Take a fresh look at your lifestyle.

  الظروف المحلية والدولية لنشوء دولة الخلافة

 

حين اراد الله اظهار دينه و التمكين لمحمد صلى الله عليه وسلم وصحابته في المدينة و بعد ان اصطفى الله لهذا الدين نبيه الصادق الامين، و نخبة من خير البشر ممن نقت سرائرهم و سمت نفوسهم و استنارت عقولهم و شحذت عزائهم، حينئذ هيأ الله الظروف المناسبة لنشوء كيان الاسلام السياسي في المدينة و التمكين له ليكون ذلك الكيان مشعل النور في الارض، و ناشر الدين الحنيف، و هادي البشر الى خير السبل.

فقد روت عائشة رضي الله عنها انه كان مما من الله به على نبيه حين اراد اظهار دينه ان الحرب بين الاوس و الخزرج كانت قد حصدت رؤوسها اي لم يكن في المدينة زعماء اقوياء بالقدر الذي كان موجودا في مكة او الطائف للحيلولة دون تمكين نشوء دولة الاسلام في المدينة. هذا من جهة الظرف الداخلي.

اما من حيث الظروف الخارجية التي تهيأت لنشوء الدولة فكان اهمها احتدام الصراع بين امبراطورية الفرس و امبراطورية الروم، و الفساد الذي استشرى لدى الامبراطوريتين، و الظلم و الفقر الذي شمل معظم الشعوب التي خضعت لتلك الدولتين. و قد اشار القرآن الكريم للصراع الدائر بين الفرس و الروم في سورة الروم، مما يوحي بانشغال الدولتين عن اي احداث اخرى تدور من حولهما، و كان اهم تلك الاحداث ظهور دعوة الاسلام في مكة و ما عرف عن محاولات محمد صلى الله عليه وسلم انشاء دولته على حدود تلك الدول.

و من ذلك ايضا ما روي عن لقاء جمع ابا سفيان بن حرب و هرقل في الشام، دار فيه حديث عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم والدين الجديد، و لما سمع هرقل بالافكار التي يدعو لها محمد صلى الله عليه وسلم و القيم التي يعمل على ترسيخها في المجتمع قال:”ان هذا الرجل سيأخذ مكاني هذا الذي اجلس به” و ذلك بناء على ما كان يراه من تهلهل في دولته و انعدام للقيم و انتشار للفساد و الظلم.

 

و من ذلك ايضا ما وري عن الفارسي الذي جاء المدينة للقاء عمر رضي الله عنه فوجده يستظل بشجرة دون حرس فقال:”حكمت فعدلت فامنت فنمت” و ادهشه العدل و الأمان الذي لم يكن له اثر في بلاد فارس.

هذه الاحداث و غيرها كثير تبين الواقع السياسي الذي كان سائدا ابان قيام الدولة الاسلامية و تمكنها و انتشارها. و الناظر الى الظروف السياسية السائدة في العالم اليوم يجد ان كثيرا من هذه الظروف تتهيأ باذن الله لنشوء دولة الاسلام و تمكينها في الارض و نشر رسالة الاسلام في ربوع العالم. و الشواهد على ذلك عدة، نذكر منها ما يلي:

 

اولا: ظروف نشوء الدولة على المستوى المحلي

 

أ- خلخلة الأجهزة الأمنية

لقد عمدت دول الكفر التي سيطرت على العالم الاسلامي بعد ان تمكنت من هدم الخلافة، عمدت اٍلى اقامة كيانات سياسية تضبط وجودها اجهزة امن غاية في التعقيد، و تحكمها عائلات تم اختيارها بدقة و حذر شديدين او افراد تم انتقائهم بحذر اشد. و قد تمت صياغة هذه الكيانات و حكوماتها و اجهزتها الامنية بشكل يضمن استمرار اقصاء الاسلام عن الحكم و الحيلولة دون عودة الخلافة الى بلاد المسلمين، و لم يكن يشغل خبراء السياسة الانجليز و الفرنسيين حين اقاموا هذه الكيانات الا امرا واحدا – و هو اقصاء الاسلام عن الحياة و السياسة، و الحيلولة دون عودة الخلافة. و استمرت هذه الكيانات العميلة باداء واجبها و تحقيق الغاية من اقامتها بشكل منقطع النظير. حتى غدا حكام بلاد المسلمين و اجهزتهم الامنية ابرع من طغاة قريش في قمع دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

الا ان هذا الواقع بدأ يتغير بعد ان اخذت امريكا على عاتقها اعادة بناء الشرق الاوسط اي العالم الاسلامي على اسس جديدة تختلف عن الاسس التي اعتمدتها بريطانيا و فرنسا مطلع القرن العشرين. و بالرغم من خطورة السيطرة الاميركية الا ان عملها هذا من شأنه احداث امرين في غاية الاهمية لنشوء الدولة الاسلامية.

الاول-ان عملية التغيير التي تعمل امريكا على احداثها سيصاحبها عملية خلخلة للنظام الامني الذي ساد المنطقة خلال العقود الماضية. مثال ذلك ما يحدث في سوريا و مصر و السعودية . و ما حدث في العراق. و بالتالي فان امكانية الوصول الى أهل النصرة و تجاوز الاجهزية الامنية سيكون أسهل.

الثاني- ان اميركا تريد من الكيانات التي ستنئشؤها او تغيرها ثلاثة اموروهي:

1-      اقصاء الاسلام عن الحكم و الحياة كما كان في السابق

2-      اخضاع الكيانات لنظام العولمة الرأسمالي لمصلحة اميركا

3-      استخدام هذه الكيانات اداة في صراعها مع خصومها في العالم.

و بالتالي فان مقدرة هذه الانظمة على اقصاء الاسلام عن الحياة سيكون اصعب و اقل فاعلية عما كانت عليه في السابق. ما يمكن من تحقيق الغاية التي نسعى اليها

 

ب- الرأي العام المحلي و تأصل فكرة الخلافة في العالم الاسلامي

 

لم تعد فكرة الخلافة محصورة في مكان او اقليم بعينه. بل اصبحت واسعة الانتشار. حتى ان تقرير مركز نيكسون للدراسات اشار الى ان الخلافة اصبحت مطلبا في معظم بلدان العالم الاسلامي. والفكرة أياً كانت اذا وجدت في امة لا بد ان تجد طريقها للتطبيق. و حين كانت فكرة الخلافة حديثة في بعض اقطار العالم الاسلامي اوكل العمل لمحاربتها لعملاء الدول الكافرة في العالم الاسلامي. و لكنها بعد تحقيق انتشار و اسع و بعد ان اصبحت فكرة متأصلة في بلدان العالم الاسلامي عمدت دول الغرب الكافرة و على رأسها بريطانيا و امريكا الى التصدي مباشرة لفكرة الخلافة و لمن يقف وراءها.

لقد وصل الرأي العام حول الخلافة الاسلامية في بلاد المسلمين الى مستويات متقدمة. و قد ساعدت الأحداث السياسية و العسكرية في مختلف البلاد الاسلامية على بلورة هذا الرأي كما أدت متابعة الحزب الى جعل هذ االرأي منبثقا عن وعي عام. ما أدى الى استقرار الرأي العام حول فكرة الخلافة. و ما تصريحات كبار المسؤولين في أمريكا و أوروبا و تخوفهم من عودة الخلافة الا صدىًِ لهذا الرأي. كما جاء مؤتمر أندونيسيا ليؤكد انتشار الرأي العام في العالم الاسلامي و ليس فقط في أماكن محدودة. أما تعرض السلطة في الضفة الغربية يوم 27/11/2007 لمسيرات الحزب و قمعها بالقوة فأنه يظهر مدى تخوف السلطة و من وراءها أمريكا من الرأي العام الذي يوجده الحزب حول فكرة الخلافة باعتبارها الحل الوحيد لقضية فلسطين. كما أن فكرة الخلافة قد استوطنت في جمهوريات آسيا الوسطى التي انسلخت عن روسيا و الاتحاد السوفياتي المنهار. و لا يزال كثير من المراقبين يعتبرون الخلافة هي التحدي الأكبر للأنظمة في تلك البلاد. و من أهم مظاهر الرأي العام هذا، كثرة الحركات التي أخذت تنادي أو تدعي النداء بالخلافة سواءا في العراق أو أفغانستان و غيرها.

