الضرائب- الأستاذ عبد الرحمن المقدسي
فطر الله الإنسان وأودع في فطرته حبه للمال، وسعيه بقوة لتحصيله، وحرصه الشديد على تنميته وزيادته، فالمال يأخذ حيزا كبيرا من التفكير في حياة الإنسان. ويصيبه القلق إذا ما تأخر عنه المال أو لم يكفه لقضاء حاجاته ومصالحه . ولما كان هذا هو حال الإنسان في حبه للمال وتعلقه به ولما كان الإنسان مخلوقا في هذه الحياة لعبادة الله عز وجل كان لا بد له من نظام يجلب له الهناء والسعادة في الدنيا والآخرة. وخاصة في ما يتعلق بحبه للمال وكسبه وإنفاقه على وجه يضمن له قضاء مصالحه ، وسد جوعاته ورغباته دون إفراط أو تفريط ، دون قضاء حاجة على حساب أخرى ، وهذا النظام بالطبع لا بد أن يكون من عند العزيز الحكيم سبحانه جلت وعظمت قدرته ، الذي ضمن للإنسان به قضاء جميع حاجاته في كافة مجالات حياته وضمن له به تنمية ملكه والسعي لتحقيق كماليات حياته ، وضمن له به حدّه وحدوده في سعيه لكسب ماله وإنمائه وإنفاقه على وجه يتبادل الناس فيه مصالحهم بحيث لا يؤثر على مصالح الآخرين بالسلب بل بالإيجاب والنفع المتبادل بينهم .
وفي هذا المجال نتناول جانبا من هذا النظام في ما يتعلق بالضرائب في نظر الإسلام بعد إلقاء الضوء على نظام الضرائب المطبق في بلاد المسلمين والذي اكتوت بناره الأمة الإسلامية وما زالت ، والذي جعل الحياة ضنكا لا يطاق ، وحرمانا ليس له مثيل.
فقد عرت الضريبة بأنها ” فريضة نقدية يتحملها المكلفون بصفة نهائية وبدون مقابل كأداة مالية تلجا إليها الدولة من اجل تحقيق أهدافها.” ” ” فريضة نقدية يلتزم الفرد بأدائها إلى الدولة وفقاً لقواعد تشريعية وبصفة نهائية لغرض تغطية النفقات العامة وبدون مقابل “. ” هي الأموال التي أوجبها الله على المسلمين، للقيام بالإنفاق على الحاجات والجهات المفروضة عليهم، وفي حال عدم وجود مال في بيت المسلمين، للإنفاق عليها “.
إن نظام الضرائب هذا قد جلب الفقر والجوع والبطالة والتدهور الاقتصادي، فضريبة المبيعات مثلا ستدفع إلى رفع أسعار السلع، وبالتالي إلحاق الضرر على المستهلك ومحدودي الدخل والموظفين. والى تسريح بعض الأيدي العاملة، وتقليل أجرة العمال، والتأثير على الإنتاج كما وانتفاعا. فقد دأبت الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين والمستمدة من النظام الرأسمالي إلى فرض ضرائب في جوانب كثيرة في حياة الناس ما جعلها دول جباية لا دول رعاية . فإذا نظرت إلى نظام الضرائب فإنك تجد أنواعه الكثيرة، ونسبه العالية. فهناك ضريبة الأراضي ـ ضريبة الأرباح ـ ضريبة الرؤوس ـ الضريبة الجمركية ـ الضريبة الشخصيةـ ضريبة الدخل ـ ضريبة العائد على رأس المال ـ الضريبة العينية ـ الضرائب غير المباشرة ـ ضريبة القيمة المضافة ـ الضرائب المباشرة ـ الضرائب المتعددة ـ ضريبة المبيعات ـ ضريبة الممتلكات وغيرها من الضرائب التي تأخذ جورا وظلما من الرعية ، وملاحقة الأنظمة الجاثمة على هذه الأمة للناس في نظام الضرائب قد الحق الضرر بعامة الناس وجلب لهم الحرمان من قضاء حاجاتهم الأساسية من مأكل ومسكن وملبس، بسبب الزيادة في أسعار السلع والخدمات نتيجة لفرض ضرائب على الناس وبنسب عالية لا يطيقها صاحب السلعة ولا المصنع لها ولا المستهلك لها ، والأمر ليس مقتصرا على السلع لوحدها ، فالدولة تفرض ضرائب على مرافق متعددة من جوانب الحياة الخدماتية . فمثلا بلغ عدد الضرائب والرسوم المفروضة على الناس في الأردن ما يقارب 81 ضريبة ورسما. إن هذه الضرائب تفرض على الناس بحجة المصلحة العامة ، مع أنها في حقيقتها استجابة لتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وتحقيقا لمصالح الزمرة الحاكمة الآنية الأنانية . فتأخذ الدول بالتفنن في أخذ الأموال من الرعية ظلما وبهتانا لسد ديونها التي تقترضها من صندوق النقد الدولي وهذا المال المقترض يذهب للحاكم وزبانيته ليعاقروا الخمر وارتكاب الفاحشة ، وبناء القصور واليختات ، والرحلات الترفيه ولعب القمار وغير ذلك من الموبقات والمنكرات وحين السداد يلجأ النظام إلى تحميل الناس هذه الديون بفرض ضرائب عليهم في كافة مجال حياتهم ، حتى أصبح المسلم الذي يحكم تحت ظلمهم يكابد العيش ليحيى أي حياة تبقيه على قيد الحياة ، بل يعش الكثير من أبناء المسلمين في مأكلهم ومسكنهم وملبسهم على الديون .
