من المواضيع الاقتصادية- نظام المال والملكية واسس النظام الاقتصادي الاسلامي وخصائصه
لمال في الإسلام:
المال لغة: ما ملكته من كل شيء.
إصطلاحاً: كل ما ينتفع به على أي وجه من الوجوه الشرعية كالشراء والإدارة، والإعارة، والاستهلاك، والهبة.
ونظرة الإسلام إلى المال:
1- إن ملكية المال في الإسلام هي لله، باعتباره مالك كل شيء، قال تعالى: {…وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الذي آتاكم…. } النور33
2- إن الله سبحانه وتعالى استخلف بني الإنسان على المال، وأمدهم به، فجعل لهم حق ملكيته، قال تعالى: {…. وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ…. }الحديد7
وقال تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ….}نوح12.
أما أسس النظام الاقتصادي الإسلامي فهي ثلاثة:
•1) الملكية 2) التصرف في الملكية 3) توزيع الثروة بين الناس.
أما الأساس الأول: الملكية:-
وهي الكيفية التي يحوز بها الإنسان المنفعة الناتجة عن الخدمات والسلع.
وتعريفها الشرعي: (هي إذن الشارع بالانتفاع بالعين)، الشارع : هو الله، العين: الشيء المنتفع به، والإذن: هو الحكم الشرعي.
وأنواع الملكية ثلاثة: (1) الملكية الفردية (2) الملكية العامة (3) ملكية الدولة.
أما الملكية الفردية:
فهي إذن الشارع للفرد بالانتفاع بالشيء.
وحق الفرد وواجب الدولة تجاه الملكية الفردية يتمثل في أمرين:
أ- حق الملكية الفردية حق شرعي للفرد، فله أن يتملك أموالا منقولة وغير منقولة كالسيارة والأرض والنقود، وهذا الحق مصون ومحدود بالتشريع الإسلامي.
ب- حفظ الملكية للفرد واجب على الدولة، ولذلك وضع التشريع الإسلامي عقوبات زاجرة لكل من يعبث بهذا الحق.
وقد حصر التشريع الإسلامي الأسباب التي يتملك فيها الفرد المال بخمسة أسباب هي:
•1- العمل في التجارة والصناعة والزراعة.
•2- الإرث.
•3- الحاجة إلى المال من أجل الحياة، إذ يحق للفرد إن خاف على نفسه الهلاك أن يأخذ من ملك الأفراد أو ملك الدولة ما يسد به حاجته، وفي هذه الحال لا يباح للجائع أن يأكل لحم الميتة ما دام هناك طعام عند أحد من الناس يستطيع أن يأخذه.
•4- إعطاء الدولة من أموالها لإفراد الرعية، فإن أعطت الدولة لأحد من الرعية أرضاً أو مالاً يصبح مالكاً له.
•5- الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل، كالهبة، والهدية، والصدقة.
والنوع الثاني من أنواع الملكية, الملكية العامة:
والملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالشيء، وهي ثلاثة أنواع:
•1- ما هو من مرافق الجماعة، وهي الأشياء التي لا تستغني حياة الجماعة عنها، وتتفرق عند فقدها كالماء، والزرع، والنار، قال عليه السلام: «الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار» ويلحق بهذا النوع من الملكيات العامة كل آلة تستعمل فيه كآلات استخراج المياه العامة، وأنابيب توصيلها، وكآلات توليد الكهرباء من مساقط المياه العامة وأعمدتها وأسلاكها ومحطاتها.
•2- الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها، مثل الطرق، الأنهار، البحار، البحيرات، المساجد، مدارس الدولة، والساحات العامة، قال عليه السلام:«لا حمى إلا لله ورسوله» ومعنى الحديث أنه ليس لأحد أن يحمي لنفسه ما هو لعموم الناس.
•3- المعادن العدُّ التي لا تنقطع، وهي المعادن الكثيرة غير محدودة المقدار، أما المعادن القليلة المحدودة المقدار فإنها تكون من الملكيات الفردية ويجوز أن يملكها الأفراد، ومن المعادن العدِّ الكثيرة: مناجم الذهب والفضة والبترول والفوسفات وغيرها.
ودليل ذلك ما روي عن أبيض بن حمال المازني (أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي طلب منه أن يعطيه قطعة من الأرض، الملح بمأرب، فقطعه له قال: فلما ولى، قيل، يا رسول الله، أتدري ما أقطعت له؟ إنما أقطعته الماء العد، قال: فرجعه منه) لأن الملح معدن كالماء العد الذي لا ينقطع.
