مع القرآن الكريم – لا يوجد في القرآن ما يستحيل فهمه
قال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } [المائدة:15].
وقال تعالى: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران:138].
وقال تعالى: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [العنكبوت:49].
وقال تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [القمر:17].
وقال تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ص:39].
الآية الأولى وصفت القرآن أنه مبين، أي واضح. والآية الثانية وصفت القرآن أنه بيان، أي يوضح للناس. والآية الثالثة وصفت القرآن انه آيات بينات. والآية الرابعة وصفت القرآن أنه مُيَسَّر للذكر أي للفهم. والآية الخامسة قالت بأن الله أنزل القرآن ليتدبّر الناس آياته، أي لينعموا النظر فيها ويتفهموها.
ونحن نرى أن هذه الآيات جميعها تعم القرآن كله أي هو كله مبين وليس فيه آيات مبينة وأخرى غير مبينة. وكله بيان. وكله آيات بينات. وكله ميسر للفهم. وكل آياته مطلوب تدبرها وليس فيه آيات مستثناة من من التدبر.
ولذلك فالرأي القائل بأن الله أنزل في القرآن أموراً لا يمكن للناس فهمها هو رأي خاطئ يتصادم مع هذه الآيات. نعم قد يتعسر فهم بعض الآيات على بعض الناس، ولكنْ يفهمها الراسخون في العلم.
الموجود في القرآن هو المتشابه في مقابل المحكَم، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } فالمحكم، هنا، هو الواضح المعنى، والمتشابه هو حمّال الأوجه. وليس معنى المتشابه هو الذي يستحيل على الناس فهمه. فالأحرف في أوائل السور تحتمل أن تكون أسماء للسّور، وتحتمل أن تكون إشارة إلى الإعجاز، أي أن هذا القرآن المعجز ما هو إلا مؤلف من هذه الأحرف التي تستعملونها. وأما قوله تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } فإن المكان الصحيح للوقف فيها هو بعد لفظ (العلم) وليس بعد لفظ (الله)، أي أن الله يعلم تأويله والراسخون في العلم يعلمون تأويله. ولا يتسع المقام هنا لبسط الموضوع [انظر كتاب الشخصية الإسلامية – تقي الدين النبهاني، الجزء الثالث صفحة 172].
ولا يوجد في القرآن لفظ مهمل، بل كل لفظ فيه يؤدي معنىً. وألفاظ القرآن ليس لها باطن وظاهر، بل القرآن عربي ويفهم بلغة العرب. ولا يجوز صرف معانيه الظاهرة عما تفيده اللغة العربية إلا بصارف يذكره القرآن.
فالقرآن يسير على أساليب اللغة العربية، ويستعمل المجاز كما يستعمل الحقيقة.
هناك شيء من ألفاظ القرآن يتعلق بالمغيبات التي لا تقاس على المحسوسات مثل الجن والشياطين والملائكة، هذه لا يمكن تصوّر ذواتها تصوراً دقيقاً، فيُكتفى بالفهم الإجمالي الذي تفيده النصوص. وكذلك هناك الألفاظ التي تتعلق بذات الخالق عز وجل وصفاته وأفعاله، وهذه أيضاً لا تقاس على المحسوسات، وإنما تفهم فهماً إجمالياً بالقدر الذي تفيده النصوص، ويُتَوقَّف في فهمها عند ما ورد في النصوص، ولا يجوز للعقل أن يخوض فيها لأنها خارج نطاقه. نعم يجوز أن تُفهم فهماً مجازياً حسب اللغة العربية ما دام لا يحصل تعطيل ولا تجسيم ولا تشبيه، كفهمنا لقوله تعالى: { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي في رعايتنا، وقوله تعالى: { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي قدرة الله فوق قدرتهم .