Take a fresh look at your lifestyle.

الاستعداد للجهاد – بقلم الأستاذ أحمد أبو قدوم

     الجهاد: هوبذل الوسع في قتال الكفار، لإزالة الحواجز المادية التي تقفُ في وجه الدعوة، وهو فرض كفايةِ إبتداءً.وهذا يقتضي الإعداد الجيد للقتال { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم…. }ألآية ولفظ قوة هو لفظ مطلق يشمل جميعَ أنواع القوة، لأنه نكرة جاء في سياق الإثبات، ويشملُ كافةَ أنواعِ الأسلحة التقليدية وأسلحةِ الدمار الشامل، لأن الهدفَ من إعداد القوة هو إرهابُ العدو، وإلا فقدت الكلمةُ معناها، ولا تسمى حينئذ قوة، فالأسلحة الفردية لم تعد تتمثلُ في السيف أو الرمح وإنما في الرشاشات والبنادق الأوتوماتيكية والقذائفِ الصاروخية المضادة للدروع والمضادة للطائرات والقنابلِ اليدوية بمختلف أنواعها والأحزمة الناسفة، وأسلحةُ الدروع لم تعد تتمثلُ في الخيل والبغال، وانما في الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود المدرعة والآليات المدرعة، وأسلحة الإسناد لم تعد تتمثلُ في المنجنيق والقذائف الحجرية والنفطية، وإنما في المدفعية بكافة أنواعها من خفيفة ومتوسطة وثقيلة، والصواريخِ الموجهة قصيرة  ومتوسطة وطويلة المدى، والطائرات المقاتلة الدفاعية والهجومية والمطاردة، والبوارج والغواصات وجميع الأسلحة الإلكترونية، وأسلحةُ الردع لم تعد تتمثل بأعداد الجنود وعدد الطائرات والدبابات، وإنما بامتلاك الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية والصواريخ عابرة القارات القادرةِ على حمل الرؤوس النووية والكيماوية والبيولوجية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وكذلك مفاجأةُ العدو بأسلحة لا عهد له بها،  وهذا كلُه يقتضي جعلَ الصناعة الحربية والإلكترونية أساسا لكل الصناعات. 

     بالإضافة إلى الإعداد الجيد للحرب النفسية والمعنوية، والذي يشملُ الحربَ الإعلامية، ونشرَ الدعايات المضادة ونشرَ الذعر والخوفِ في صفوف العدو، والتحذيرَ من العواقب الوخيمة التي ستلحق بكل من يتعاون مع العدو سواء أكان ذلك بنقل الأخبار له أو بمعاونته من أي طرف كان، سواء أكان هذا الطرف داخليا أوكان خارجيا، يرافقُ ذلك الدعايةُ لأفكار الإسلام وبخاصةٍ المتعلقةُ بالضم والفتوحات والجهاد والتي تقتضي عدمَ التعرض للمدنيين بكافة فئاتهم وعدمَ التعرض للبنى التحتية والمحافظةَ على الثروات الحيوانية والنباتية والصناعية والمعدنية والمائية والعمرانية، وإعطاءَ الأمان حتى للعسكريين والسياسيين، إذا استسلموا، والذين لم يتورطوا بجرائم لا يمكنُ العفوُ عنها. وهذه الأمورُ قد تؤمنُ انتصاراتٍ ضخمةً بدون قتال كما حصل مع جيشِ اسامة، ومقاتلةِ المرتدين.

     وكذلك القيام بالمناورات السياسية والتي تقتضي ابرازَ الأعمال وإخفاءَ الأهداف، والحيلولةَ دون قيام تحالفاتٍ عسكرية، وتفكيكَ الأحلاف القائمة، وتحييدَ القوى غير المباشرة، والتي يمكن أن تهددَ الدولة، وكذلك تحييدَ القوى القريبة، وحصرَ المواجهة مع عدو واحد، وهذا يكون عن طريق عقدِ الإتفاقيات الثنائيةِ بين الدول المؤثرة في الموقف الدولي، وعقدِ إتفاقيات حسن جوار مع الدول القريبة ومعاهداتٍ تجاريةٍ مع الدول البعيدة، وإعطاءَ بعضِ التسهيلات للقوى التي لا نرغب بمواجهتها في نفس الوقت.

 

     وهناك بعض الأمور يجب ملاحظتها في حالة الحرب منها:-

أولاً عدم اللجوء إلى إستخدام أسلحة الدمار الشامل إلا في حالات خاصة وهي:-

•أ‌-  إذا استخدم العدو مثل هذه الأسلحة ضد رعايا ومصالحِ الدولة، فعندها يُرد عليه بالمثل أو بأكثر من ذلك حسب مقتضيات الحرب التي تقتضي ردع العدو.

ب- في حالة كان هذا العدو يمثل خطرا محقَقَا على مصالح الدولة ولا يمكن ردعُه أو منعُه إلا بمثل هذا السلاح، وفي هذه الحالة يجب إخطارُ المدنيين بوجوب مغادرة المنطقة المستهدفة خلالَ مهلة معينة، دون ذكر الأسباب.

ج- في حالة ما إذا كان العدو يحتل أرضًا إسلامية، وتمكن منها وأقام له سلطانًا عليها، كدولة يهود، فيمهل المدنيون ، بشكل عام مدةً معينة لمغادرة هذه الأرض، سواء أكان ذلك باللجوء إلى دول أخرى، أو بتسليم أنفسهم لنا، ويوضعون في أماكن خاصة، لحين الإنتهاء من إستئصال كيانهم، ثم ينظر في أمرهم،إما إعطاؤهم الأمان أو ترحيلُهم، ولا تلجأ الدولة إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل إلا بعد استنفاد كافة السبل في القضاء على العدو أو دفعه إلى الإستسلام بالأسلحة التقليدية، كي لا تؤثرَ أسلحةُ الدمار الشامل على المسلمين أو الآمنين من سكان الأرض الأصليين، وكي لا يكونَ لها نتائجُ مدمرةً على طبيعة الأرض والثروات، ويُحرص على محاولة الإستيلاء على كافة مقدراتهم الصناعية وغيرِها دون إلحاقِ الأذى بها، كي تكون غنيمةً للمسلمين.

د- إذا غلب على ظن الدولة أن العدو يوجد لديه نية لاستخدام أسلحة دمار شامل، ففي هذه الحالة يُلجأ لاستخدام هذه الأسلحة، لشل قدرة العدو العسكرية، ويكون الإستخدام لهذه الأسلحة بالقدر الذي يحقق الهدف.

ثانياً- الجهاد يشمل جميعَ أنواع الحروب، فيشمل الحربَ الدفاعية والحرب الهجومية والحربَ الوقائية والحربَ الخاطفة وحرب الإستنزاف طويلةَ الأمد ومبادأةَ العدو ومباغتتَه وحربَ العصابات، ولكل حربٍ شروطُها وأهدافها، لكن الذي يجب ملاحظته هنا هو أن الذي يعلن بدءَ الحرب وانتهاءَها هو القائدُ العام للجيش وهو الخليفة، ولا يجوز أن تكون هناك فصائلُ مسلحةً تتبع الأحزابَ أو الحركاتِ أو الجماعاتِ أو القبائلَ أو غيرَها، ولا يجوز أن يكون هناك جيشٌ إلا جيشَ الدولة، ولا يجوز أن يكون في ظل الدولة جهاد فردي،إلا في حالة الدفاع أو ما يعرف برد الصائل، بل يجب أن ينضوي جميعُ حملة السلاح تحت جيش الدولة، ولا يجوز للأفراد أو الجماعات- في غير حالة الدفاع-  أن يقوموا بمقاتلة الأعداء أو أية دولة دون إذنٍ من الدولة، ودون أن يكونوا منضوين تحت جيش الدولة، ولا بد هنا من الإشارة إلى بعض النقاط المتعلقة بالجهاد:-

أ- في حالة الحرب الهجومية، يجب أن يكون عدد جند المسلمين على الأقل نصفَ عدد جند العدو، لقوله تعالى { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين }. والحربُ الهجومية تكون عادة في الفتوحات بعد أن يعرض على الكفار الإسلامُ أو الجزية، ويرفضوا أياً منهما، والمقصود من هذه الحرب إزالة الحواجز المادية من حكام وقادة يمنعون وصول دعوة الإسلام لشعوبهم، وخلال الفتح وبعده لا يجبر الناس على اعتناق الإسلام، ولكن يطبق الإسلام عليهم في غير العبادات والعقائد الخاصة بهم، ويدعون إليه بطريقة ملفتة تجعلهم يقبِلون عليه ويدخلون فيه بإرادتهم.

ب- في حالة الحرب الدفاعية، أي في حالة مهاجمة العدو للمسلمين في أية بقعة يتواجدون عليها، يجب على المسلمين القتالُ مهما كان عدد جند المسلمين، وفي هذه الحالة يجب الجهادُ الفردي، ويجوز للمرأة أن تقاتل بدون إذن زوجها.

وفي الحالتين حالةِ الحرب الهجومية وحالةِ الحرب الدفاعية، يجب الجهادُ على الذين يوالون الكفار أولا بأول، فإن لم تحصل الكفاية إلا في جميع المسلمين فعندها يصبح الجهادُ فرضَ عين على كل من يقدر على حمل السلاح، إلا إذا كان بيننا وبين من يهاجمُ المسلمين خارج دار الإسلام ميثاق، ويستثنى من ذلك إذا استنصرونا بالدين.

ج- الجهاد بالنفس مقدم على الجهاد بالمال فمن ملك المال وكان قادرا على القتال لايعذر بدفع المال، بل يجب عليه حملُ السلاح والإنضمامُ إلى صفوف المقاتلين، وما يشاع هذه الأيام بين الناس أن الجهاد بالمال يغني عن الجهاد بالنفس، ويكتفون بجمع التبرعات فهذا مخالف للحكم الشرعي.

د- الجهاد ماض تحت كل أمير برًا كان او فاجرًا، فإن قصر الأميرُ في أمر الجهاد أو في تحريكِ الجيوش، يصبح الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر في حالة مهاجمة الكفار للمسلمين أشدَ وجوبا، ولا يجوز ان يقبلَ من الحاكم أقلُ من تحريك الجيوش، أو يُكتفى منه بالقول أو بالمال،فإن من يملكُ القرار لا يقبل منه أقل من هذا، ولا يجوز للعلماء الإكتفاء بالدعاء في الصلاة ومطالبة الحاكم بقطع العلاقات مع العدو، بل يجب عليهم أن يضغطوا عليه ويقرعوه ويحاسبوه ليحرك الجيوش أويتنحى، حتى لوأدى ذلك إلى قتلهم أو سجنهم أو ضربهم { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء، وزلزلوا حتى يقولَ الرسول والذين آمنوا معه، متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب }، وليتذكروا أن إمرأة دخلت النار في قطة حبستها، فكيف بمن يحبسُ أهلَ فلسطين من الجهات الأربع، وهذا يشملُ الحكامَ ومن عاونهم ومن أطاعهم ومن ساعدهم، بقول أو فعل، من المحكومين، أو من سكت عن حبسهم.

هـ- في قضايا المسلمين كقضية فلسطين لا يجوزُ حصرُها بأهل فلسطين، او في العرب بل هي قضية المسلمين جميعا من أقصاها إلى أقصاها، وواجب إعادةِ فلسطين ونصرةِ أهلِها على أهل مصر كما هو على أهل اندونيسيا، فالذي فتحها عمر وهو قرشي حجازي، والذي حررها من الصليبيين صلاح الدين وهو كردي عراقي، ولا يسقط الإثمُ عن جميع المسلمين من اندونيسيا شرقا حتى المغرب غربا حتى يعيدوها إلى ديار الإسلام، وربما كان التقصير من قبل المسلمين في نصرة اهلها أقرب إلى التولي يوم الزحف منه إلى التخاذل، والمسيراتُ يجب أن تقاد من العلماء صوب صاحب القرار وهو الحاكم للضغط عليه من أجل تجييش وتحريك الجيوش لنصرة الأهل في فلسطين، ولا يجوزُ الإكتفاءُ بالهتافات ضد العدو، والدعوة إلى جمع التبرعات.

و- لا يجوز الدعوة الى الشعارات والرايات العمية والجاهلية من وطنية وقومية ومذهبية، بل يجب أن تكون الدعوة منبثقة عن العقيدة الإسلامية، فرفع الشعارات والرايات بالشكل الذي نراه في هذه المسيرات، هو دعوة إلى الجاهلية الأولى وتكريسٌ لحصر قضايا المسلمين في حدود الوطنيات والقوميات.

ثالثاً– في حالة حدوث الحرب يجب على القادة السياسيين والعسكريين أن يكونوا رابطي الجأش، وأن يستعدوا ويهيئوا المسلمين لكافة الإحتمالات، فلا يتأثرون بالعواطف، أو بالإشاعات أو بالأخبار المضللة، أو بأخبار القتل والتقتيل، فربما تكون هذه الحرب مدمرة وتكون نتائجُها المادية فظيعةً على الدولة وعلى الناس، لذلك لا بد من التركيز على أن الهدف من الحرب هو اعلاء كلمةِ الله وأن القتال هو استجابة لأمر الله سبحانه، بغض النظر عن النتائج، فربما يستشهد المئات أو الألوف أو الملايين ، ولا شك أن هذا الأمر صعبٌ جدا على النفوس لكن لا بد من ربط هذا الموضوع بالعقيدة الإسلامية، وأن ما يحدثُ نتيجةَ أعمال الجهاد هو أمرٌ تقتضيه طبيعة الحروب { كتب عليكم القتال وهو كره لكم }، لكن المهم أن رؤية أشلاء الأطفال والنساء والرجال في الحروب لا يجوز أن يكون مسوغا للدولة لوقف القتال، أو الإستسلام كي توقف عمليات الإبادة الجماعية، بل يجب أن يكون حافزا للدولة والمسلمين على بذل المزيد من التضحيات لكسر شوكة العدو، ومعاقبته على جرائمه، ويجب أن يتذكر الجميع حكاماً ومحكومين أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ولا سواء بين من يقتل في ساحات الوغى وبين من يموت على فراشه، وأنَّ من كتب عليه القتل سيقتل سواء ذهب إلى الجهاد أم بقي في بيته، لكن الفرق بينهما أن الأول شهيد غفرت له ذنوبه وانتقل من حياة إلى حياة، والثاني حسب نيته وعمله، وكلا وعدَ اللهُ الحسنى.

رابعاً– يجب تحضيرُ الرأي العام بمستوى عالٍ لتقبل الجهاد، والتحذيرُ من المنافقين والمثبطين، وحثُ الناس للإستعداد للقتال والإستشهاد، وأننا يجب أن نحرص على الإستشهاد كما يحرص الكفار على الحياة، وأن واجبَنا حملُ الإسلام إلى العالم عن طريق الجهاد، وليس فقط الدفاع عن النفس، وأننا لم نخلق لنأكل ونشرب وننام، بل يجب علينا أن نحمل الإسلام إلى الناس كافة مهما كلفنا ذلك من تضحيات.

     وإن طولَ اقصاء الإسلام عن منصة الحكم والقيادة، قد جعل المسلمين ينظرون إلى المفاهيم الإسلامية – ومنها مفهوم الجهاد – بمنظار الربح والخسارة ومنظار المنفعة، وهذا ناتج عن تشبعهم بمفاهيم المبدأ الرأسمالي، حيث ترى الرجل يحرصُ على الحج والعمرة والصلاة في الصف الأول في صلاة الصبح وغيرها، ويذهب في الصباح إلى البنوك لأخذ قروض ربوية منها لتنفيذ مشاريعه. لذلك كان لزاما على العلماء الآن وعلى الدولة عند قيامها قريبا بإذن الله أن يبينوا للناس المفاهيم الإسلامية، ويدعوهم للإلتزام بها وإعادتها لواقع الحياة.

 12محرم الحرام1430هـ  الموافق 8/1/2009         أحمد أبو قدوم