مع الحديث الشريف – مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ
حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ” رواه البخاري
جاء عند الإمام ابن حجر في فتحه بتصرف يسير (( وفي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ ” مَنْ لَا يَرْحَم النَّاس لَا يَرْحَمهُ اللَّه ” وَهُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ ” مَنْ لَا يَرْحَم مَنْ فِي الْأَرْض لَا يَرْحَمهُ مَنْ فِي السَّمَاء ” وَعِنْدَ الْحَاكِم بِلَفْظِ ” اِرْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْض يَرْحَمكُمْ مَنْ فِي السَّمَاء”, وعِنْدَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط ” مَنْ لَمْ يَرْحَم الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرْحَمهُ اللَّه ” قَالَ اِبْن بَطَّال: فِيهِ الْحَضّ عَلَى اِسْتِعْمَال الرَّحْمَة لِجَمِيعِ الْخَلْق فَيَدْخُل الْمُؤْمِن وَالْكَافِر وَالْبَهَائِم الْمَمْلُوك مِنْهَا وَغَيْر الْمَمْلُوك, وَيَدْخُل فِي الرَّحْمَة التَّعَاهُد بِالْإِطْعَامِ وَالسَّقْي وَالتَّخْفِيف فِي الْحَمْل وَتَرْك التَّعَدِّي بِالضَّرْبِ.
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى مَنْ لَا يَرْحَم غَيْره بِأَيِّ نَوْع مِنْ الْإِحْسَان لَا يَحْصُل لَهُ الثَّوَاب كَمَا قَالَ تَعَالَى:{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان }, وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد مَنْ لَا يَكُون فِيهِ رَحْمَة الْإِيمَان فِي الدُّنْيَا لَا يُرْحَم فِي الْآخِرَة, أَوْ مَنْ لَا يَرْحَم نَفْسه بِامْتِثَالِ أَوَامِر اللَّه وَاجْتِنَاب نَوَاهِيه لَا يَرْحَمهُ اللَّه لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَه عَهْد, فَتَكُون الرَّحْمَة الْأُولَى بِمَعْنَى الْأَعْمَال وَالثَّانِيَة بِمَعْنَى الْجَزَاء, أَيْ لَا يُثَاب إِلَّا مَنْ عَمِلَ صَالِحًا, وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْأُولَى الصَّدَقَة وَالثَّانِيَة الْبَلَاء, أَيْ لَا يَسْلَم مِنْ الْبَلَاء إِلَّا مَنْ تَصَدَّقَ, أَوْ مَنْ لَا يَرْحَم الرَّحْمَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَائِبَة أَذًى لَا يُرْحَم مُطْلَقًا; أَوْ لَا يَنْظُر اللَّه بِعَيْنِ الرَّحْمَة إِلَّا لِمَنْ جَعَلَ فِي قَلْبه الرَّحْمَة وَلَوْ كَانَ عَمَلُهُ صَالِحًا. قَالَ : وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَفَقَّد نَفْسه فِي هَذِهِ الْأَوْجُه كُلّهَا, فَمَا قَصَّرَ فِيهِ لَجَأَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي الْإِعَانَة عَلَيْهِ .))
أن من أسباب ضمور الرحمة وانخلاعها من القلوب استغراق النفوس في الترف والملذات والمتع الجسدية وتنافس المترفين فيما بينهم في التفاخر والتباهي فيما يملكون من مظاهر الترف, بل وتكاد تموت الرحمة في قلوب المستكبرين الذين يطول عليهم الأمد في بحبوحةِ العيش وترف النعمة, فمن يعيشون في قصورهم العاجية ولا يعيشون أولم يذوقوا فقر الناس وحالهم أو فصلوا أنفسهم عن الناس ولا يذكرون هادم اللذات ولم يحسبوا ليوم الحساب حساباً فأنى لهم أن تلين قلوبهم.
ومن التوجيهات التي وجه الله بها عباده لخلق الرحمة ولين القلب قوله تعالى{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }الحديد16.
وما وروى مسلم عن عياض قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (أهل الجنةِ ثلاثةٌ, ذو سلطانٍ مقسط متصدق موفق,ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم, وعفيف متعفف ذو عيال)، وروى أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه واله وسلم يقول (لا تنزع الرحمةُ إلا من شقي).