مع القرآن الكريم – توجيه التهم وتصديقها وإشاعتها
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ . لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ . وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } سورة النور.
هذه الآيات الكريمة نزلت في حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها. وهي تشمل كل إفك يطال المسلمبن، إذ العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.
الآيات تبين حكم من يطلق التهم إبتداءا، وتبين حكم من يسمعها، وتبين حكم من ينقلها.
فالذي يطلق التهمة يجب أن يأتي عليها بالبينة الشرعية، فإن كانت تهمة زنا فيلزمها أربع شهود، وإن كانت تهمة سرقة أو قتل أو ردة فإنه يلزمها شاهدان، وهكذا. فإذا كان المرء لا يملك البينة الشرعية فإنه لا يجوز له أن يطلق التهمة حتى ولو كان متأكدا من حصولها، وهذا واضح من الآية الكريمة :{ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.
أما من يسمع التهمة فإنه يجب عليه أن ينظر في حال من يطلق التهمة وفي حال من توجه التهمة إليه. فإن كان الذي يطلق التهمة معروفا بالصدق والعدالة ويملك البينة فكلامه يمكن أن ينظر فيه ، فإن كان الذي وجهت إليه التهمة ليس معروفا بالتقوى والعدالة فتصديق التهمة جائز شرعا، وإن كان المتهم معروفا بالتقوى والعدالة فلا يجوز تصديق التهمة فوراً، ولا بد من التحري والاستقصاء، وهذا واضح من الحديث الشريف:” البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر”.
وأما إن كان من يطلق التهمة فاسقا أو مجهول الحال فإن تهمته لا تصدق حتى ولو كانت ضد فاسق، إلا اذا جاء بالبينة، وذلك وضح من قوله تعالى:{ يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}.
وأما من يحمل التهمة ضد المؤمنين المعروفين بالتقوى والعدالة والاستقامة، ولا يملك البينة فإنه لا يجوز تصديقه بحال من الأحوال، وهذا واضح من قوله تعالى:{ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}.
وأما إشاعة التهمة فإنه غير جائز حتى ولو كانت التهمة صحيحة والبينة عليها قائمة، لأن المطلوب هو الستر على المسلمين وليس فضحهم لقوله صلى الله عليه وسلم:( من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القامة)، إلا في حالات محددة مثل إثبات الحق في المحاكم، أو التحذير أو النصيحة أو منع المنكر. أما إشاعة التهمة الكاذبة أو التهمة التي لا بعرف المرء إن كانت صادقة أم كاذبة فإنه حرام لقوله تعالى :{ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ } وقوله:{ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا }.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته