سلسلة قل كلمتك وامش — ذكرى هدم الخلافة – الاستاذ أبي محمد الأمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
دور اليهود
إن من طبيعة اليهود الغدر ونكران الجميل، وكما أن من طبعهم الخسة والوضاعة وعدم الوفاء، فإنهم كلما عاهدوا عهدا نقضوه، ولا يسيرون باستقامة وحسن سلوك وأخلاقه وإنما الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت وضيعة ولذا تراهم يستغلون كل ما تصل إليه أيديهم من أساليب ووسائل للوصول إلى أغراضهم مهما كانت دنيئة، فهم لا يتورعون عن استغلال كل شيء حتى العرض عندهم يصبح رخيصاً لتحقيق أهدافهم.
بالأمس القريب أذاعت القناة العاشرة في التلفزيون اليهودي برنامجاً يسيء إلى رسول الله السيد المسيح عليه السلام، السيد المسيح الذي يؤمن به نصارى أوروبا وأمريكا كرسول بل وأكثر من رسول فإنهم يؤمنون به كإلاه، هؤلاء النصارى الذي ساعدوا اليهود على إقامة دولتهم المسخ في فلسطين أرض الرباط، ومنذ ذلك التاريخ وهم يمدونهم بالمال والسلاح ويدعمونهم في المحافل الدولية ويقفون بجانبهم في كل أمورهم واليهود يعلمون علم اليقين أنهم بدون نصارى أوروبا وأمريكا لا يستطيعون شيئ ولا يمكنهم الصمود أمام أية هزة تنزل بهم. وإنهم لولا النصارى ما استطاعوا دخول فلسطين وطرد أهلها منها وجعلهم لاجئين في مختلف بقاع الأرض. ومع كل ما قدم النصارى لليهود فإنهم لقوا جزاءهم إساءة لرسولهم بل الإله الذي يؤمنون به، وهذا هو ديدن اليهود.
وقبل الأمس القريب قام نصارى الأندلس بطرد المسلمين منها وكذلك قاموا بطرد اليهود الذي يعتبرونهم أعداء لصلبهم السيد المسيح حسب اعتقادهم الخاطئ، لم يجد اليهود مكاناً يذهبون إليه إلا بلاد المسلمين في شمال إفريقيا ومن ثم إلى بلاد الأناضول دار الخلافة الإسلامية التي احتضنتهم وساعدتهم وهيأت لهم سبل العيش الكريم بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، فلم يشعروا بالغربة ولم يحسوا بتفرقة بينهم وبين المسلمين من أهل البلاد وما ذلك إلا لأن الإسلام يأمر بالإحسان لأهل الذمة، ويأمر باعتبارهم يحملون تابعية الدولة كباقي السكان وأن لهم ما للمسلمين من أنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف.
لم يحفظ اليهود الجميل للدولة العثمانية التي استقبلتهم أحسن استقبال وأكرمتهم وأحسنت وفادتهم وإنما قابلوا هذا الجميل بالنكران والغدر والتآمر على الدولة التي احتضنتهم بعد أن طردهم نصارى الأندلس شر طردة، تجمعوا في سالونيك وسموا أنفسهم يهود الدونمة، أعلن أكثرهم الإسلام نفاقاً وأبطنوا يهودتيهم الحاقدة على ما هو غير يهودي من بني البشر، وتحت هذا الغطاء الخادع قام اليهود بالتآمر على الدولة العثمانية من الداخل لإضعافها وإسقاطها، وقد أتخذ هذا التآمر أشكالاً عدة وطرقاً مختلفة سلكها اليهود لإسقاط دولة الخلافة.
إن أول ما استغلهم اليهود في تآمرهم هم يهود الدونمة الذين أواهم المسلمون وتجمعوا في سالونيك، وهنا في سالونيك أظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية الحاقدة وصاروا يتآمرون على الدولة لإسقاطها. هذا وقد وصل بعض رجالات يهود الدونمة إلى أعلى المناصب في الدولة مثل مدحت باشا اليهودي الماكر الذي تمكن من أن يكون صدراً أعظم في الدولة ومن بعده جاء مصطفى كمال وغيره من الرجالات الذين قضوا على الدولة وألغوا الخلافة.
