مقابلة مع أبي عامر- أساس النظام الاقتصادي
في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يعيشها العالم الغربي خاصة والعالم عامة ومنه بلاد المسلمين، كان واجبا على المسلمين وهم يعتقدون بكمال رسالة الإسلام أن يعودوا إلى دينهم وشريعتهم، ويقفوا على حقيقة هذه الأزمة وحكم الإسلام فيها، وان يعرضوا الحل الشرعي لها، وليكونوا بحق حملة الهدى والنور الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة.
إن من أهم أسباب الضلال والشقاء في النظام الرأسمالي واقتصاده، هو انه خلط بين النظام الاقتصادي وعلم الاقتصاد، وجعلهما موضوعا واحدا مع أنهما قضيتان وموضوعان ومختلفان وليسا شيئا واحداً.
فمسألة توفير المال بإيجاده وتكثيره بتنميته، فان هذا يكون بالبحث عن مصادر الثروة واستخراجها وتصنيعها أو الزراعة وتنميتها بمشاريع المياه وتطوير وسائل أساليب حديثة تزيد الإنتاج وتحسنه وهذا وما هو في بابه علم عالمي لا علاقة له بوجهه النظر في الحياة والمعتقد، لا فرق فيه بين كافر ومسلم ولا بين رأسمالي واشتراكي وهو علم الاقتصاد.
لكن قضية الناس كانت دائماً في توزيع الثروة بينهم أي في النظام الاقتصادي، وذلك عندما تستأثر فئة قليلة من الناس بمعظم المال والثروة ويبقى الجميع من الناس يعيشون الحرمان سواء كان في عهد أباطرة أو قياصرة أو فراعنة أو ملوك وأمراء أو اليوم رأسمالية.
فالمال ما يحتاجه الإنسان، وكل كائن حي مخلوق في الأرض، وميسّر للوصول إليه، حتى تستمر الحياة إلى أجلها الذي أجلها الله إليه قال الله تعلى:” وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ” 10 فصلت.
لكنه الظلم الذي يحرم الناس ولا ظلم مرَّ على أهل الأرض أشد من ظلم الرأسمالية ونظامها، ومثال واحد يكفي، فهذه أفريقيا التي خلق الله سبحانه فيها الفيل والأسد يعيشان لهما من الرزق والقوت ما يكفي ثم لا يجد الطفل اليوم من البشر ما يسد رمقه! والله “إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ” 5ص.
وبناءً على ما سبق يتبين لنا أن المشكلة الاقتصادية آتية من جهة الحصول على المال والمنافع التي يحتاجها الناس، أي توزيعها بينهم وليس في إنتاجها وهذا هو أساس النظام الاقتصادي الصحيح، وليس كما يصور النظام الرأسمالي في أن المشكلة تكمن في قلة المنافع المتوفرة للناس مقابل حاجاتهم التي لا حدود لها، لهذا ابعدوا وضلّوا وأضلّوا عندما جعلوا القضية هي في استمرار زيادة الإنتاج وألا تتوقف هذه الزيادة وهو ما يسمونه معدل النمو الاقتصادي، ولو كانت 90% من ثروة البلد ونموه بيد 10% من السكان، فينبغي أن يبقى الجميع يلهث وهو يركض في هذه الدنيا للحصول على حاجته مع انه يزيد في ثراء الرأسماليين فقط ويبقى عامة الناس يعيشون الحرمان أو على حافته. وهذا هو حال أمريكا وأوروبا، وباقي العالم الفقير اشد وانكي.
إن الإنسان كائن اجتماعي خلقه الله سبحانه يعيش في جماعة يتبادل معهم مصالحه ومنافعه وأسباب عيشه، فتبادل المنافع أساس العيش، فما هي المنفعة؟ وكيف يتم الحصول عليها؟ وكيف يتم التصرف بها؟
المنفعة هي صلاحية الشيء لإشباع حاجة الإنسان، فهي تتكون من أمرين أولا حاجة الإنسان وثانيا ما في الشيء وصلاحيته لإشباع حاجة الإنسان. وهذا ظاهر في الطعام والشراب واللباس والمسكن والدواء والسلاح والزينة فكلها منافع للناس. وهذه المنافع إما آتية من المال الذي خلقه الله سبحانه للناس، كالحيوان والطير وصيد البر والبحر والمعادن والحجارة، وإما ناشئة عن جهد الإنسان كعمل العامل وخدمة الطبيب والمعلم، وإما أن تكون المنفعة ناشئة عنها معا، المال وجهد الإنسان كالسيارة والبناء والثوب. وجهد الإنسان يشمل الجهد الجسمي أو العضلي، والجهد العقلي أو الفكري، وان كان كل واحد منها لا يخلو من الآخر. ومثل الأول العمال والفرحين والحملين، وان كان كل هذا لا يخلو من تدبير وتفكير، لكن الأبرز هو الجهد الجسمي والعضلي. ومثل الثاني المهندسون والأطباء والمعلمون، وان كان كل هذا لا يخلو من جهد جسمي لكن الأبرز هو الجهد الفكري والعقلي.
وأما المال فهو كل ما يتموّل للانتفاع به، وليس كما يظن العامة انه فقط النقد، فالطعام مال واللباس مال والأرض مال والبيت مال والآلة مال وهكذا. وأما الانتفاع بالمال فهو يكون إما بالاستهلاك كالرغيف وإما بالانتفاع مع بقاء العين كالثلاجة. وأما الحصول على المال فيكون بالشراء أو الإجارة أو الإعارة. وعلى هذا يكون جهد الإنسان أداة للحصول على المال سواء كان الحصول على عينه لاستهلاكها كالقمح والسكر أو للحصول على منفعته كالأرض والبيت. فيكون جهد الإنسان والمال هما الأداة التي تستخدم لإشباع حاجات الإنسان وهما يشكلان الثروة التي يسعى الإنسان للحصول عليها ليحوزها، فالثروة هي مجموع المال والجهد. وبهذا يظهر أن كل مجتمع يملك ثروة، لتوفرها في كل مجتمع بشري مهما قل حظه من العلم والتمدن. فالمال والخيرات أودعها الله سبحانه في كل الأرض وما من بلاد إلا وفيها ثروات مع تنوع بينها وتفاوت. فبلاد تتوافر فيها الأراضي الخصبة والأنهار والإمطار، وبلاد فيها المعادن وثروات باطن الأرض، وهكذا ثم تأتي طاقات الناس وعملهم للانتفاع بهذه الثروات وتنميتها وتطويرها مع تفاوت بينهم في العلم.
بناء على هذه الحقائق تكون المشكلة الاقتصادية إنما هي في حيازة الثروة وليس في إيجادها كما يصور النظام الرأسمالي القضية، وهي تأتي من النظرة إلى الملكية سواء في الانتفاع أو التنمية أو المبادلة وما يتعلق بكل ذلك من أحكام ثم الأحكام التي تكفل توزيع الثروة بين الناس مثل أحكام الاحتكار والامتيازات وكنز الذهب والفضة والميراث وإعطاء المال من الدولة إلى الناس. وعلى هذا تكون القواعد التي يبنى عليها النظام الاقتصادي ثلاثة:
الملكية ثم التصرف في الملكية وأخيرا توزيع الثروة بين الناس. لقد فصل الإسلام كل هذه الأحكام بنظام رباني حقق السعادة للبشر قرونا طويلة في عهود دولة الإسلام واليوم ما أحوج المسلمين والعالم اجمع لهذا النظام تضعه دولة الخلافة الراشدة موضع التطبيق، فتخرج البشر من أزمتها وضنك عيشها في طل الرأسمالية الفاشلة، اللهم اجعل هذا قريبا.