السياسة رعاية شؤون لا ضحك على الذقون
لقد أصبحت السياسة اليوم كذب ودجل وإستغلال وإحتيال ومَسرحيات، فأصبح البعض ينفر من السياسة أو يترفع عن الخوض فيها. فكان من الواجب وضع النقاط على الحروف، وتبيان مفهوم السياسة على الوجه الذي يجب أن تكون عليه.
إن السياسة لغة هي رعاية الشؤون. واستعار الإسلام هذا اللفظ بمعناه مضيفاً إليه ضوابط الرعاية ومجالها والأساس الذي نستند عليه، فأصبح المعنى الشرعي لكلمة السياسة هو رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وفقا لأحكام الإسلام، والتي تكون من قبل الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة. هذه هي السياسة التي يعرفها الإسلام، وهذه هي السياسة التي يجب أن نعرفها كمسلمين.
والسياسة ليست بدعة في الإسلام، فعقيدة المسلم عقيدة سياسية، لا كهنوتية، انبثق عنها نظام يشمل جميع نواحي الحياة من حكم وإقتصاد وعقوبات وغير ذلك. وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن الإسلام دين سياسي حين قال «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وأنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم»، وقال صلوت ربي وسلامه عليه (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والإمام راع ومسؤول عن رعيته).
والسياسة ليست واجب الحكام فقط تجاه رعيتهم، بل إن السياسة واجب الأمة أيضا؟ فالسياسة من قبل الأمة تكون بمحاسبة الدولة أو الحكام، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. وما أحوجنا اليوم إلى العمل بقول الله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزال “لا إله إلا الله” تنفع من قالها، وترد عنهم العذاب والنقمة ما لم يستخفوا بحقها، قالوا: يا رسول الله وما الاستخفاف بحقها؟ قال:«يظهر العمل بمعاصى الله، فلا ينكر ولا يغير») رواه الأصبهانى، وبقوله صلى الله عليه وسلم (كلا والله! لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو لتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم)، وبقوله صلى الله عليه وسلم «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد سلم إلا من رضي وتابع»، وبقوله صلى الله عليه وسلم (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْده ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيب لَكُمْ)، وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه).
إن واقع حكام المسلمين المخزي ظاهر للعيان في كل سكناتهم وحركاتهم. وها هو يتجدد في القمة العربية ال 21، والتي شارك فيها 17 حاكما من حكام العرب، والتي تمخضت عن “أهمية المصالحة العربية”، وعن “إعطاء دفعة جديدة للعلاقات بين الأنظمة العربية”، وعن تسوية الخلاف وإنهاء القطيعة بين القذافي “عميد الحكام العرب وملك ملوك افريقيا وامام المسلمين”، على حد زعمه، وبين عبد الله بن عبد العزيز، وتمخضت أيضا هذه القمة عن عتاب بين مصر وقطر، وعن مساندة البشير، وعن أهمية اتباع القرارات الشرعية الدولية، وعن الحوار بين الفصائل الفلسطينية، وعن السلام، وعن المقاومة، وعن وجوب توقف بعض الاطراف الاجنبية عن العبث بالبيت العربي. فبالله عليكم، هل هؤلاء الحكام حقا ساسة؟! وهل هكذا تكون السياسة؟!
صدق الشاعر حين قال فيهم:
ولو عرضت نباهتهم بفلس وربي لن تجد من يشتريها
فيا أبناء الأمة الإسلامية، أفرادا وجماعات، فلحاسب هؤلاء الحكام ولكشفهم ولنغيير عليهم ولنأخذ على أيديهم ولنعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا حيث دار، ألا إن السلطان والقرأن سيفترقان، فالزموا الكتاب). نعم، فلنلزم الكتاب، وها هو الكتاب ينطق علينا بالحق (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).