و لا شك ان هذا من شأنه ان يهيأ الامة بأكملها لتكون طرفا في الصراع مع دول الكفر ما يمكن ليس فقط اقامة الخلافة و التمكين لها، بل و لحمل فكرة الاسلام الى العالم اجمع.

ج- انحسار الطوق الاعلامي

منذ أن نشأ حزب التحرير و بدأ الدعوة لأستئناف الحياة الاسلامية و أعادة الخلافة، عمدت بريطانيا و أدواتها في المنطقة الى التعتيم الاعلامي على الحزب و فكرته. و لم تسمح الا بالقليل من الكتيبات التي تهاجم الحزب و التي تنتشر في أوساط محددة حتى لا ينتشر اسم الحزب و أفكاره و لو سلبا. و بالرغم من عمل الحزب الدؤوب و كثرة نشراته و تميزها و كتبه و دقتها الا أنها لم تحظ بتغطية اعلامية و لو شحيحة. و استمر الحال كذلك الى أن ظهرت قوة الحزب بشكل جلي في أزبيكستان بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1990، و ما تلاها من اعتقالات و تعذيب و اعدام للشباب و ذويهم. بدأت أجهزة الاعلام في الغرب و روسيا الحديث عن الحزب و غاياته بشكل لم يسبق له مثيل. و اهتم بأمر الحزب كثير من الباحثين و السياسيين و معاهد الدراسات و منظمات حقوق الانسان. فكانت تلك الأحداث بداية انحسار الطوق الاعلامي. ثم جاء أول مؤتمر عام للخلافة في لندن سنة 1995 و الذي حظي بتغطية اعلامية واسعة على مستوى العالم. ثم دخل العالم عصر الانترنيت و عصر الفضائيات و لم يعد بالامكان فرض التعتيم الاعلامي. و هكذا أصبح الحزب و أفكاره حاضرا على الساحة الدولية يوصل رأيه و أفكاره حيث يشاء بسهولة و يسر عصيا على كل أنواع التعتيم. و التغطية الاعلامية التي حظي بها مؤتمر أندونيسيا و ما تبعه من أعمال خير دليل على ذلك. و يبقى أن يتمكن الحزب من الارتقاء بأعلامه الخاص ليصل الى الجماهير دون عوائق تذكر

د- تراجع أثر الحركات الاسلامية و المادية في الشارع الاسلامي

لقد لعبت أغلب الحركات في بلاد المسلمين دورا رئيسا في صرف الجماهير عن العمل الحقيقي الذي يؤدي الى نهضة المسلمين و خروجهم من عنق الزجاجة خلال ما يزيد على 70 عاما. ما أدى الى توجه الجماهير الى الاعمال الاصلاحية بدلا من التغيير الجذري، و الى تنفيس طاقات الجماهير بالأعمال المادية، و المشاركة في الانظمة الفاسدة بدلا من هدمها. و خلال هذه الفترة كان من الصعب أيصال الأفكار التي تنهض على أساسها الأمة خاصة مع تعالي صوت البارود و كثرة الأعمال العسكرية. و قد عمدت الدول الاستعمارية الكافرة الى أغراق الأمة في فيض من الأزمات السياسية و الاقتصادية والعسكرية ما جعل قيادة الامة تتجه غريزيا نحو الحركات المادية و الاصلاحية بحثا عن حلول لهذه الأزمات. و لم يتجاوب مع الحزب الا من أرهف أحساسه و عمق فكره.

الا أن هذه الحركات قد وصلت بالامة الى طريق مسدود. و تبين عقم الطريق الذي سلكته و عدم فاعليته. خاصة أن كثيرا من هذه الحركات قد وصلت الى مواقع متقدمة في الحكم، و حققت تقدما ملموسا في الاعمال العسكرية التي مارستها. الا أن أيا من هذا التقدم لم يؤد الى نهضة الامة أو الى حل مشاكلها المستعصية من الفقر و التخلف الاقتصادي و الاحتلال. و قد صرح كثير من قياديي الحركات أنه لا يمكن الوصول الى حلول حقيقية بدون قيام دولة الخلافة.

فأدى هذا الوضع الى ضعف تأثير هذه الحركات على امكانية استقطاب الحزب للجماهير

د- ثبات الكتلة و اشتداد عودها

لقد اعتنت الكتلة من بداية وجودها بمسألة الايمان باعتباره الاساس الذي يبنى عليه كل شيء، و باعتباره الدافع للتضحية بكل ما هو نفيس. و لم تزل الكتلة تشيع في شبابها أعلى المثل، و تبعث فيهم أرقى القيم، و ترقى بسلوكهم، الى أن أصبح الخطأ فيهم مستهجنا، و المعصية مستغربة، و النزوع للكمال ديدنا. فلا يقبل الحزب في صفه مجاهرا بمعصية أو تاركا لفرض أو خائفا جبانا، أو متقاعسا عن القيام بأعباء الدعوة، أو متشككا غير حازم لأمره.

و سار الحزب في طريق لا تقاعس فيه و لا تراجع، و لا مهادنة مع ظالم، و لا مساومة في حق، ما عرضه لشتى أصناف الاضطهاد و البطش و التنكيل. فما كان يمكن أن يمضي معه في هذا الطريق الا من سمت نفسه، و صلحت سريرته، و قوي أيمانه، و اشتد عوده، و طلب ما عند الله من رضوان و جنات النعيم. و ضرب شباب الحزب من الأمثلة في التضحية في سبيل الله ما تنوء به الجبال الرواسي و تطرب له الحور في جنات النعيم. فما من سجن للطغاة دخله شاب الا و رأى من الصبر و الاحتساب عند الله ما لم يعهده من قبل. و مضى الشهيد تلو الآخر مقدمين غير مدبرين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر. حتى و لكأن الآيات البينات في كتاب الله تتحدث عن أمثالهم و تصف أفعالهم:

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا

و هكذا ثبتت الكتلة و اشتد عودها و استعصت على الطغاة و لم يثنها عن أيمانها و سيرها لتحقيق غايتها و الالتزام بالاسلام مبدأَ لها أي شكل من أشكال الارهاب و البطش. و لعلها تستحق بذلك أن تكون ممن يتحقق فيهم وعد الله:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

و قد صدق فيهم قول الشاعر:

لا يُدِرُكُ الأوغادُ سِـرّ نِضالِنـا عَيّتْ على الطّاغُوتِ وهْوَ عَياءُ

فالجُوعُ صَـوْمٌ واجِـبٌ وتَنَفُّـلٌ والمَنْعُ منْ فَيْضِ القُلوب ِعَطـاءُ

والسِجْنُ رَحْبٌ ساحُهُ وسِياجُـهُ رَحُبَتْ بِنـا زِنْزانَـة ٌ وخِبـاءُ

والمَـوْتُ شَهْـدٌ نَيْلُـهُ وشَهـادَةٌ والـدّاءُ فِيـنـا رُقْـيَـةٌ ودَواءُ

هذه بعض الظروف المحلية التي تهيأت و هي تبشر بقرب قيام دولة الخلافة.

 

ثانيا الظروف الدولية لنشوء الدولة الاسلامية

 

فيما يلي اهم التغيرات التي طرأت على المستوى الدولي و التي من شأنها جعل الظروف اكثر مواتاة لنشوء دولة الخلافة و التمكين لها

1-      انتهاء الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي بزعامة اميركا و المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي و بروز تناقضات المبدأ الرأسمالي

لقد ادى انتهاء الحرب الباردة و انهيار الاتحاد السوفياتي و خروج الاشتراكية من حلبة الصراع الدولي الى بروز الصراع الداخلي بين افراد المعسكر الرأسمالي-اميركا و اوروبا الغربية. و ادى ذلك الى ظهور و تفاقم تناقضات المبدأ الرأسمالي حيث لم تعد الدول الرأسمالية بحاجة الى الاستمرار في ترقيع النظام و اخفاء عوراته كماكانت تفعل حين كان الاتحاد السوفياتي يتبنى الاشتراكية مقابل الرأسمالية. و نقلت اميركا و اوروبا تناقضات الرأسمالية و مشاكلها الى مختلف بقاع العالم عن طريق ما سمته بالعولمة. و بدأ يتركز في اذهان الشعوب ان الفقر و الظلم هو من نتاج الرأسمالية العالمية.

 

و من اهم ما ترتب على تفرد الرأسمالية في زعامة العالم غياب المبدأ المنافس لها و بروز التناقض الصريح بين شقي المبدأ الاقتصادي و السياسي اي بين الرأسمالية و الديموقراطية. فقد كانت الديموقراطية السياسية و الحرية الفكرية في السابق تظهر للناس اكثر استقلالا عن قبضة الرأسمالية، بل كانت تسوق على انها الضابط الذي يضمن مصالح الناس حتى لا تفتك بهم مؤسسات المال. و تمت صياغة قوانين اللعبة الديموقراطية لتغطية سطوة الرأسماليين على الشعوب. و لكن هذا الوضع بدأ بالتغير، خاصة في اميركا حيث جاء الى الحكم مجموعة من كبار الرأسماليين في عهد بوش الابن.

 

و ما يهمنا هنا من الناحية المبد ئية هو ان التناقض الذي يحدث في الفكرة الاساسية يؤدي الى حدوث شرخ في البناء مما يضعف الكيانات القائمة على هذا الاساس. فالتناقض ما بين الديوموقرطية و الرأسمالية موجود في اساس الفكرة. و قد تم التوفيق بين النقيضين ابان الحرب الباردة و لكنه عاد ليستعر الان، و سوف يؤدي حتما الى ضعف الدول القائمة على هذا الاساس مقدمة لانهيارها اما ذاتيا و اما بهزة من غيرها.

 

2-      الاقتصاد الوهمي الافتراضي الذي نشأ في امريكا و اوروبا الغربية

الاقتصاد الوهمي الافتراضي هو الذي يظهر للناس اقوى مما هو عليه في الواقع. و قد جاءت امريكا و معها اوروبا الغربية بهذا النوع من الاقتصاد لتحقيق امرين:

احدهما: زيادة الفجوة المالية بين اصحاب رؤوس المال الكبيرة و من يأتي بعدهم في السلم المالي حتى تبقى امور المال و الاقتصاد بيد حفنة من الناس يستحيل اللحاق بهم خاصة ضمن قوانين الديموقراطية و الحرية الاقتصادية. ففي الوقت الذي اصبح من السهل لكثير من الناس امتلاك الملايين من الدولارات اصبحت ثروة كبار الرأسماليين تقدر بمئات المليارات. ولولا الاقتصاد الافتراضي الوهمي لكان هناك سقفا ماليا ثابتا يمكن لكثيرمن الناس الوصول اليه او الاقتراب منه مع الزمن.

و الناظر الى اوروبا و امريكا يجد ان العائلات التي كانت تمتلك الملايين قبل خمسين عاما و يتمتعون بالقوة المطلقة بسبب الفجوة المالية بينهم و بين بقية فئات الشعب، لا يزالون يحافظون على سلطتهم المالية و على فجوة كبيرة بينهم و بين الناس بالرغم من ان اصحاب الملايين بلغ عددهم الملايين.

و الامرالثاني: الذي حققه الاقتصاد الافتراضي هو التفوق الكاسح على المعسكر الاشتراكي خاصة في القضايا المتعلقة بالتنافس على مناطق النفوذ. ففي الوقت الذي كان الاتحاد السوفياتي ينفق مالا حقيقيا على كثير من دول العالم كانت اميركا تنفق اموالا وهمية ولكن بشكل اكبر بكثير. و كانت قد انشأت لهذا الغاية البنك و الصندوق الدوليين. و لنوضح ذلك كان الاتحاد السوفياتي يقيس مدى مساعدته لمصر مثلا- بعدد المشاريع التي انجزها كالسد العالي و بناء المسارح و المدارس و غيرها بينما تقيس امريكا مدى مساعدتها لاوروبا من خلال مشروع مارشال بحجم القروض التي قدمتها للدول الاوروبية و المساعدات المالية.

و كي تتمكن من ابقاء الاقتصاد و المال الافتراضي فاعلا عمدت امريكا على ربط الاقتصاد كله بعملتها اي بالدولار، فبدلا من ان تكون العملة مرتبطة بالاقتصاد أو بالذهب، اصبح الاقتصاد مرتبطا بالعملة. اي اصبح الاقتصاد يقاس عندها بارقام تكبر و تصغر حسب ما تراه مناسبا.

 

و المهم في بحثنا هذا ليس الاسباب التي ادت الى وجود اقتصاد افتراضي، بالقدر الذي يهمنا هو وجود هذا الاقتصاد كواقع ماثل، و الذي يعتبر بالنسبة للاقتصاد الغربي خاصة الامريكي مثل كعب اخيل. ففي الوقت الذي كان فيه سبب قوة و تفوق هو في نفس الوقت عامل ضعف و انهيار.

فامريكا الان لا تستطيع ان تعيش ضمن اطار اقتصادها الحقيقي و الذي هو اقل من الافتراضي بمئات المرات. و كذلك هي لا تستطيع ان تتعامل مع ازمات حقيقية تفوق احتياجاتها الحد الادنى من الاقتصاد الحقيقيى. فللتوضيح اسوق هذا المثال:

فلو ان بنكا ماليا تقدر ثروته الافتراضية بمئة مليار دولار، و ثروته الحقيقية بمليار دولار، فان هذا البنك يستطيع التعامل مع غيره بالاقراض والاقتراض ضمن الحد الاعلى اي (100 مليار) و لكنه لا يستطيع الانفاق على اي مشروع تتجاوز احتياجاته المليار دولار. و لو ان المودعين و اصحاب المال قرروا ان يسحبوا من البنك ارصدة تزيد على المليار دولار لانهار البنك علما بان ثروته تقدر بمئة مليار. و قد حصل مثل هذا اكثر من مرة لدى بنوك امريكية و اوروبية.

صحيح ان هذا المثال محدود على مستوى مؤسسة واحدة الا ان الدول الراسمالية في تعاملها مع الاقتصاد الافتراضي لا تختلف كثيرا. و من هنا كان نشوء الاقتصاد الافتراضي في هذه الدول من اهم عوامل الانهيار فيها. و من اهم اسباب ضعفها. ما يجعل الظرف أكثر ملائمة لنشوء و استقرار دولة الخلافة بأذن الله

3- احتدام الصراع بين اطراف المعسكر الرأسمالي – اي بين امريكا و اوروبا

الصراع بين اطراف المعسكر الرأسمالي قديم، و لكنه يزداد حدة او يتراجع بناء على ظروف و علاقات دولية مختلفة. ففي مطالع القرن العشرين اشتد التنافس الاستعماري بين دول في اوروبا ما ادى الى نشوب الحرب العالمية الاولى. و التي كان من نتائجها ولادة الاتحاد السوفياتي و العهد الاشتراكي. ثم عاد الصراع ليشتد ثانية و يؤدي الى الحرب العالمية الثانية، و التي كان من نتائجها دخول امريكا حلبة الصراع الدولي و نمو قوتها و تأثيرها في العالم. ثم هدأ الصراع و ان بقيت اسبابه كامنة ابان الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي و الشرقي. و ما ان انهار الاتحاد السوفياتي و اشتراكيته حتى عاد الصراع ليشتد ثانية بين امريكا من جهة و اوروبا من جهة اخرى. و انه و ان كان الصراع لم يشتد الى درجة اشتعال حرب عالمية ثالثة الا ن الظروف تتهيأ بشكل تصاعدي لصدام مروع بين امريكا و اوروبا. فلا تزال اوروبا تصر على بناء قوة اوروبية منافسة لاميركا في العالم. و لا تزال اميركا تصر على منع مثل هذا التطور النوعي على الجانب الاوروبي. و قد شهدت اوروبا خلال العقد الماضي اوجها كثيرة من هذا التحدي والتحدي المضاد. و اشهر هذه الاحداث ما دار في يوغوسلافيا السابقة، و اخره ما حصل من تصادم للمصالح في مسألة العراق.

و يبدو للمتابع للمسرح الاورو-امريكي ان التناقضات تزداد بشكل مطرد. و ان التوفيق بين الطرفين لا يتم الا باعمال ادارية و مفاوضات مستمرة. اي ان امريكا و اوروبا تعمل على ضبط و ادارة الازمات بينهما. و هذه عملية صعبة اضافة الى انها تصل الى نقطة تكون الازمات فيها خارج نطاق السيطرة. و هنا تحدث الكارثة بالنسبة للطرفين. ان اقل ما يقال في هذا الصراع انه سيصل الى نقطة يكون انشغال كل طرف فيه انشغالا تاما، ما يمكن نشوء اي قوة اخرى في العالم دون التعرض لخطر التدمير من قبل اوروبا او امريكا- وذلك ما حدث مع الفرس و الروم حين نشأت الدولة الاسلامية الولى.

و اكثر ما يقال في هذا الصدد هو وصول الازمات الى درجة التصادم المسلح، و الذي يؤدي بدوره الى بروز قوة او قوى جديدة في العالم-كما حصل مع نشوء الاتحاد السوفياتي. لذا فان تزايد حدة الصراع بين اوروبا و امريكا يبشر بظروف دولية مواتية لنشوء دولة الخلاقة الاسلامية

4-      الانحراف التدريجي عن اسس المبدأ الرأسمالي خاصة في اميركا – و بداية أفول نجمها

لقد قام المبدأ الرأسمالي على اساس فكرة فصل الدين عن الحياة، و التي ترجمت في الواقع على اساس فتح الحريات الاساسية للفرد- و هي حرية التعبير و الحرية الشخصية و حرية التملك و حرية الاعتقاد، و نتج عن حرية التعبير النظام الديموقراطي في الحكم، و عن حرية التملك النظام الاقتصادي، و نتج عن الحرية الشخصية ما يسمى بالفردية و عن حرية الاعتقاد التعدد الديني.

و قامت نهضة العالم الغربي عامة و الامريكي خاصة على اساس من هذه الحريات. و تأكدت قدسية هذه الحريات في دساتير العالم الرأسمالي و تأصلت لدى الناس في اعرافهم و معتقداتهم و اصبحت حكما على سلوك الفرد و المجتمع.

الا ان طغيان الرأسمالية و جشع الرأسماليين و اطماعهم المتزايدة في ثروات العالم حدا بهم الى اعتبار ان الحريات المطلقة للافراد و الشعوب قد تؤدي الى فقدان هؤلاء كثيرا من سلطتهم و ازدياد التحدي لهم في مجتمعاتهم المحلية و العالمية على حد سواء. خاصة بعد انكشاف كثير من عورات نظامهم و جشعهم على اثر انهيار الاتحاد السوفياتي و المبدأ الاشتراكي.

و من هنا شرعت دول العالم الرأسمالي و بالأخص امريكا بالعمل على تهيئة الظروف للحد من الحريات وتقنينها بشكل يجعل الحرية خاضعة لموازين و قيم معدة لخدمة مصلحة كبار الرأسماليين.

و لم تكن الفرصة اكثر مواتاة من احداث 11/9/2001 و التي كرست لدى عامة الناس الخطر الذي يتهدد حياتهم و طراز عيشهم تحت مسمى الارهاب. و استطاعت الة الحكم في اميركا ان تجعل من قضية الامن القومي وأمن الافراد و استمرار طراز العيش الرأسمالي اساسا تبنى عليه الافكار وتنبثق منه الاحكام بدلا من الحرية الشخصية و حرية التعبير و حرية الاعتقاد. و نجحت مؤسسة الحكم في امريكا و التي يتربع على عرشها الرأسمالييون بشكل مباشر، نجحت في جعل قضية الامن اساسا من الاسس بعد اقرارها من المجالس التشريعية.

و بذلك تكون امريكا قد احدثت انحرافا في الاساس الذي بنت نهضتها عليه. و بالتالي فقد اضافت عاملا من عوامل الضعف و الانهيار الى بنيانها. ولا شك ان الضعف الذي سيطرأ على امريكا و معها كثير من الدول الرأسمالية سيجعل ظروف نشوء الدولة الاسلامية اكثر تهيؤا و مواتاة.

هذه بعض الامور التي حدثت خلال الاعوام القليلة الماضية و التي اتت بظروف محلية و دولية في غاية الاهمية لقيام دولة الخلافة و تمكينها و انتشارها. نسأل الله عز و جل ان يحقق لنا ذلك في القريب العاجل.