3- ملكية الدولة: هي كل مال يكون التصرف فيها موكولا للخليفة وهو رئيس الدولة، وهذه الأموال مثل:
أموال الغنائم والجزية والخراج والضرائب وأموال المرتدين وكأموال من لا وارث له وكالأبنية والمسقفات لحكام الدول التي تفتحها الدولة الإسلامية وكالأراضي المملوكة للدولة.
أما الأساس الثاني:
التصرف في الملكية:
وهي الكيفية التي يجب أن يلتزم بها المسلم أثناء استعماله للمال: وقد حدد التشريع الإسلامي هذه الكيفية بأحكام شرعية في أمرين اثنين، وهما:
•1) تنمية المال 2) إنفاق المال.
أما تنمية المال:
فقد شرع الإسلام أحكاما معينة لتنمية المال، في التجارة، والزراعة، والصناعة، وترك للإنسان أن يبدع في استعمال الأساليب والوسائل المشروعة والملائمة للتنمية.
– ففي التجارة أباح الإسلام البيع والإجارة والشركة، قال تعالى: {…وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ…}البقرة275 وقال عليه السلام: «أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» وقال: «أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه».
وحرم الإسلام الربا، والاحتكار، والغش، والقمار، وغيرها، قال تعالى: {…وَحَرَّمَ الرِّبَا…}البقرة275 وقال عليه السلام: «من احتكر فهو خاطئ» أي آثم. وقال: «ليس منا من غش».
– وفي الزراعة أباح الإسلام تملك الأرض للزراعة، وقرر أخذها من مالكها إن هو لم يزرعها ثلاثة أعوام متتالية، قال عليه السلام: «وليس لمحتجر حق بعد ثلاث» وقال: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه» لأن الأرض وجدت للزراعة وللإنتاج.
– وفي الصناعة أجاز الإسلام للمسلم أن يتملك مصنعاً، وأن يصنع، وأن يتاجر فيما يصنع، ولكن قيد هذه الصناعة فيما يحل من الأشياء، فالمصنع في الإسلام يأخذ حكم الشيء الذي يصنعه، فإذا كان الشيء مباحاً كان المصنع مباحاً، وإن كان الشيء حراماً كان المصنع محظوراً وحراماً.
وما دام المصنع يأخذ حكم ما يصنع، فلا يصح للفرد أن يتملك مصنعاً ينتج ما هو في طبيعته من الملكية العامة. فكل مصنع ينتج أو يستخرج ما هو من طبيعته ملكية عامة يكون ذلك المصنع ملكية عامة، ولا يجوز أن يكون ملكية فردية، وذلك مثل مصانع استخراج البترول والذهب والحديد وكل ما هو داخل في الملكية العامة.
•2) وأما الأمر الثاني الذي حدد التشريع الإسلامي كيفية التصرف به وفق الأحكام الشرعية فهو إنفاق المال:
حيث وضع الإسلام قاعدة عامة للإنفاق، وهي قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا…}القصص77 فالمال مال الله، والإنسان مستخلف فيه، فعليه أن يتقيد في إنفاقه بأوامر الله ونواهيه، طلباً لنيل رضوان الله وثوابه.
وقد وضع طرقاً لإنفاق المال مثل:
•أ- الزكاة: وهي فرض على من تجب عليه.
•ب- الإنفاق على نفسه وعلى من يلزم نفقتهم كالزوجة والوالدين والأبناء وهو فرض.
•ج- صلة الرحم بالتهادي، وهو مندوب.
•د- الصدقة على الفقراء والمحتاجين وهي مندوب.
هـ- الإنفاق في الجهاد لشراء السلاح وتجييش الجيوش كما فعل الصحابة في غزوة تبوك وغيرها وهو فرض كفاية.
وقد حرم الإسلام أنواعاً من الإنفاق مثل:
الإسراف: وهو الإنفاق في الحرام والمعاصي.
كما حرم الرشوة: وهي دفع الأموال لمن له صلاحية انجاز أمر معين من أمور الرعية كالموظفين والحكام من أجل انجاز ذلك الأمر.
وكذلك حرم الإسلام البخل والتقتير، وهو الامتناع عن الإنفاق فيما هو واجب على المسلم، كعدم دفع الزكاة، وكالنفقة الواجبة عليه تجاه من يعول، قال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }الفرقان67
و– دفع المال للدولة الإسلامية في حالة حاجتها له لتقوم بالأعمال المفروضة على المسلمين كافة، مثل إطعام الجائعين، كما حصل في عام الرمادة (المجاعة) زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومثل إغاثة الملهوفين في حالة حدوث زلزال أو فيضان، أو اعتداء خارجي.
أما الأساس الثالث والأخير للاقتصاد في الإسلام وهو:
فهو توزيع الثروة بين الناس:
فقد شرع الإسلام أحكاما شرعية ليضمن توزيع الثروة بين الناس، وليحول دون اختلال التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع الإسلامي وذلك بالأمور التالية:
•1- فرض الزكاة: وهي أخذ قسم من مال الأغنياء بشروط وتوزيعه على الفقراء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذا إلى اليمن قال له: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم».
•2- لكل فرد من أفراد الرعية حق الانتفاع من الملكية العامة، ومن وارداتها كالمعادن والبترول.
•3- توزيع الدولة من أموالها على أفراد الرعية المحتاجين دون مقابل، كإقطاع الأراضي للقادرين على زراعتها، والإنفاق عليهم من الخراج والجزية.
•4- منع التشريع الإسلامي كنز الذهب والفضة، بوصفهما أداة التداول، وأثماناً للسلع والخدمات، ليظل النقد مستثمراً في الزراعة والتجارة والصناعة، وبذلك يقضي على البطالة، فيساعد على توزيع الثروة.
•5- شرع الإسلام تقسيم الإرث بين الوارثين، وبذلك توزيع للثروات الكبيرة.
ولا يفوتنا هنا أن نبين أن الإسلام يعتبر أن المشكلة الاقتصادية هي سوء التوزيع وليست قلة الإنتاج وهذا شيء ملموس يلمسه كل الناس بغض النظر عن معتقدهم، فإن العالم كله فيه من الإنتاج ما يزيد عن حاجات الناس، ولكن سوء التوزيع جعل بعض الناس أغنياء غنى فاحشاً، وأغلب الناس فقراء، حتى البلدان التي تشكو قلة الإنتاج فإن المشكلة الأساسية التي تعانيها اقتصادياً هي سوء التوزيع في الدرجة الأولى، ثم تأتي بعدها قلة الإنتاج.
والناس بحاجة إلى نظام عادل يحل لهم مشكلتهم الاقتصادية وهل من نظام أعدل وأجدر من نظام الإسلام، نظام رب العالمين؟!
أما خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي:
الإسلام نظام إلهي متميز، أنزله الله للناس كافة، وضمنه أحكاماً تنظم حياتهم جميعها، ومنه النظام الاقتصادي الذي يتميز بالخصائص التالية:
•1- شموليته واتساع أدلته لمعالجة وحل جميع المشكلات الاقتصادية التي تواجه الإنسان في حياته إلى يوم القيامة، فيما يتعلق بالمال من حيث تملكه والتصرف به وتوزيعه.
•2- راعى النظام الاقتصادي في الإسلام الفروق الفردية بين الناس، فأباح لهم التنافس المشروع في امتلاك المال، كل حسب قدرته وطموحاته، ثم بين واجبات الأغنياء، وحقوق الفقراء.
•3- راعى هذا النظام أيضاً الفروق بين طبيعة الأشياء التي تملك فجعل بعضها ملكية فردية وبعضها ملكية عامة، وبعضها ملكية للدولة، ووضع حدوداً واضحة لكل ملكية.
•4- يحافظ النظام الاقتصادي على التوازن المادي بين أفراد المجتمع، ويرفع من مستوى العيش للرعية، فالدولة الإسلامية تتكفل برعاية من لا مال له ولا عمل ولا معيل، قال عليه السلام: «من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاًّ فإلينا» والكل الضعيف والفقير المعدم.
•5- يمنع النظام الاقتصادي الإسلامي استغلال واستثمار الأموال الأجنبية في الدولة كما يمنع منح الامتيازات لأي أجنبي، وذلك كي لا يكون للأجانب نفوذ في بلاد المسلمين، قال تعالى: {….وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }النساء141 .
•6- تؤمن الدولة في الإسلام الحاجات الضرورية لكل فرد من رعاياها، كالتطبيب، والتعليم، وكالأمن، وإن عجز الفرد تعمل الدولة على إشباع جميع الحاجات الأساسية كالسكن والمأكل والملبس لكل فردِ إشباعاً كليا، وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر ما يستطيع.
•7- الذهب والفضة هما النقدان المعتبران، فبهما حدد الإسلام نصاب الزكاة في النقود، وبهما حدد الدية النقدية، وبهما حدد المقدار الذي تقطع به يد السارق. ويمكنُ أن تستعمل الدولة الإسلامية عملة ورقية نائبة عن الذهب أو الفضة، وذلك لسهولة التداول والنقل.
بقلم الأستاذ محمد عبد الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته