نص المادة 121:
(يجب إن يضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد فردا فردا إشباعا كليا, وأن يضمن تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على ارفع مستوى مستطاع).
إن الإنسان في هذه الحياة لا يستقيم عيشة فيها, إلا بإشباع حاجاته عامة.
فحاجاته على قسمين: أساسية لا بد من إشباعها, وكماليه يُفسح له المجال ليتمكن من إشباعها.
فالذي يوضح لنا هذا التصنيف هو واقع الحياة من جهة, وحرص الإسلام على ضمان إشباعها من جهة ثانية, فمن حيث واقع الحياة فالإنسان لا يستطيع العيش دون مأكل أو مشرب أو مسكن أو ملبس أبدا, فان لم يجدها يتفرق لطلبها, ويصعب عليه أن يؤلف مجتمعا عند عدم وجودها, ويصعب عليه أن يستقر في عيشه أو يستمر, هذا من حيث واقع الحياة.
أما من حيث الإسلام, فقد جاءت الأدلة من القرآن والسنة مبينةً بوضوح أن الحاجات الأساسية للإنسان هي المأكل والملبس والمسكن, يقول تعالى بخصوص المأكل والملبس: {… وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ …}البقرة233 ويقول سبحانه بخصوص المسكن: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ ..}الطلاق6
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: في حديثين شريفين, ما يبين بصراحة أن هذه الثلاثة هي الحاجات الأساسية التي لابد من ضمانها لكل فرد.
ففي الحديث الأول يقول صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم أمنا في سربه, لامعافى في جسده, عنده قوت يومه, فكأنما حِيزت له الدنيا)
وأما الحديث الثاني: (جاء في مسند احمد إن رجلا من الأنصار جاء بعذقٍ فوضعه, فأكل رسول الله عليه الصلاة و السلام وأصحابه, ثم دعا بماءٍ بارد فشرب فقال: لتُسألنَ عن هذا يوم القيامة, قال: فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض, تناثر البُشر قِبلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: يا رسول الله أئنا المسئولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: نعم، إلا من ثلاث, خرقةٍ كفَّ بها الرجل عورته, أو كسرةٍ سد بها جوعته, أو جحر يتدخل فيه من الحرَّ والقر)
ففي الحديث الأول يقول آمنا في سربه ويقول (عنده قوت يومه), أما في الحديث الثاني: فيقول خرقة كف بها الرجل عورته أي ملبسه, ويقول كِسرة سدّ بها جوعته يعني المأكل أو جحر يتدخل فيه من الحر والقر يعني المسكن.
أما الحاجات الكمالية: فهي كل ما زاد عن الحاجات الأساسية, كتحسين المسكن والملبس والمأكل, والتمتع بالطيبات وزينة الحياة الدنيا, التي يستطيع أن يمتع نفسه بها, وبذلك تتحقق له الرفاهية في طراز خاص من العيش, فهذه الإباحة الشرعية دليل على التمكين من إشباع الحاجات الكمالية, قال تعالى: {…. كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ …}البقرة57 وقال: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ …. }آل عمران180
فهذه كلها أدلة على أن الشرع أباح لكل فرد أن يشبع حاجاته الكمالية, وان تمكنه الدولة من إشباعها .
أما ضمان إشباع الحاجات الأساسية لكل الأفراد فردا فرداً إشباعا تاما فقد جاءت عدة أدلة تدل عليه, فالشارع حث على الكسب وعلى طلب الرزق وعلى السعي, وجعل السعي لكسب الرزق فرضاً, قال تعالى: {… فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ … }الملك15 وقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ …. }الجمعة10
وهذا هو الأصل في إشباع الحاجات الأساسية وحتى الكمالية أن يكون من الإنسان نفسه وبعمل يده, فالله قد فرض العمل على القادر المحتاج من الذكور, وهذا يعني أن العمل إجباري على هذا القادر, وان لم يقم به يعاقب كشأن كل فرض.
أما لو كان عاجزاً ولا يقدر على العمل اوجب الشرع النفقة عليه من ذي الأرحام, فلو كان هؤلاء فقراء, أو لم يوجد له أرحام, وجبت نفقته حينئذ على بيت المال أي على الدولة, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك كلاً فإلينا ومن ترك مالا فلورثته)، وقال أيضا: (من ترك مالا فلورثته ومن ترك ضياعا فإلينا وعلينا) هذا بالنسبة للعاجز عن العمل من الذكور, أما بالنسبة للإناث فقد اوجب الشرع النفقة لهن مطلقاً, إن تحقق الفقر في حالة العجز أو في حالة الصحة, لأن الشرع لم يفرض عليهن الكسب, بل جعل النفقة عليهن حقاً لازماً, وألزم الدولة بتحصيلها وبها, ففرض النفقة للزوجة على الزوج, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند, لما شكت له إن أبا سفيان رجلٌ شحيح, قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) وفرض النفقة للأب على أولاده, قال تعالى: {… وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ …. }البقرة233 وفرض النفقة للأقارب إذا كانوا ذوي رحم محرم, قال تعالى: {… وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ…}البقرة233 بعد قوله:{… وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ …. }البقرة233
ولكي يضمن الشرع قيام بيت المال بهذه النفقة عني بالواردات المخصصة لها عناية خاصة, فجعل في بيت المال جهة الزكاة للفقراء والمساكين وابن السبيل, فإن لم تَفِ الزكاة كانت النفقة على واردات بيت المال الأخرى, لقوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك ضياعاً فإلينا وعلينا) أي على الدولة, ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الأمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ) وإن لم تفِ بها واردات بيت المال الثابتة, تصبح فرضاً على جميع المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (أيما أهل عَرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى) وهو إخبار يتضمن الطلب ومقرون بالذم فكان طلباً جازماً, فدل على انه الفرض, فيفرضه الخليفة ضرائب على المسلمين القادرين, ويحصله منهم ولو بالقوة إن امتنعوا عنها.
فالشارع ضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد فرداً فردا, وعين الواردات التي تضمن القيام بهذا الإشباع .
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله .
أبو الصادق