دول الكفر تجهز على مبدئها بيدها – الأستاذ خليل حرب- أبي إياس
إن الاتصال بالعالم اتصالاً واعياً لإدراك ما فيه من أفكار ومفاهيم وقناعات، هو وحده الذي يجعل العقيدة التي تحملها الكتلة، والأفكار التي ترنو إلى تطبيقها، والمفاهيم والقناعات التي يحملها أفرادها، هي أفكار الأمة ومفاهيمها، تدافع عنها وتلوذ بها، وتسعى إلى إيجادها في واقع الحياة، ومن أجل أن تقوم الكتلة أو الحزب بنقل الفكرة من التدريس إلى التطبيق، ومن فكرة تعطى في حلقة إلى ممارسة عملية وأنظمة تنفذ، كان لا بد لها من دراسة أحوال العالم، وما فيه، دراسة متأنية واعية، تدرس مشاكله، وتدرس أحوال الدول وعادات الشعوب، وتتابع الموقف الدولي بدقة حتى تقف على أحوال الدول وإلى أين وصلت؟ وهل ما زال الموقف الدولي على حالة أم أنه تغير؟ وهل الصراع بين الدول صاحبة الموقف الدولي، والمؤثرة فيه، صراع مبدئي أم صراع مصلحي؟ وبالتالي هل هو صراع قد يصل ببعضها إلى إفناء البعض الآخر؟ أم أن مشاكلها سرعان ما تحل باقتسام المصالح وتشاطر الثروات وتبادل المنافع؟ كل هذا وغيره هو الذي يجعل من الحزب قائداً طبيعياً للأمة يقودها فتسير معه عن رضا واطمئنان، بحيث تؤول القيادة إليه, ما يؤدي إلى حل أو شل كل القيادات الأخرى حتى يكون بالتالي منفرداً بقيادة الأمة.
إن كل دولة تتبع عقيدة معينة، صحيحة كانت أم باطلة، لا بد أن تضع خطة لنشر مبدئها وعقيدتها، وأن تضع من الأساليب والوسائل ما يعينها في جعل أفكارها سلوكاً في واقع الحياة بحيث تجعل أفكارها هي المقياسُ الذي يُرجع إليه في السلوك، فَتُقًدِّر الانضباط العام في السلوك بحسب ممارسة الفرد لتلك القناعات عملياً، والدولة بالتالي تقوم بمنع أي مبدأ مخالف يخالف مبدأ الدولة أو عقيدتها. والعقيدة التي تحاول فرضها وفرض ما ينبثق عنها على السلوك العام، هي عقيدتها بالضرورة فالدولة صاحبة السلطان، هي من يفرض السلوك وتكون عقيدتها هي محل التطبيق والتنفيذ والقناعات، وبقدر القناعة في تلك الفكرة أو هاتيك العقيدة، يكون التطبيق والتنفيذ من الناس، فدولة الخلافة يوم أن كانت تحمل الإسلام عقيدة ونظام حياة كانت عقيدتها هي القَيِّمَة على سائر العقائد وكانت أفكارها هي القاضية على كل الأفكار والمهيمنة عليها، بحيث لا يسمح لأي فرد أو جماعة، أن تجعل من أفكارها وقناعتها المخالفة للإسلام محلاً للحديث والنقاش، ولو طرحاً في كتاب أو نقاشاً في فضائية أو حديثاً في إذاعة أو غير ذلك،
ولذلك كان من الطبيعي، أن يحصل اقتتال بين المسلمين وبين غيرهم، وكان من الطبيعي أيضاً أن تكون علة القتال هي الكفر حتى يخضع الكفار لأحكام الإسلام ونظام الإسلام قال تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة29، وقال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداًَ رسول الله، فإن قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها». لذلك فإن جهاد الدولة دائم، والقعود عنه حالة استثنائية، فهو حرب على من يقف في وجه الدعوة الإسلامية، سواءً أكان معتدياً أم غير معتد، وبعبارة أخرى فهو إزالة كل حاجز يقف في وجه دعوة الإسلام، فإن المسلمين حين أعدوا العدة لفتح فارس والروم، ومصر وشمال إفريقيا، والأندلس وغيرها، إنما فتحوها لأن الدعوة تقتضي الجهاد لنشرها في هذه البلاد، فالحديث عن الجهاد من أنه حرب دفاعية هو خطأ يقيناً، لأنه يخالف وبكل بساطة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم من بعده في حمل الدعوة ونشر الإسلام، ثم إن الغرب الكافر الذي جعل من هذه النقطة مثلبةً في الإسلام، وجعل علماء المسلمين ينشغلون في الرد عليه، هو نفسه يقوم بعين العمل الذي قام به المسلمون من قبل مع الفارق العظيم، هو أن نشر الإسلام رحمة للعالمين، به يرفع الظلم ويقام العدل وبغيره يوضع، وليس له أي هدف إلا هداية الناس ورِفعة شأنهم، بينما الغرب الكافر جاء لهدم كل هذا والإجهاز عليه، ونشر عقيدته السقيمة ومفاهيمه الساقطة عن الحياة التي تترفع عنها البهائم، وكما يقال واقع الحال يغني عن المقال، فعقيدة كهذه قد تصلح لأن تنظم شؤون الحيوانات في الغاب، سيما أنه لم يبق منها إلا الحرية الجنسية بعد أن أجهزوا على عقيدتهم بأيديهم.
