أين يتوقع أن تكون الخلافة الثانية على منهاج النبوة؟- بقلم الأستاذ الداعي إلى الله
المكان الذي تقوم فيه الدولة الإسلامية لا يخضع للتحليل العقلي, بل هو مما استأثر الله سبحانه وتعالى به في علم الغيب.
والدولة الإسلامية أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة, ونحن بانتظار قيامها المرة الثانية والأخيرة.
ففي المرة الأولى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم مكان قيامها حتى أراه الله ذلك في المنام. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين ) وهما الحرتان, أو الهجرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة ).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هذه الرؤيا لا يدري أين تكون الدولة, بل كان يبحث عن المنعة في قبائل العرب, فمرة يعرض نفسه على دوس في اليمن, ومرة على بني شيبان بن ثعلبه مما يلي فارس, ومرة على بني عامر في نجد, ومرة على ثقيف في الطائف, وهذا معروف من سيرته صلى الله عليه وسلم ولا حاجة للتطويل فيه.
أما الخلافة الثانية فهي كالدولة الأولى تماما لا يعلم مكانها إلا الله, إذ ليس أحد أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم, فإن كان الله قد أوحى إلى نبيه شيئا بهذا الشأن عملنا بموجبه.
والمتتبع لأخباره صلى الله عليه وسلم يجد أن الخلافة على منهاج النبوة الثانية تكون بالشام والأدلة على ذلك :
ابن حبان في صحيحه عن النواس بن سمعان قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: … وعقر دار المؤمنين الشام). وعقر الدار أصلها, وعقر دار المؤمنين الأولى كانت يثرب, فاقتضى صدق المخبر أن يكون الكلام عن عقر الدار الثاني.
أحمد بإسناد صححه الزين عن سلمة بن نفيل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( …ألا إن عقر دار المؤمنين الشام).
الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي عن عبد الله بن مسعود موقوفا (…تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق: فرقة تتبعه, وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام…), أي تكون لهم جماعة على إمام. ومثل هذا الحديث له حكم المرفوع لأنه إخبار عن مغيب وليس رأيا لابن مسعود رضي الله عنه.
أحمد وصححه أحمد شاكر وقال الهيثمي شهر ثقة وفية كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أبو داوود والطيالسي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنها ستكون هجرة بعد هجرة, ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم). ومهاجر إبراهيم عليه السلام هو الشام, وهذا يعني أن الشام هي دار الهجرة الثانية كما كانت المدينة المنورة دار الهجرة الأولى.
أحمد وصححه الزين وأبو داود وصححه الألباني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن عبد الله ابن حوالة الأزدي قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المدينة على أقدامنا لنغنم فرجعنا ولم نغنم شيئا وعرف الجهد في وجوهنا فقام فينا فقال: اللهم لا تكلهم إلي فاضعف ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم ثم قال: ليفتحن لكم الشام والروم وفارس أو الروم وفارس حتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا ومن البقر كذا وكذا ومن الغنم حتى يعطى أحدهم مائة دينار فيسخطها ثم وضع يده على رأسي أو هامتي فقال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك. وقد نزلت الخلافة الأرض المقدسة زمن الراشدين ولم تكن آنذاك زلازل ولا بلايا ولا أمور عظام, فاقتضى صدق المخبر أن يكون الخبر عن نزول ثان. ويؤيد هذا أن هذا النزول يكون من علامات الساعة الكبرى, لأنه أقرب إليها من يده صلى الله عليه وسلم إلى رأس ابن حوالة وكانت يده الشريفة صلى الله عليه وسلم على رأسه.
أحمد وصححه الزين وأبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والمنذري والألباني عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( فسطاط المسلمين يوم الملحمة الغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق) هذه رواية أحمد ورواية أبي داود: ( أن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام ). وفسطاط المسلمين يعني جماعة المسلمين, والجماعة لا تكون إلاَّ على إمام دار العدل, أعني جماعة المسلمين.
قال الثعالبي في فقه اللغة: ” ومنه الحديث عليكم بالجماعة فإن يد الله على الفسطاط ”
فالجماعة تكون بالغوطة, والغوطة بالشام, وذلك أيام الملحمة مع الروم .
أحمد وصححه الحافظ عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به, فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام, ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام .
الحاكم وصححه الألباني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت كأن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام, ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ) قاله الحافظ في الفتح. وفي رواية : ” فإذا وقعت الفتن فالأمن بالشام “
قال الحافظ في الفتح, وأخرج الطبراني أيضاً بسند حسن عن عبد الله بن حوَّالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لواء تحمله الملائكة, فقلت ما تحملون ؟ قالوا عمود الكتاب أمرنا أن نضعه بالشام. قال وبينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي, فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض, فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع حتى وضع بالشام ” الحديث صححه الألباني .
هذه ثلاثة أحاديث عن ثلاثة من الصحابة أن عمود الكتاب وضع بالشام كما في رؤيته صلى الله عليه وسلم. وتفسير العمود هو الدين والسلطان.قال الحافظ في الفتح: العلماء بالتعبير قالوا : من رأى في منامه عموداً فإنه يعبر بالدين, أو برجل يعتمد عليه فيه, وفسروا العمود بالدين والسلطان. وقد انتقل سلطان الإسلام بعد وقوع الفتن إلى الشام في عام الجماعة. ولفظ الفتن عام فيمكن أن يقال إن سلطان الإسلام سيوضع بالشام بعد الفتن التي نحن فيها, فليس خاصاً بالجَمل وصفين, بل يعم ما نحن فيه من فتن, خاصة وأن هناك رواية تقول: فالأمن بالشام ” وأيام الجماعة وقبلها كانت أقطار كثيرة يأمن فيها المسلم .
أما اليوم فلا يجد المسلم مكاناً يأمن فيه, فالناس بذي بليَّان كما ورد في حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه, وأيضاً فإن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن حوَّالة: ” فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض ” ينطبق على أوضاعنا اليوم أكثر من انطباقه على أيام الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين .
وكون عقر دار الإسلام الثانية الشام لا يتعارض مع حديث الرايات السود التي تأتي من المشرق والتي فيها خليفة الله المهدي, وذلك لأنه لا يوجد في الرواية ما يدل على أنه أول خلفاء آخر الزمان, بل على العكس فيه ما يدل على أن المقتتلين على الكنز كلهم ابن خليفة .
وبهذا يثبت أن الخلافة الثانية على منهاج النبوة كائنة بالشام, فإن معنى كونها قائمة بالشام مروي عن سبعة من الصحابة كما مر.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته