مع الحديث الشريف – الإسلام والرقيق
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلَا يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ رَبِّي وَرَبَّتِي وَلْيَقُلْ الْمَالِكُ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَلْيَقُلْ الْمَمْلُوكُ سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي فَإِنَّكُمْ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود
(لَا يَقُولَن أَحَدكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي )
: لِأَنَّ حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة إِنَّمَا يَسْتَحِقّهَا اللَّه تَعَالَى فَكُلّكُمْ عَبِيد اللَّه وَكُلّ نِسَائِكُمْ إِمَاء اللَّه
(وَلَا يَقُولَن الْمَمْلُوك : رَبِّي وَرَبَّتِي )
: لِأَنَّ الرُّبُوبِيَّة إِنَّمَا حَقِيقَتهَا لِلَّهِ تَعَالَى , لِأَنَّ الرَّبّ هُوَ الْمَالِك أَوْ الْقَائِم بِالشَّيْءِ وَلَا يُوجَد حَقِيقَة هَذَا إِلَّا فِي اللَّه تَعَالَى
(وَلْيَقُلْ الْمَالِك فَتَايَ وَفَتَاتِي )
: هُمَا بِمَعْنَى الشَّابّ وَالشَّابَّة بِنَاء عَلَى الْغَالِب فِي الْخَدَم , أَوْ الْقَوِيّ وَالْقَوِيَّة وَلَوْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ
(وَلْيَقُلْ الْمَمْلُوك سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي )
: لِأَنَّ لَفْظَة السَّيِّد غَيْر مُخْتَصَّة بِاَللَّهِ تَعَالَى اِخْتِصَاص الرَّبّ وَلَا مُسْتَعْمَلَة فِيهِ كَاسْتِعْمَالِهَا حَتَّى كَرِهَ مَالِك الدُّعَاء
ِسَيِّدِي , وَلَمْ يَأْتِ تَسْمِيَته تَعَالَى بِالسَّيِّدِ فِي الْقُرْآن وَلَا فِي حَدِيث مُتَوَاتِر قَالَهُ النَّوَوِيّ
مستمعينا الكرام:
جاء الإسلام والرقيق موجود في جميع أنحاء العالم، والاسترقاق نظام شائع في جميع أنحاء الدنيا عند جميع الشعوب والأمم. وعالج الإسلام الرقيق معالجة تودي إلى تخفيف وضع الرق المضروب عليه، وتؤدي إلى عتقه جبراً واختياراً. وقد وضع أحكاماً كثيرة في هذا الشأن فصلها الفقهاء أتم تفصيل، وتتلخص هذه الأحكام في المسائل التالية:
1 – جعل الإسلام للرقيق حقوقاً، وحفظ عليه اعتبار كونه إنساناً كالحر من حيث الصفات الفطرية . وقد وصى الله تعالى في القرآن الكريم كما وصى الرسول في الحديث الشريف بالإحسان إلى الأرقاء وبحسن معاشرتهم. قال تعالى
] وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [
ومعنى:
] وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [
عبيدكم الأرقاء
وقال صلى الله عليه وسلم:
«اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يُغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم
وقد رفع الشرع منـزلة الرقيق وجعله كالحر، إذ جعل دمه معصوماً يقتل الحرّ به لأن الله تعالى يقول:
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [
. ويؤيد ذلك ما رواه ابن ماجة من طريق ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم
«المسلمون تتكافأ دماؤهم
فالحر والعبد متساويان في أن كلاً منهما معصوم الدم يحرم قتله، ويقتل قاتله أياً كان. وعلى ذلك جعل الإسلام نفس العبد الرقيق كنفس الحر سواء بسواء، ودمه كدم الحر معصوماً، قال صلى الله عليه وسلم
من قتل عبده قتلناه
2 – حث الإسلام على عتق الأرقاء. فقد جعل عتق الرقبة يساعد الإنسـان على شـكـر نعـم الله الجليلة ويعـينه على اقتحام العقبة قال تعالى:
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) [
. وكذلك حث الرسول على عتق الأرقاء قال
«أيما رجل أعتق امرأً مسلماً استنقذ الله تعالى بكل عضو منه عضواً من النار»
3 – شرع الإسلام أحكاماً عملية توجب عتق الأرقاء، فقد شرع أحكاماً تجبر على العتق، إذ جعل عتق العبد المملوك للقريب المحرم يتم آلياً بمجرد الملك سواء رضي المالك أم لم يرض، أعتق أم لم يعتق. فكل إنسان يملك قريباً ذا رحم محرم بالشراء أو الإرث عتق عليه قريبه جبراً عنه بمجرد الملك دون حاجة إلى إعتاقه. روى أبو داود عن الحسن عن سمرة أن النبي
: «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» وجعل تعذيب العبد من تحريق أو قطع عضو أو إفساده أو ضرب العبد ضرباً مبرحاً، جعل ذلك موجباً لعتقه، فإن لم يعتقه سيده عتقه الحاكم جبراً عن سيده، قال: «من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه»
وجعل الإسلام عتق الرقبة كفارة لازمة لكثير من الذنوب. فمن قتل مؤمناً خطأ فكفارته تحرير رقبة مؤمنة
ومن حنث في يمينه فمما يكفر خطيئته تحرير رقبة
ومن أفسد صوم رمضان بالجماع فكفارته تحرير رقبة.
ولم يكتف الإسلام بذلك بل جعل للعبد نفسه طريقة لأن يعمل على عتق نفسه، كما جعل للمالك طريقة يعوض بها عن ثمن العبد. وذلك في بحث المُكاتَب. ورغب الإسـلام في هذا وأمر الله بالقرآن به فقال تعالى:
] وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [.
وإذا كاتب المولى عبده بأن قال له: إن أتيتني بكذا في مدة كذا فأنت حرّ، كان واجباً علي السيد أن يطلق عبده ليعمل، حتى يحصل على المال الذي كاتبه عليه. وكان واجباً عليه أن يعتقه إذا أحضر المال. ولا يصح له أن يرجع عن هذه المكاتبة.
4 – لم يكتف الإسلام بالحث على العتق وإيجاد أحكام تجبر على العتق، بل جعل في بيت مال المسلمين باباً خاصاً لعتق الأرقاء. إذ جعل الزكاة تصرف لعتق الأرقاء، وجعله أحد الأبواب الثمانية، قال تعالى:
] إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ)التوبة (60) [