قضايا مصيرية في حياة الأمة الإسلامية – القضية السادسة – حمل رسالة الإسلام وتبليغها للناس كافة – الأستاذ أبي إبراهيم
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمـتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسـلين, وآله وصحبـه أجمعين, ومن تـبـعه وسار على دربـه, واهتـدى بهديـه, واستـن بسـنـته إلى يوم الدين, واجعـلنا معهم, واحشرنـا في زمرتـهم, برحمتـك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قـال الله تعالى في محكـم كتـابـه وهو أصدق القـائلين:
{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين }المائدة67
وقال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }الأنبياء107
إخوة الإيمان :
مـنذ فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مـن تنظيم المجتمع الإسلامي وإرساء قواعـد الوحدة والإخـاء والنـظام في مجتمع المدينـة, شرع عليه الصلاة والسلام في نشر الإسلام فيما حولها في جميع الاتـجاهات, قد سلك لتحقيق ذلك سبلا , واتـبع وسائل شتـى من أهمها:
1. إرسال الدعاة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطالب كــل مسلم بأن يكـون داعية لدينه مبلـغا لرسالة الإسلام , وكانت آيات القرآن الكريم والحديث الشريف تحثهم على الدعوة ونشر الدين كقوله تعالى:
{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } فصلت33
وكقوله تعالى: {قل هـذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }يوسف108
وكقوله عليه الصلاة والسلام:” والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النـعم “.
وكان المسلمون يتسابقون فيما بينهم لنشر الدعوة أفرادا وجماعات ويتحملون في سبيل ذلك كــل أصناف الأذى والمشقــة.
2. الجهـــــــــاد: كانت أعتى قـوة في جزيرة العرب تـقف في وجه الدعوة الإسلامية هي قـوة قـريش التي شعرت بخطر إقامة الدولة الإسلامية في المدينة تحت قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كثير من قبائل العرب وبخاصة القريبة من مكة تـمالئ قـريشا وتـسهـم في تـنفيذ مخططاتها بمحاولة القضاء على الإسلام في المدينة.
وهكذا كانت السنوات العشر التي أمضاها رسول الله في المدينة بعد هجرته إليها حافلة بالجهاد المتواصل ضد قـريش وغيرها من قوى الكــفر في جزيرة العرب وما حولها, وكثيرا ما كان رسول الله يقـود المعارك بنفسه, حتى بلغ مجموع الحملات العسكرية خلال السنوات العشر أربعا وسبعين حملة , قاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بـنـفسه منها سبعا وعشرين غزوة , وأرسل سبعا وأربعين سرية , أي أنـه كانت تخرج حمـلة عسـكرية كــل خمسين يوما طيلة السنوات العشر . هذا ومنذ بداية أيام الدعوة الإسلامية في مكة , وفي أشد الظـروف قساوة كان رسول الله موقنا بمستقبل الإسلام , وأنـه سينتشر في أرجاء الأرض .
3. استقبال الوفود: مكة هي التي رفضت محمدا صلى الله عليه وسلم ودينـه من قبل, وهي المدينة التي لم يجرؤ أحد على غزوها ولا سيما بعد ما نزل بأبرهة الأشرم الحبشي ما نزل قبل نـيـف وستين سنة من الفتح الإسلامي لها. لذا كان لخضوعها للإسلام ضجة كبرى بين العرب, وأيقنـوا أنـه لا قـبـل لأحد بالوقوف في وجه هذا الدين أو تجاهــله وعدم تأييده. ولم يكد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود من غزوة تبوك حتى شرعت وفود العرب من كــل أرجاء الجزيرة العربية, بل ومن خارجها ممن كانـوا على أطراف ممـلكتي فارس والروم , تصل إلى المدينة وتـعلن ولاءها للدولة الأسلامية بقيادة النـبي عليه السلام, فإذا عادوا إلى أقوامهم أرسـل معهم رسول الله من أصحابه من يعلمهم أمور دينهـم, ويقضي بينـهم في منازعاتهم وفق كتاب الله وسـنـة رسوله.
إخوة الإيمان : لما كانت العقيدة الإسلامية هي فقط العقيدة الصحيحة , وكان النظام المنبثق عنها هو فقط النظام الصحيح, الذي يعالج مشاكل الإنسان في الحياة علاجا صحيحا , كان لا بد من اعـتـناقها, وتطبيق النظام المنبثق عنها, داخل الدولة, وحملها عن طريق الجهاد دعوة إلى بقية الشـعوب والأمم. إن رسالـة الإسلام رسالة عالمية , فـقـد أرسـل الله سبحانه وتـعالى سيدنا محمدا بـرسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء،
قـال الله تـعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا }الفرقان1
وقـال جل من قائل: {… يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا..} الأعراف 158
وقـال أيضا : {هـذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } آل عمران138
وإن المسلمين اليوم مسئولون عن حمل رسالة الإسلام وتبليغها للنـاس كافـة, وسيكونون شهداء عليهم يوم القيامة ودليل ذلك قـولـه تـعالى:
{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة143
والأمة الوسط هي أعلى الأمم وأرقـاها وأعدلها وأكملها, وحتـى تـكـون الأمة الإسلامية شاهدة على الأمم لا بد لها من أن تـطبق الإسلام كاملا على نـفسها أولا , وتـطبـيق الإسلام لا يتـأتـى إلا بدولة.
ونتيجة لغياب الدولـة وصل حال المسلمين إلى ما وصل إليه, فالأمم الميتة تحـيا بحملها رسالة الإسلام , وتموت الأمم الحيـة بتركها لحمل رسالته, هذا المعنـى مأخوذ من قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} الأنفال24
وهو أيضا مأخوذ من قوله تعالى: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } الأنعام122
وإن نظرة واحدة للمـقارنـة بين ماضي الأمة وحاضرها تجعل المسلمين يتطلـعون إلى أيام عزهم وقـوتهم, يوم أن كانـوا حملة رسالة سماوية, وعليهم أن يتـعظـوا من وضعهم الحالي, بعد تركهم حمل رسالة الإسلام , وترك العمل به.
ونتيجة لذلك صار المسلم يولـد فلا يؤبه لـه, ويعيش فلا يعتنـى به, ويموت فلا يحزن عـليه, ويـقتــل فلا يثأر لـه, وخير شاهد على ذلك ما يجري الآن في غزة في فلسطين وأفغانستان والعراق وغـيرها من بلاد المسلمين.
وفي الختام إخوة الإيمان نسأل الله تبارك وتعالى أن يعجل بقيام دولة الخلافة التي تطبق الإسلام على المسلمين في الداخل وتحمله بالجهاد إلى العالم أجمع،
والسلام عليكـم ورحمة الله وبركاته.