Take a fresh look at your lifestyle.

  الطريق الشرعي لاستئناف الحياة الإسلامية – بقلم الأستاذ محمد عبد الله – ح5

ذكرنا في الحلقات السابقة أنه قبل معرفة الأحكام الشرعية لحمل الدعوة من أجل استئناف الحياة الإسلامية لابد من معرفة أمرين اثنين معرفة دقيقة، وهما مناط الحكم، وهو الواقع الذي نريد أن نعرف حكم الشرع فيه، ثم النصوص الشرعية المتعلقة بهذا الواقع.

الأمر الأول: مناط الحكم، وهو الحياة التي نعيشها اليوم.

الأمر الثاني: أن يكون أمان هذه الدار ومن فيها بأمان المسلمين.

 

ثم بينا الطريق الشرعي لاستئناف الحياة الإسلامية بتتبعنا لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بدراستنا لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

وقد سار عدد من الأحزاب والجماعات الإسلامية العاملة لاستئناف الحياة الإسلامية، في طرق مختلفة ومخالفة للطريق الشرعي، وذلك نتيجة لاجتهاداتهم التي توصلوا إليها، ويمكن تصنيف هذه الاجتهادات  إلى صنفين: صنف ناتج عن عدم معرفة مناط الحكم، وصنف ناتج عن عدم معرفة الحكم الشرعي المنطبق عليه.

 

أما الصنف الأول فهو الصنف الناتج عن عدم معرفة مناط الحكم معرفة صحيحة :

 

فبعض الجماعات والأحزاب الإسلامية رأت أن واقع الحياة التي نحياها، وهي مناط الحكم، حياة إسلامية، إلا أن الحكام القائمين عليها وبعض الناس قد ارتدوا عن الإسلام، وذلك بسبب حكمهم المسلمين بغير الإسلام، لذلك يجب إشهار السلاح في وجوههم ومقاتلتهم، وقتلهم إن أصروا على فعلهم، من أجل الإتيان بحكام يطبقون الإسلام، وقد استدلوا على ذلك بأدلة قتل المرتدين، وبدليل ما روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت قال: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا، أن بايعناه على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، وبما روي عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع، قالوا أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) أي ما أقاموا فيكم أحكام الإسلام، ومنها الصلاة، وهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، وبما أن حكام اليوم للمسلمين يطبقون عليهم أحكام الكفر، فمنازعتهم ومقاتلتهم واجبة، وكذلك قتلهم، إن أصروا على الكفر البواح الذي فيه من الله برهان، وانطبق عليهم قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).

 

إن الذين توصلوا إلى تلك الطريقة في التغيير، لم يدركوا الفارق بين الواقع الذي نعيشه اليوم، وبين الواقع الذي نصت عليه الأحاديث، إذ إن ما نراه اليوم كفراً بواحاً، لم يحصل في زماننا، بل وجدنا أنفسنا نعيش فيه منذ بلوغنا، فقد ولدنا في دار كفر ولا نزال، وها نحن نعيش فيها حياة غير إسلامية، ولم تتغير هذه الدار وهذه الحياة على مرآى منا، كما حصل عندما هدمت الخلافة عام 1924م، وأعلن مصطفى كمال التركي، وبقية الحكام في العالم الإسلامي، ترك الحكم بالإسلام، وتبنوا أحكام الكفر الوضعية. حينها كان من الواجب على المسلمين الذين شهدوا تلك الجريمة الشنعاء أن يحملوا السلاح في وجه من ارتكبوها، وأن يقتلوا كل من يصر على الوقوف ضد تطبيق الإسلام.

 

فالأحاديث التي استدلوا بها، تدل على أن المخاطب بحمل السلاح وقتال الحكام، هم المسلمون الذين شهدوا تغيير دار الإسلام إلى ديار كفر، لأن السلطان والقوة والأمان كانت للمسلمين وهم كانوا قد بايعوا الخلفاء والسلاطين بيعة طاعة على أن يحكموهم بالإسلام، فإن جاء حاكم آخر، ونازع هؤلاء الخلفاء، واغتصب منهم السلطة، ليحكم المسلمين بغير ما أنزل الله، عليهم أن ينابذوه ويقاتلوه حتى يرجع إلى الله، وإلا قتلوه، وبايعوا غيره ليحكمهم بما أنزل الله. لأن نص الحديث الأول ورد فيه: (إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم فيه من الله برهان) وهذا يعني أنكم لم تكونوا ترون الكفر البواح من الحاكم، فصرتم ترونه منه، فهو خطاب لمن شهد التغيير من الإسلام إلى الكفر، والحديث الذي ورد فيه (قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، ومعناه، لا تقاتلوا الحكام ما طبقوا شرع الله، فإن تركوه وطبقوا غيره فقاتلوهم لإعادة تطبيق شرع الله، فهو أيضاً خطاب لمن شهد تغير الحكام في تطبيق الإسلام.

 

وأما قتل المرتدين، حكاماً كانوا أو محكومين، فهو ليس من صلاحية الأفراد أو الأحزاب، وإنما هو من صلاحية الحاكم المسلم، فعلى الأمة أن تعمل بالطريق الشرعي لإيجاد الحاكم الذي يطبق الإسلام كله، ومنه إقامة الحدود وقتل المرتدين.

 

فالواقع الذي نعيشه اليوم والذي هو بحاجة إلى التغيير، يشبه الواقع الذي وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة منذ البعثة، فكان لا بد لحملة الدعوة من البحث عن الأدلة والأحكام الشرعية التي تنطبق على هذا الواقع الذي نعيشه، من أجل الالتزام بها في عملية التغيير.

 

ويحتج بعضهم في جواز الأعمال المادية للتغيير، بالحديث الصحيح المروي عن علي بن أبي طالب، قال: (انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول الله: اجلس، وصعد على منكبي، فذهبت لأنهض به، فرأى مني ضعفاً، فنزل، وجلس لي نبي الله وقال: اصعد على منكبي، قال: فصعدت على منكبيه، قال: فنهض بي، قال: فإنه يخيل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت، وعليه تمثال أصفر أو نحاسي، فجعلت أزاوله عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير، ثم نزلت وانطلقت أنا ورسول الله نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس) .

 

هذا الحديث الذي استدلوا به، لا يجيز الأعمال المادية في حمل الدعوة للأمور التالية:

 

  • – هو عمل فردي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قام به سراً، ولم يطلب من الصحابة أن يقوموا بمثله، بل كان حريصاً – كما قال علي بن أبي طالب – على أن لا يراه أحد من الناس.

 

  • – هذا الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم معارض لقوله لأصحابه عندما طلبوا منه مقابلة الأذى بمثله: (لم نؤمر بعد) وإن تعارض الفعل مع القول رجح القول.

 

  • – هذا الفعل كان سابقاً في الزمن لقوله في بيعة العقبة الثانية للأنصار: (لم نؤمر بعد) عندما طلبوا منه أن يميلوا على أهل منى من المشركين لقتالهم، وإن تعارض الدليلان، وعرف السابق منهما كان منسوخاً باللاحق.

 

  • – وهو أيضاً وإن كان عملاً مادياً، فإنه يشبه إلى حد ما، ما فعله إبراهيم عليه السلام في أصنام قومه، المقصود منه بيان بطلان عقيدتهم، وهي عبادة أصنام لا تستطيع دفع الأذى عن نفسها وهو عمل أقرب إلى الأعمال الفكرية منه إلى الأعمال المادية، لأنه لم يوقع الأذى الجسدي بأي من المشركين، بل يدفعهم إلى التفكير في واقع هذه الآلهة التي يعبدونها، ومدى عجزها في الدفاع عن نفسها فهي ليست أهلاً للعبادة.

 

 

وهناك صنف ثاني ممن قاموا للتغير لاستئناف الحياة الإسلامية وهو الصنف الناتج عن عدم معرفة الأحكام المتعلقة في التغير نلقي الضوء عليه في الحلقة القادمة إن شاء الله. وإلى ذلك الوقت نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

محمد حسين عبد الله