مع الحديث الشريف – النّاسُ كَإِبِلٍ مِئَة
أورد الإمام مسلم في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً”.
قال ابن قتيبة:[الراحلة النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهي كاملة الأوصاف فإذا كانت في إبل عُرفت].
قال الإمام النووي:[ مَعْنَاهُ الْمَرْضِيّ الْأَحْوَال مِنْ النَّاس الْكَامِل الْأَوْصَاف الْحَسَن الْمَنْظَر الْقَوِيّ عَلَى الْأَحْمَال وَالْأَسْفَار].
ما عسى مسلم مؤمن بالله، ساجد راكع إذا سقطت أمانة الدين من الدنيا أن يحمل من همٍّ ومن ثِقَل غير همّ الدّين وثِقَل الرسالة؟ وهل خُلق الإنسان إلاّ ليعبد ربه ويُطبّق شرعه وينشر هديه في الأرض؟ وهل من مصيبة أعظم من أن يُصاب المسلمون في ضياع دينهم حكماً ومنهاج حياة؟
إن الأمانة التي رفضتها السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان هي أمانة الدين، هذا الحمل لن يحمله إلا الرواحل النجباء الأصفياء في زمن لم يدع حكامه مُحرّماً إلا استحلوه ولا عقداً إلا حلّوه، ولم يُبقوا بيت مذر ولا وبر إلا أدخلوا إليه ظلمهم، ونبا به سوء رعيهم، هؤلاء الشاهدة أبدانهم الغائبة عقولهم المختلفة أهواءهم المُبتلى بهم شعوبهم، هذا الزمان لن يُغيّره بعون الله إلا المسلم الراجلة الذي يحمل دينه ويدعو إلى تحكيمه في معترك الحياة عبر دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، تلك الرواحل الذين يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، إذا ذُكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب أولئك هم الرواحل الموعودين بنصر الله تعالى، فاللهم اجعلنا منهم وثبتنا في صفوفهم.