤلاء وحرصهم على بيان الأحكام الشرعية، في أسواق الأسهم، التي هي فوق حرمتها مصائد مغفلين، تمتص أموال العامة، ثم تلقي بهم منتحرين على أبوابها، بعد أن تبخرت أموالهم، وضاعت جهودهم، وهم يلهثون وراء سراب الربح الذي لن يأتي، أم أنهم ركزوا جهدهم وجهادهم على حوار الحضارات والتقريب بين دين الإسلام الحق وسائر الضلالات والتحريفات.

ألم يقرأوا قوله تعالى: ( وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً )

وقوله تعالى عن قوم شعيب عليه الصلاة والسلام: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)

أولم يسمعوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار» وأن المعادن العد كالنفط والغاز وسائر المعادن هي ملك لعامة المسلمين قاصيهم ودانيهم.

ثم أليس من الواجب الذي فرضه الله تعالى عليه أن يبينوا للناس أحكام الإسلام المتعلقة بالمال كسباً وإنفاقا ويحذروهم من أن يدخلوا جحر الضب، خلف من ضل من أهل الكتاب قبلهم.

ولماذا لم نسمع أو نقرأ بحثاً ذا قيمة، في أسس الاقتصاد الإسلامي، وتميزه عن غيره، من اقتصادات الكفار، رأسمالية كانت أو اشتراكية، ومن تجرأ منهم وتكلم، أعرب بعبارات خجولة -ونحن نحسن الظن بقائلها- ولكنها تصل حد الكفر “حين يقول” إن النظام الاقتصادي الإسلامي، يمكن أن يشكل بديلاً عن النمط المصرفي السائد في العالم الغربي، وان النظام الاقتصادي الإسلامي، من الناحية النظرية يكون منظومة متكاملة ومتينة وقادرة على إقامة اقتصاد قوي في مأمن من الهزات، ولكن من الناحية العملية، فالتجربة الإسلامية لا زالت غير مكتملة”. كأن الوحي لم ينقطع بعد ولم يكتمل الدين” وأن يقول كاتب آخر موصوف بالإسلامي “لا يمكن الحديث عن نظام اقتصادي إسلامي بديل بلا مشاكل، فقد تكون لهذا النظام حلول لبعض المشاكل المصرفية لكنه لا يمكن أن يمثل حلاً سحرياً للعالم.

على حين أن من اكتوى من الكفار بنار النظام الاقتصادي الرأسمالي مثل مدير جريدة ج.د.ف الاقتصادية الفرنسية يكتب في عدد الجريدة الصادر يوم 25/9/2008 ينادي بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية للخروج من الأزمة حيث عرض لمبدأ عدم بيع ما لا تملك، وعدم المراهنة على مآسي الشركات ولكن مشاركتها نموها عبر الصيغ للاستثمار.

وأن تقول صحيفة شالينج وهي صحيفة اقتصادية معتبرة في عددها الصادر بتاريخ 11/9/2008 “أن لو كان أصحاب المصارف الساعون للربح قد احترموا الشريعة الإسلامية، لم نصل إلى ما وصلنا إليه حيث لا تنتج النقود -وهو يقصد الربا-.

وفي حين يصف بعض الكتاب الرأسماليين الاقتصاد القائم على الربا والمقامرة، بأنه اقتصاد -الكازينو- أي أنه دار من دور القمار. وان بنكا من أكبر البنوك البريطانية، هو بنك لويدز. تي. اس. بي. يفتح حسابات لرجال الأعمال تتماشى مع الشريعة الإسلامية، وتخلو من الفوائد الربوية، وان لا تستثمر أموالهم في مشاريع تحرمها الشريعة الإسلامية، مثل القمار وصناعة الخمور.

أما من الناحية الثانية: فإن على كل مسلم غيور أن يشحذ همته، ويشد مئزره، ويصل الليل بالنهار، ساعياً بكل ما أتاه الله من قوة فكرية أو قوة مالية، لإقامة الحكم بما أنزل الله، ويضع يده في أيدي العاملين لإقامة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة. فهذا أوانها، فلقد انهارت الشيوعية، وها هي الرأسمالية تتبعها إلى الهاوية، ولولا غياب حكم الإسلام كنموذج تفزع إليه البشرية، لينقذها من جشع الرأسمالية، التي بنت مجدها على تعاسة قارات بأكملها، ونشرت الجوع والفقر في كل قطر حلت فيه، لما امتد عمرها إلى يومنا هذا، فالإسلام هو رسالة الله تعالى إلى البشرية، ليخرجها من عبادة الطواغيت إلى عبادته جل في علاه، فهو وحده الخالق الواجب الطاعة، وشرعه وحده هو الذي يحقق سعادة البشرية في الدارين.

فإليه تعالى نرفع أكف الضراعة، سائلينه في علاه، أن يعجل لنا برحمته ونصره، وإعلاء كلمته، وتمكين أوليائه، فإن وعده الحق وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.

اللهم اهدنا واهدي المسلمين أجمعين للعمل لاستئناف الحكم بأمرك وشرعك لنكون كما أردت لنا خير أمة أخرجت للناس، فإنك يا مولانا على شيء قدير وبالإجابة جدير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

                                                                                                            أبو أحمد التميمي