فبأي حق تأخذ الدولة مالا على السلع حال استيرادها أو تصديرها ، وبأي حق تأخذ الدولة مالا على الأموال التي تنقل من المتوفى إلى ورثته أو الموصى إليهم تحت مسمى ضريبة التركات ، وبأي حق إذا ما أردت شراء سلعة من مدينة لأخرى في نفس المحافظة لا بد من توثيق شرائك بفتورة ضريبية لا بل يحصل هذا في نفس المدينة حال تبادل السلع ، حتى تستطيع الدولة اقتطاع أكبر نسبة عالية من المال من الناس ظلما وعدوانا .
إن نظاما مستمدا من الرأسمالية التي تفصل الدين عن الحياة وعن الدولة وتجعل التشريع لهذا الإنسان العاجز سيكون خطرا على عيش الناس واقتصادهم ، وسيغرق الناس بمشاكل لا نهاية لها في جميع مجال حياتهم و في مجال كسبهم وإنفاقهم ومعاشهم .
وما دام المسلمون يسكتون على تطبيق هذه الأنظمة والتي حرمتهم من أقل القليل من العيش ليحيوا مجرد حياة. فإن الأمر سيزداد سوءا على سوء ، وضيقا على ضيق ، وظلما على ظلم إلا إذا انعتق المسلمون من هذه الأنظمة الخائرة ولجأوا إلى النظام الذي نزل من فوق سبق طباق والذي يحرم أخذ الضرائب من الناس إلا في حالات الضرورة ولتحقيق المصلحة العامة . ويراعى في الإسلام في فرض الضرائب على الناس ما يلي :
- المرافق التي يضرب من أجلها الضرائب هي:
1. نفقات الجهاد
2. نفقات الصناعة الحربية
3. نفقات الفقراء والمساكين وابن السبيل
4. نفقات رواتب الجند والموظفين والقضاة والمعلمين وغيرهم
5. النفقات المستحقة على وجه المصلحة والإرفاق بالأمة
6. نفقات الحوادث الطارئة من مجاعات وزلازل وطوفان ..
- تأخذ الضرائب من الأغنياء ، فلا تأخذ من من لا يملك ما يفضل عن حاجاته الأساسية من مأكل ومسكن وملبس .
- تأخذ الضرائب بقدر معين لا يزيد عن المطلوب تحقيه فيما يتعلق برفع الضرر وتحقيق المصالح في المرافق المذكورة.
- لا يوجد ضرائب دائمة وإنما مؤقتة وفي حدود المرافق المذكورة فقط.
” … ولا يجوز للدولة أن تفرض ضرائب غير مباشرة ، كما لا يجوز أن تفرض ضرائب على شكل رسوم محاكم ، أو على الطلبات المقدّمة للدولة ، أو على معاملات بيع الراضي وتسجيلها ، أو على المسقـفات ، أو الموازين، أو غير ذلك من أنواع الضرائب غير السابقة ، لأن فرضها من الظلم المنهيّ عنه، ومن المكس الذي قال عنه رسول الله r: << لا يدخل الجنة صاحب مَكْس >> رواه أحمد والدارمي وأبو عبيد. “
وتجدر الإشارة إلى أن في دولة الخلافة بيت مال خاص في تغطية هذه المرافق وغيرها من مصالح الناس.
وإنه في ظل الواقع الذي نعيش من وجود ٍ لخبرات في باطن الأرض وظاهرها ومن وجود للتقدم العلمي القادر على الاستفادة من هذه الخيرات وفي ظل العدل الذي سيتوج على الحكم في ظل الخلافة الاسمية فإنه يمكن القول أن لا يكون هناك ضرائب تفرض على الأغنياء في المرافق الآنفة الذكر . فإذا كان على زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز مالا في بيت مال المسلمين يفيض ويجد سبيلا على الفقراء ليأخذوا منه لعدم وجود فقير على زمانه ، فكيف اليوم حيث الخيرات العميمة ، والتقدم العلمي المذهل الذي به يمكن الاستفادة من هذه الخيرات ، هذا عدا عن أن الخلافة القادمة ستكون إن شاء الله على منهاج النبوة وهذا يعني وجود العدل المنيع الذي يملأ حياة الناس بالهناء والعيش الرغيد .