مع القرآن الكريم – إنه لقولٌ فَصْل وما هو بالهزل
يقول تعالى:{ إنه لقولٌ فَصْل وما هو بالهزل} والفصل و الفرقان والحق والصراط المستقيم كلمات تكرر ذكرها في القرآن الكريم، ووردت في سياق آيات كريمة تحض الناس على اتخاذ الموقف «الفصل» في كل القضايا التي تواجههم، وهي بذلك تنهى الناس عن اتخاذ المواقف المائعة، أو اختيار اللون الرمادي أو الحلول الوسط التي ترضي جميع الأفرقاء ولكنها تغضب رب العالمين سبحانه وتعالى. ويصف القرآن الكريم هؤلاء الناس كما يلي: { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء }، هذا في القرآن الكريم، أما في تطبيق بعض المسلمين لذلك فهو على النقيض من ذلك.
ومن الأمثلة على التناقض الحاصلِ التسابقُ الذي يجري عند بعضهم لاسترضاء غير المسلمين والعلمانيين وأصحاب الديانات الأخرى من يهودية ونصرانية، ويصل الاسترضاء إلى حد الذوبان في الآخرين والتنازلِ لهم عن كل المبادئ وكل الثوابت النابعة من العقيدة ، حتى إنهم يقولون لهم إن ما عندنا من عقيدة وما عندكم من شعائر دينية أو أفكار علمانية تلتقي كلها في قواسم مشتركة، ولا يفصل بينها سوى شعرة بسيطة. وكأنهم يريدون ترداد ما قاله النجاشي لمهاجري المسلمين: «يخرج من مشكاة واحدة»، ولكنه حينما قال ذلك قال: إن ما جاء به نبيكم وما جاء به نبينا، وهو غير ما عليه الناس، وهناك فرق بين «ما جاء به» وما هم عليه الآن.
لقد نسي بعض الناس المفاصلة بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، وبين التمسك بالشرع أو المهادنة والتهاون في التمسك به، فأصبحت المهادنة هي الأصل، والنفاق هو الأصل، والتنازل هو الأصل. فاختلطت الألوان عندهم حتى زالت الفوارق بين الدين واللادين، وأصبح الفرق بين الإسلام والعلمانية والديانات الأخرى مجرد فوارق في الألفاظ فقط، فقالوا إن الغرب عنده الديمقراطية والمسلمون عندهم الشورى، والغرب عنده النظام الجمهوري والمسلمون عندهم الأمير أو الخليفة، والربا هو تنمية للمال والقضية لا تعدو كونها تسميات لفظية، فلماذا التشدد والحرفية؟ وما يضير المسلمين إذا طبقوا أنظمة غيرهم ما دامت الفوارق لفظية فقط؟ خاصة وأن أنظمة غيرهم هي المطبقة والسائدة في كل أنحاء العالم، وأصبحت تتمتع بالعراقة والرسوخ. إن هذا الموقف من هؤلاء مغرقٌ في الضياع والضلال، حتى إنهم أضاعوا هويتهم، ويريدون من الآخرين اتباعهم في هذا الضياع والعياذ باللـه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته