قوله تعالى: { ألهاكم التكاثر } الآية الأولى من سورة التكاثر إلى آخرها.
أخلصت هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد، وكفى بها موعظة لمن عقلها. فقوله تعالى: «ألهاكم» أي شغلكم على وجه لا تعذرون فيه. فإن الإلهاء عن الشيء هو الاشتغال عنه. فإن كان بقصده فيه فهو محل التكليف، وإن كان بغير قصد كقوله صلى الله عليه وسلم في الخميصة: ( إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي ) رواه الشيخان كان صاحبه معذوراً وهو نوع من النسيان، وفي الحديث ( فلها صلى الله عليه وسلم عن الصبي ) أي ذهل عنه، ويقال: لَهَا بالشيء: أي اشتغل به، ولها عنه: إذا انصرف عنه.
واللهو للقلب، واللعب للجوارح؛ ولهذا يجمع بينهما، ولهذا كان قوله: « ألهاكم التكاثر» أبلغ في الذم من شغلكم، فإن العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبُهُ غيرُ لاهٍ به، فاللهوُ هو ذهولٌ وإعراضٌ ، والتكاثرُ تفاعلٌ من الكثرة، أي مكاثرةِ بعضِكُم لبعض، وأعرض عن ذكر المتكَاثرِ به إرادة لإطلاقه وعمومه، وأن كل ما يُكاثرُ به العبدُ غيرَهُ سوى طاعةِ الله ورسوله وما يعودُ عليه بنفع معاده فهو داخل في هذه التكاثر.
فالتكاثر كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم، ولا سيما إذا لم يحتج إليه.
فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومسابقة إليها. وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: { ألهاكم التكاثر } قال: ( يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت، أو أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت ) .
كتاب الفوائد لابن القيم الجوزية