عندما أدرك الغرب الكافر وأمريكا بخاصة أن الأمة الإسلامية لن تلبث إلا يسيراً حتى تعود لقيادة العالم وتسيير شؤونه ولا عجب والله عز وجل يقول: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً }مريم63
أقول بعد أن أدرك الغرب الكافر وأمريكا من خلفه ذلك، جاءوا بجيوشهم وترسانتهم العسكرية، علهم يعملوا على تأخير إقامة الدولة أو الحيلولة دون إقامتها-إن أمكنهم ذلك، وجمعوا إلى جانب حربهم العسكرية أساليب قد تكون أخبث وأقذر من الحرب، وقد عاونهم في ذلك ناسٌ من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، لذلك كان من الضروري الحديث عن ابرز أساليبهم ومخططاتهم علنا نتقي شرها وشرهم وأليكم أبرزها:
أولاً: الطعن في القطعيات والثوابت في ديننا حتى لا يبقى عند الأمة من الثوابت شيء وهذا الأسلوب لا يمكن أن يتم لها -لتقديرها- إلا عن طريق من يتسمون بعلماء المسلمين الذين باعوا دينهم وأمتهم بعرض من الدنيا زائل، فهؤلاء لا ضير عندهم في أن يكونوا مطايا للإجهاز على عقيدة الأمة ومبدئها، فمن قائل بأن الربا في بلاد الكفر جائز، ضارباً عرض الحائط بالآيات القطعية الدلالة والثبوت التي تحرم الربا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }البقرة278. ومن قائل بأن زواج المسلمة من كتابي ليس حراماً، وليس هناك من دليل يحرمه ضارباً عرض الحائط بقوله الله تعالى: {….فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ…}الممتحنة10، وغير ذلك من الآراء التي تجيز قتال المسلم إلى جانب الكافر ضد المسلم، ومن طاعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم ليسوا كلهم عدولاً، وغير ذلك الكثير الكثير، وكأن لسان حال هؤلاء يقول إننا نحن علماء المسلمين، فخذوا الدين عنا، ونحن نعتذر لكم، عن أي شيء جاء من ربنا وقرآننا {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) } مريم، وقد يقول قائل: إن بعض هذه الآراء قد جاء بها من لا تشك في دينه وتقواه من السابقين، فكيف والأمر كذلك تقول أنها ليست بالآراء المعتبرة، والأقوال السديدة، وقد خرج بعضها من جهابذة الدين وعلمائه، فأقول بأن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، ومن أراد أن يتتبع زلات العلماء وهنّاتهم، ويجمعها في كتاب، لجمع فقها لا يمت إلى الإسلام بصلة، ولا إلى العقيدة باتصال، والعزاء في ذلك بأنه تعالى يأبى أن يكون أي كتاب خاليا من الزلل والأخطاء، إلا كتابه جل جلاله، ثم إنه نقل عن العلماء جميعهم بآثار صحيحة، أنهم كانوا يقولون (بأن ما وافق الكتاب والسنة من أقوالنا فخذوه وما خالفهما فاضربوا به عرض الحائط) لا كما يقول بعض أدعياء الإسلام في هذا الزمن (أضربوا بالقرآن عرض الحائط إن خالف آراؤنا) فكيف وهذا حالهم نجعل أقوالهم التي لا محل للاجتهاد فيها مصدراً للتشريع، وحكما شرعياً يعدل حكم الله وشرعه بل ويفوقه. كم من كتب تم تسويقها وانتشرت بين كثير من شرائح القراء وهي لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه، تصب في هذا الأمر وتدعمه، وهو ضرب كل نصٍ قطعي من قطعيات الكتاب والسنة، من ضمنها كتاب اسمه (جناية الشافعي على الأمة) آخر (جناية البخاري على الأمة) وثالث اسمه (جناية سيبويه على الأمة) ولعمري كأن الكاتب يريد أن يقول لنا يجب عليكم أيها المسلمون أن تعيدوا النظر في كل ما تظنون أنه من الثوابت.
ثانياً: بعد أن أدركت أمريكا ودول الكفر أن المسلمين بدأوا يعودون إلى أسباب عزهم ومجدهم، وبدأت أبصارهم ترنوا إلى الإسلام نظام حكم ومنهاج حياة، وأنه لا مخلص لهم مما هم فيه إلا إعادة الخلافة، وتحكيم شرع الله، أقول بعد إدراك الكفار ذلك، وخشية أن يكون عود المسلمين إلى الإسلام عوداًَ صحيحا لجأوا كعادتهم إلى أسلوب خبيث، عاونهم فيه مطاياهم من حكام بلاد المسلمين المأجورين، والحركات والأفراد المحسوبين على الإسلام.
نعم أيها الأخوة فإن دول الكفر، وبخاصة أمريكا لن تدخر جهداً في صرف المسلمين عن قضيتهم المصيرية التي فيها حياتهم ودونها هلاكهم، وهي إقامة الخلافة، وتحكيم شرع الله، ولذلك فهي تسارع إلى الاتصال بكل من تظن فيه إجابة طلبها والسير في ركابها من أفراد وحركات علها بذلك تختصر على نفسها الجهد والوقت والمال وليس ببعيد عنا ما تم لها في مصر والسودان وفلسطين وتركيا وغيرها حيث قامت بدعم كل من علمت أنه يفيدها في تحقيق أهدافها ومن أجل أن يكون فوز تلك الحركات الثقافية على الإسلام الصحيح ومن أجل أن يعطي أي حل وأي تنازل صبغة إسلامية.
ثالثا: أما الأسلوب الثالث فهو التقريب بين الكفر والإيمان، والحق والباطل وبين الخطأ والصواب تحت عناوين كثير كان أبرزها الوسطية، وحوار الأديان، وحوار الحضارات، وكالعادة وجدوا بين من يتسمون بالعلماء من يعينهم في ذلك مستدلاً بالآيات والأحاديث التي انتزعها من سياقها ولوى أعناق نصوصها حتى تخدم قوله وتدعم حجته من مثل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً … }البقرة143، مستدلاً بها على أن الإسلام دين وسطي، ولو أكمل هذا المخادع الجاهل الآية لعلم أنه جمع إلى جهله جهلاً فكان جهله بذلك مركبا، فالآية تقول لتكونوا شهداء على الناس أي قاضون على فكرهم وقيمون عليه، ثم إن التقريب بين الأفكار هو فكرة خيالية، فالمسألة إما حق أو باطل، إما ضلال وإما امتثال، وإن كانت الوسطية متصورة في الماديات فإنها غير متصورة في الأفكار والعقائد.
أيها الأخوة: إن ما أعلنه الكفار وما زالوا عن أنَّ هذه الحرب هي حرب صليبية، لتدل دلالة لا مرية فيها، ولا شك من أن هذه الحرب على الأمة هي حرب على عقيدتها قبل أن تكون حرباً على أفرادها، وكل هذه الأساليب والوسائل من أجل أن يردوا المسلمين عن دينهم ويفتنونهم عن عقيدتهم ومبدئهم {…وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ..} البقرة217، ولأنهم قطعاً لن يستطيعوا رد هذه الأمة عن دينها، وكيف يستطيعون والله عز وجل يقول: {…الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ….} المائدة3، أقول لأنهم فقدوا الأمل في رد هذه الأمة عن دينها وصرفها عن قضيتها المصيرية لجأوا إلى تلك الأساليب الهابطة والوسائل المكشوفة، ولكن الله متم نوره قريباً إن شاء الله وعندها سيعرف الكفارُ أي منقلب ينقلبون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خليل حرب – أبي إياس