أمتكم بخير، فلا تبخسوها
ينظر البعض، وللأسف، نظرة يأس وخيبة أمل لحال الأمة الإسلامية اليوم. فالأمة الإسلامية في نظرهم تغط في سبات عميق، لا تتحرك لما يصيبها، وكأن الأمر لا يعنيها، ولا تكترث لقضاياها المصيرية. وبالتالي فالخلافة بالنسبة لهم أضغاث أحلام، بعيدة المنال، وقد تتحقق بعد أجيال.
لكن ليس هذا هو حال الأمة الإسلامية الحقيقي إذا ما نظرنا بنظرة متبصرة. فالأمة الإسلامية اليوم فيها الخير الكثير الكثير، وهي ليست أمة ميتة ولا نائمة. بل إنها أمة عظيمة، حية، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تسير في طريق نهضتها الذي لم يبقى لإكتماله إلا قاب قوسين أو أدنى.
إن الغرب كان ومازال يتحكم بمقدرات الأمة الإسلامية جميها. فحكامنا لعبة بأيديهم، ونفطنا بأديهم، وجامعاتنا بأيديهم، وسلاحنا منهم، وإقتصادنا مربوط بهم. فماذا يريدون منا أكثر من ذلك؟!
ولماذا إذن شهدنا في الست سنين التي خلت عودة الإستعمار العسكري من جديد؟! أولو كنا حقا في سبات عميق، أوكانت هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين؟! أويقاتل الجسد الميت؟! أم أن الغرب يعلم مالا يعلمه بعض أبناء هذه الأمة الإسلامية؟!
قد تكون الأمة الإسلامية اليوم مكبلة ماديا بحكم الدول البولوسية القائمة في بلادنا، والمتسلطة على رقابنا، ولكن الأمة الإسلامية اليوم فكريا واعية. فالأمة الإسلامية اليوم تعلم أن حكامها عملاء خونة، وتعلم أن الغرب وعلى رأسه أمريكا عدوة للإسلام والمسلمين، وتعلم أن في وحدتها قوة، وفي تشرذمها ضعف، وتعلم أن الجهاد هو الحل الحقيقي لتحرير بلاد المسلمين.
وما تقرير ميريلاند الذي خلص بأن المسلمين في باكستان وأندونيسيا والمغرب ومصر، يأيدون تحكيم الشريعة الإسلامية، وما نقلته وسائل الإعلام من أن (91% من المصريين “يؤيدون” تحكيم الشريعة)، وما بثته شاشات التلفاز من مسيرات في أندونيسيا والهند وباكستان ومصر والسودان، تطالب بفتح الحدود، وتحريك الجنود، والجهاد ضد يهود، وما مواقف أمهات الشهداء، وخاصة تلك الأم اللتي جلست مع إبنها قبل قيامه بعمليته الإستشهادية، تعد معه الخطة، وتقول له: لا تعد إلي إلا شهيد، فتكون بهذا فعلت ما فعلت الخنساء وأكثر، وما التقارير الروسية والأمريكية التي تتوقع قيام الخلافة الإسلامية عام 2020، والتي ستمتد من أندونيسيا شرقا، إلى المغرب غربا، ما كل هذا إلا دليل على وعي الأمة الإسلامية، ودليل على أنها تنتظر الفرصة المناسبة لتعلنها، وبكل قوة، خلافة راشدة على منهاج النبوة.
إن الحوادث السياسية التي مرت بها الأمة الإسلامية تأكد أن الإسلام راسخ في قلوب المسلمين. وما تمسك المسلمين بدينهم في أزباكستان والعراق والبوسنا وكشمير، رغم ما لاقته من حكم بالحديد والنار، لسنين طوال، لدليل على أن الإسلام لا ولن يتزعزع من قلوب المسلمين بإذن الله.
فبعد أن كان شباب هذه الأمة بعيدون كل البعد عن أي دعوة إسلامية، وينادون بالقومية والوطنية والناصرية والإشتراكية، نرى اليوم أفول نجم هذه الدعوات، وتصاعد الإسلام في كل الإتجاهات. وإن بقي للعلمانية باقية، فهي التي عكس التيار اليوم تسير، وأصبح الإسلام هو البديل، بل الأصيل.
إن المسلم لا يعرف اليأس، كيف والله تعالى يقول { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }. فلنحذر من بث روح اليأس والهزيمة في قلوب المسلمين، ولنعلم بأننا منهيون عن بخس الأمة حقها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكم). ولنعمل بقول رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه (بشروا ولا نتفروا).
ولنعلم أن مستقبل الأمة الإسلامية مستقبل واعد، لقول الله تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا }، وقوله تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } وقوله تعالى { إن مع العسر يسرى، إن مع العسر يسرى }، وقوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس }، وقول رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه (بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض)، وقوله (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها مازوي لي منها)، وقوله (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل)، وقوله (مدينة هرقل تفتح أولا )، وقوله (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود).
فيا من تبكيه غربتنا *** لا تحزن إن المجد لنا
سنعيد البسمة للدنيا *** ونعيد الصبح بطلعتنا
إن هذا الكون بيد الله العزيز الجبار، يسيره كيف يشاء، ويصرف أمره كما يشاء. وما أمريكا، بل والغرب كله، إلا من مخلوقات الله، الذين لا يعجزونه. فلا يغرنكم تقلب الكافر المستعمرين وأعوانهم من حكام المسلمين في البلاد، فإنه من سنن الله سبحانه أن { تلك الأيام نداولها بين الناس }.
وهاهي أمريكا، رأس الكفر، تفقدت هيبتها العسكرية والسياسة بسبب العراق والأفغانستان. وقد وصل الحال لدرجة أن الأمريكان في العراق يطلبون تزويدهم بحفاضات! فإن كانت أمريكا، الدولة الأولى في العالم، هذا حالها، فما هو حال من دونها؟!
ثم هاهي أمريكا تفقد هيبتها الإقتصادية بسبب أزمة النظام الرأسمالي المالية الإقتصادية العالمية، وتجر الغرب والشرق معها نحو المجهول. وصدق الله تعالى حيث قال { أن الارض يرثها عبادي الصالحون }.
ولا يغرنك ما نرى من خبث وفساد في أيامنا هذه، فإنه لا يستقيم الظل والعود أعوج، وإذا عرف السبب بطل العجب. فهل نحن نحيا حياة إسلامية حتى نتعجب من إفرازات الحياة الجاهلية الثانية التي نعيش!
وعلى كل حال، فالعبرة في من يتقدم لتغيير ما هو فاسد، لا أن نبكي على جراحنا ونتأسف على حالنا. فكلنا يعلم بأننا نواجه المشكلة تلو المشكلة، والجرح تلو الجرح، ولكن أين العاملون؟
{ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
كتبه للإذاعة: أبو أنس