وقد استطاع اليهود إيجاد عدة جمعيات سرية في الدولة كالماسونية التي جندت قواها ورجالاتها لهدم الخلافة وقام المحفل الماسوني بنشر الدعايات المعرضة والكاذبة ضد سلاطين آل عثمان وخصوصاً عدوهم اللدود السلطان عبد الحميد الثاني، ولم يترك الماسون ورجالاتهم عيباً من عيوب الحكم إلا وألصقته بالسلطان عبد الحميد الثاني حتى سماه رجالهم بالسلطان الأحمر فأصبح رمزاً للظلم والطغيان والاستبداد وكذلك نجح يهود الدونمة في إيجاد جمعية تركيا الفتاة والتي كان اليهودي مدحت باشا أول مؤسسيها، ثم جمعية الاتحاد والترقي هذه الجمعية أعني الاتحاد والترقي هي التي استعملها اليهود في الانقلاب على السلطان عبد الحميد رحمه الله تعالى.
كذلك أشعل اليهود ما يسمى بالقومية العربية لدق إسفين الفرقة وفصم عرى الوحدة بين العرب والترك وقد أسهمت هذه الحركة القومية في القضاء على الخلافة ولقد كان أكثر مفكري العرب الداعين للقومية هم من النصارى الذين لم يروا إلا فساد الخلافة فأبرزوا المساوئ في كتاباتهم وأشعارهم فهذا إبراهيم اليازجي شاعر القومية العربية يقول:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب
كم تظلمون ولستم تشتكون وكم
أقداركم في عيون الترك نازلة
فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
تستغضبون فلا يبدو لكم غضب
وحقكم بين أيدي الترك مغتصب
لكن هذه الدعوة إلى القومية لم تنطل على كثير من المفكرين العرب، إذ أدركوا أن هذه الدعوة إلى القومية العربية وكذلك دعوة الإتحاد والترقي إلى الطورانية إنما هي دعاوى فتنة بين المسلمين ودعوة لإيجاد العداوة والبغضاء بين شعوب دولة الخلافة.
كما وإن اليهود استطاعوا استغلال الدول النصرانية وعلى رأسها بريطانيا رأس الكفر للعمل ضد الدولة العثمانية ووضع الخطط السرية والعلنية لهدم الخلافة حتى استطاعت بريطانيا بمكرها ودهائها أن توصل مصطفى كمال اليهودي الماسوني إلى أعلى المانصب وسط شعبية عارمة مفتعلة، فقام بالمهمة التي أوكلت إليه وألغى الخلافة وقضى على السلطنة التي كانت تجمع المسلمين، وهذا وقد رثى الشاعر الخلافة بقصيدة رائعة نذكر منها.
عادت أغاني العرس رجع نواح
كفنت في ليل الزفاف بثوبه
ضجت عليك مآذن ومنابر
الهند والهة ومصر حزينة
والشام تسأل والعراق وفارس
بكت الصلاة وتلك فتنة عابث
أفتى خزعبلة وقال ضلالة
ولتسمعن بكل أرض داعياً
ولتشهدن في كل أرض فتنة
ونعيت بين معالم الأفراح
ودفنت عند تبلج الإصباح
وبكت عليك ممالك ونواح
تبكي عليك بمدمع سحاح
أمحا من الأرض الخلافة ماح
بالشرع عربيد القضاء وقاح
وأتى بكفر في البلاد بواح
يدعو إلى الكذاب أو لسجاح
فيها يباع الدين بيع سماح
والآن وبعد هذا الوقت الطويل الذي مضى على إلغاء الخلافة ودور اليهود المجرمين المباشر في إلغائها يعود المسلمين إلى أن يتشوقوا للعيش في ظلها فإنها أمهم الرؤوم التي تحنوا عليهم وتحميهم من الأعداء وتأخذ بيدهم إلى العزة وإلى اقتعاد ذرى المجد، هذا وقد أطل زمانها وما هي من المسلمين ببعيد وقريباً سيتحقق وعد الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة الكريمة بقوله تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } سائلين الله القادر أن يعزنا بالإسلام وأن يعز الإسلام بنا وأن يوفق العاملين لإيجاد دولة الخلافة وأن يهيئ لهم على الحق أنصاراً إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم أبو محمد الأمين