Take a fresh look at your lifestyle.

  قل كلمتك وامش – سنون من عمر النكبة ح2

 

تكلمنا في الحلقة الماضية عن بعض مراحل نكبة المسلمين في فلسطين، وفي هذه الحلقة نتكلم عن مراحل أخرى وفصول أخرى مرت بها هذه النكبة، وسنركز في هذه الحلقة على موقف الدولة العثمانية من محاولات اليهود إقامة كيان لهم في فلسطين لخدمة أهداف الصليبية الغربية الحاقدة على الإسلام والمسلمين.

ابتدأت فكرة إقامة وطن قومي لليهود في أواخر القرن التاسع عشر، وبدأت بريطانيا رأس الصليبية  الحاقدة على الإسلام والمسلمين بتحريك اليهود وتشجيعهم على الاتصال بالدولة العثمانية دولة الخلافة لانتزاع الموافقة من السلطان عبد الحميد على السماح بهجرة اليهود إلى فلسطين للاستيطان فيها، وقد قام اليهود بمحاولات عديدة وبإغراءات كثيرة وكبيرة قدموها لخليفة المسلمين السلطان عبد الحميد – رحمه الله رحمة واسعة- ليوافق على مطالبهم وسنتعرض فيما يلي إلى أهم هذه الاتصالات ومواقف السلطان عبد الحميد منها وأجوبته لمن كلمه في ذلك. وللأوامر الرسمية التي كانت تصدر بشأن الهجرة إلى فلسطين.

  • – بدأت أول الاتصالات بالسلطان عبد الحميد – رحمه الله رحمة واسعة- عام 1876م، وفي هذه الاتصالات رفض السلطان رفضا ً قاطعا ً بيع مساحات من أراضي فلسطين ضاربا ً بكل العروض التي قدمها اليهودي ” حاييم غوديلا”.
  • – صدرت أوامر جديدة عام 1887م وجهت إلى متصرفي القدس ويافا تعلمهم بأنه يسمح لليهود بدخول فلسطين كحجاج أو زوار مقابل دفع 50 ليرة تركية عن كل رأس وتعهد بمغادرة فلسطين خلال ثلاثين يوما ً. وفي عام 1888م صدرت الأوامر بأن يحمل كل يهودي يأتي إلى فلسطين جواز سفر يوضح عقيدته اليهودية وفرضت على كل يهودي الحصول على سمة دخول من القناصل العثمانيين في بلادهم. وصدرت الأوامر إلى قناصل الدولة في مختلف البلاد بعدم دخول التأشير على جوازات سفر اليهود إلا بداعي الزيارة الدينية ولمدة محدودة، وعندما احتجت بريطانيا على هذه القوانين أوضحت الحكومة العثمانية لسفارة بريطانيا في اسطنبول أن إجراءات المنع لن تطبق إلا بحق اليهود الإنجليز الذين يأتون إلى فلسطين بأعداد كبيرة.
  • – لما فشلت جميع وساطات الأوروبيين بشأن الهجرة اليهودية، قرر هرتزل الذهاب بنفسه إلى استانبول للقاء السلطان لعرض المساعدات المالية اليهودية عليه وقد وصل إلى الآستانة في الثامن عشر من حزيران عام 1896م. اتصل هرتزل بكثير من الشخصيات العثمانية لترتيب لقاء مع السلطان ولكنه فشل في ذلك وأبلغه صحفي نمساوي كان صديقا ً له – أي لهرتزل- جواب السلطان عبد الحميد حيث قال: ” لا أقدر أن أبيع قدما ً واحدا ً من البلاد لأنها ليست لي بل لشعبي. لقد حصل شعبي على هذه البلاد بدمائهم وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا، إلى أن يقول – رحمه الله-: ” ليحتفظ اليهود بملايينهم فإذا سمحت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل، إنما لن تقسم إلا على جثثنا ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان”.
  • – وفي الرابع من شباط عام 1898م اجتمع هرتزل بالسفير العثماني في ألمانيا أحمد توفيق لبذل وساطته من أجل تحقيق المشروع الصهيوني مقابل القروض المالية، لكن السفير العثماني أخبره صعوبة امتلاك فلسطين، وأشار عليه بإمكانية توطين اليهود في أماكن أخرى من آسيا الصغرى شريطة أن يكون كسواهم من المواطنين العثمانيين غير مستقلين عن الدولة، وانتهى الاجتماع بعدم الاتفاق بين الطرفين.

ومن أجمل مواقف العزة والإباء ما حصل في الثامن عشر من أيار عام 1901م من نقاش بين هرتزل ورفيقه الحاخام موشيه ليفي من جهة وبين السلطان عبد الحميد من جهة أخرى.

قال هرتزل متزلفا ً ومنافقا ً موجها ً الكلام إلى السلطان بواسطة مترجم القصر الخاص: ” إني أكرس نفسي لخدمته لأنه يحسن إلى اليهود، واليهود في العالم كله مدينون له بذلك وإني بشكل خاص مستعد لتأدية أية خدمة له وخاصة الخدمات الكبيرة…” وأشار إلى الخدمات المالية لإصلاح الاقتصاد العثماني المتدهور وتصفية الديون المقدرة بمليون ونصف مليون جنيه، وعرض توسطه لإيقاف حملات صحف “تركيا الفتاة” في أوروبا، ثم لمح إلى أن الحركة الصهيونية تهدف إلى إيجاد  ملجأ لليهود في الأراضي المقدسة.

فبادره السلطان غاضبا ً: ” إننا نظن بأن بني قومكم يعيشون في الممالك المحروسة الشاهانية بعدالة ورفاه وأمن… وأضمن أنكم تعاملون نفس المعاملة الحسنة التي يعامل بها كافة تبعتنا دون تفريق أو تمييز ويعيشون في أمن واعتماد. هل لكم شكاية ما، أو هنالك معاملة غير عادلة لا نعرفها نحن؟”

أجاب الحاخام بخوف: ” أستغفر الله سيدنا.. بفضل شاهانتكم نعيش بكمال الرفاه. حاشا لا توجد لنا شكاية ما، إننا نسترحم فقط جعل قومنا العائش مشتتين فوق الأرض صاحب وطن في ظل شاهانتكم ليقوموا هناك بفرائض الشكر والدعاء لحياة سيدنا العظيم طول بقاء الدنيا”.

فرد السلطان منزعجاً، لا يمكن أن نعمل أكثر مما عملناه حتى الآن لجماعتكم حيث أنكم تستفيدون من كافة خيرات بلادنا كمواطنينا الآخرين بل أنتم متنعمون ومرفهون أكثر من سواكم، فأظنكم نسيتم الاضطرابات والعذاب الذي كنتم ترونه في أنحاء الدنيا”.

ثم وقف السلطان لحظة ودار نظره إلى هرتزل أولا ً ثم إلى الحاخام وقال له: ” أليس كذلك أيها الحاخام أفندي؟ إن بلادنا التي حصلنا على كل شبر منها ببذل دماء أجدادنا لا يمكن أن نفرط بشبر منها دون أن نبذل أكثر مما بذلناه من دماء في سبيلها” وأضاف السلطان: ” إني أحب تطبيق العدالة والمساواة على جميع المواطنين ولكن إقامة دولة يهودية في فلسطين التي فتحناها بدماء أجدادنا العظام فلا “.

من كل ما تقدم نرى كيف وقفت السلطنة العثمانية بوصفها دولة خلافة المسلمين سدا ً مانعا ً حصينا ً أمام أطماع اليهود ومن ورائهم الصليبيين. ولنا لقاء في حلقة قادمة لنتم الكلام عن مراحل نكبة المسلمين في فلسطين.

وفي الختام فإنني أسأل الله – تعالى- أن يهيء للمسلمين من يقودهم إلى العزة والنصر تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم، أبو محمد الأمين