مع القرآن الكريم – رفض تحكيم الشرع كفر
قال اللـه تعالـى: { ألـمْ تَـرَ إلى الذيـن يَزْعُـمونَ أَنّهمْ ءَامَنوا بما أُنزِلَ إليـْكَ وما أُنـزِلَ مِنْ قَـبْلـكَ يُـريدونَ أن يَتَحاكموا إلى الطّـغـوتِ وقدْ أُمِروا أن يكْفُروا به ويُريدُ الشيطانُ أن يُضِلَّهمْ ضلالاً بعيداً } .
وقـال تـعـالـى : { فلا وربِّكَ لا يؤمِنونَ حتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهمْ ثُمَّ لا يَـجِـدوا في أَنْفُسـهـمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ ويُسَلِّموا تَسْليماً} . وقـال تـعـالـى : {أَفَحُكْمَ الجـهليةِ يَبْغون ومَنْ أحسنُ مِنَ اللهِ حُـكْمـاً لِقَوْمٍ يـوقـنـون }.
في الآية الأولى أعلاه ينكر اللـه سبحانه على من يدعي (يزعم) الإيمان بما أنزل اللـه ومع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب اللـه وسنة رسوله، ذكر في سبب نزول هذه الآية الكريمة أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد، وذاك يقول: كعب بن الأشرف (وهو الذي سماه اللـه طاغوتاً).
وهذا يبيـّن لنا بشكل قطعي أن فصل الخصومات يجب أن يكون طبق الشريعة التي أنزلها اللـه على محمد صلى اللـه عليه وآله وسلم. وأن من يلجأ إلى قانون آخر فهو يلجأ إلى الطاغوت.
وقد أمرنا اللـهُ أن نكفر بالطاغوت، أي أخبرنا اللـهُ أن كل نظام وكل قانون لم تقره شريعة الإسلام هو كفر، ومن يتبعْ قوانين الكفر يَكُنْ قد اتبع إرادة الشيطان وضل ضلالاً بعيداً.
في الآية الثانية أعلاه يخبرنا اللـه سبحانه أن حكمه هو أحسن الحكم، وأن شريعته أفضل الشرائع، وأن كل حكم غير حكمه هو حكم الجاهلية. وليست الجاهلية هي عبارة عن فترة زمنية، بل هي حالة تحصل في كل زمان ومكان. فشرعة الأمم المتحدة اليوم هي جاهلية، وحضارة الغرب التي تسود العالم اليوم هي جاهلية، وكل حضارة تتبع الأهواء وتترك ما أنزل اللـه هي جاهلية. والشريعة التي أنزلها اللـه على محمد صلى اللـه عليه وآله وسلم هي خاتمة الشرائع. والذي أنزلها هو العليم الحكيم فلا يأتيها خطأ ولا باطل، وهو الرحمن الرحيم، أرحم من الأم بولدها، فليس في شرعه حيف ولا ظلم.
وفي الآية الثالثة أعلاه ينفي اللـه الإيمان بشكل جازم عن كل من يرفض الاحتكام إلى محمد رسول اللـه عليه وآله الصلاة والسلام، أي إلى الشرع الذي جاء به. فلا يوجد نص أبلغ وأوضح وأصرح من هذا النص.
فاللـه سبحانه يقسم لمحمد برب محمد { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم } . فماذا يقول العلمانيون الذين يفصلون الدين عن الدولة وعن السياسة، هل يقولون: نحن مسلمون علمانيون؟! قد يحصل من المسلم أحياناً أنه يخالف بعض أحكام الشرع، وهذه معصية، أما من يترك شيئاً من الشرع ويسنّ لنفسه أو لأسرته أو لبلده قانوناً آخر، أو عاداتٍ أخرى، أو أخلاقاً ومعاملات أخرى، معتبراً أن ذلك أفضل من الإسلام في هذه الأيام فذلك كافر بشكل قطعي، وهو خارج عن ملة الإسلام.
الإيمان إذا وقر في القلب فإن اللسان يصدقه والجوارح تعمل به. والآية الكريمة لا تكتفي بتحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم بل تشترط أيضاً أن يتقبل المرء حكم الشرع بنفس رضية مسلّمة تسليماً سواء كانت نتيجة الحكم الشرعي له أو عليه.
{ ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهَبْ لنا من لَدُنْكَ رحمةً إنكَ أنتَ الوهاب }.