شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح6) – المادة (131)
نص المادة 131:
الملكية الفردية في الأموال المنقولة وغير المنقولة مقيدة بالأسباب الشرعية الخمسة وهي:
(أ) العمل.
(ب) الإرث.
(ج) الحاجة إلى المال لأجل الحياة.
(د) إعطاء الدولة من أموالها للرعية.
(ه) الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد.
هذه المادة قيدت أسباب حيازة أصل المال, أي قيدت الحالات التي أذن الشارع فيها بالانتفاع بالعين, فيجب أن يفرق بين أسباب الملكية بالفعل, وأسباب تنمية الملك .
فالشارع بين السبب أو الحالة التي تم بها إنشاء ملكية المال للشخص بعد أن لم يكن مملوكاً, وبين اسباب تنمية الملكية له, أي أسباب زيادة المال الذي يملكه, وقد جاء الشرع لكل من الملك ومن تنمية الملك بأحكام تتعلق به, فالعقود من بيع وأجاره وغيرها, من الأحكام المتعلقة بتنمية الملك, والعمل من صيد ومضاربة وغيرها, من الأحكام المتعلقة بالملك أي بحيازة أصل المال, فهذه المادة تبين اسباب الملكية, ولا تبين اسباب تنميتها.
ولبيان دليل هذه المادة لا بد من استقراء الأدلة التي بينت أذن الشارع في الانتفاع بالعين, أي استقراء أدلة الملكية بالفعل, فتبين بعد الاستقراء إن اسباب الملكية خمسة, والدليل المطلوب يدخل تحت واحد من هذه الخمسة.
أما الأدلة على هذه الأسباب الخمسة فهي:
السبب الأول هو: العمل.
أدلته هي أدلة الأحوال التي يحوز فيها الفرد المال بالعمل ، أي تنشأ ملكية المال من حيث هو بالعمل ، وهذه الحالات سبعة وهي:
أولا: إحياء الأرض الموات
ودليله قوله عليه السلام: (من أحيا أرضا مواتا فهي له)، وقوله: (من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها)، وقوله: (من أحاط حائطا على أرض فهي له )، والأرض الميتة هي الأرض التي لم يظهر عليها ملك أحد من الناس، فلم يظهر فيها شيء من إحاطة، أو زرع أو عمارة أو نحو ذلك، وإحياؤها يكون بأي شيء يدل علي العمارة, من تشجير, أو زراعة, أو بناء أو غير ذلك، أو وضع سياج أو أوتاد ظاهرة، أو إحاطتها بحائط من الطوب أو الحجارة .
ثانيا: الصيد
ودليله قوله تعالى:{… وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا …}المائدة2، وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ …}المائدة96
وثالثا: السمسرة والدلالة أي ما يسمى بالعمولة في وقتنا الحاضر، وهي المال الذي يؤخذ من أحد المتبايعين لقاء جلب مشتر أو بائع لسلعة تجوز حيازتها .
والدليل على جواز السمسرة أو الأدلة هو ما رواه قيس بن غرزه الكناني قال: كنا نبتاع الأسواق في المدينة ونسمي أنفسنا السماسرة فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن من اسمنا، قال صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) فمعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن عملهم هذا.
رابعا : المضاربة
ودليله ما روي أن العباس بن عبد المطلب، كان إذا دفع مالا مضاربة، شرط على المضارب أن لا يسلك به بحرا وأن لا ينزل به واديا، ولا يشتري به ذات كبد رطب، فإن فعل ذلك فقد ضمن, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحسنه.
خامسا : المساقاة
ودليلها ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر مما يخرج من ثمر أو زرع).
سادسا:العمل للآخرين بأجر
ودليلها قوله سبحانه تعالى: {…. فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أجورهن …} الطلاق6، وما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: استأجر رسول الله رجلا من بني الديل هاديا خريتا وهو على دين قومه ، ودفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال.
سابعا: الركاز
ودليله قوله عليه السلام: (وفي الركاز الخمس) .
فهذه الأدلة للحالات السبع هي أدلة السبب الأول للتملك وهو العمل .
أما السبب الثاني من أسباب التملك: الإرث.
وهو انتقال المال من شخص ميت إلى شخص آخر أو أشخاص ، بسبب القربى المورثة شرعا, ودليله قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ……}النساء11
وهنالك آيات وأحاديث كثيرة تبين وتدلل على الإرث .
والسبب الثالث من أسباب التملك: هو الحاجة للمال لأجل الحياة.
ودليله دليل النفقة من كونها واجبة له إذا كان عاجزا عن الكسب فعلا ، كمن كان صغيرا، أو لا يستطيع العمل، أو كون النفقة واجبة حكما كمن لا يجد عملا وهو قادر على العمل، فالشرع أوجب نفقته على الأقارب، ثم على بيت المال، إذا لم يستطع الأقارب الإنفاق عليه ،فأدلة ذلك دليل على أنه يملك هذا المال الذي يأخذه نفقة، أي يأخذه من أجل الحياة.
والسبب الرابع: إعطاء الدولة من أموالها .
كإقطاع الأراضي ، وكإعطائها مالا لسد الديون ، أو لإعانة المزارعين.
ودليل إقطاع الأرض، ما روي عن بلال المزني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع)، وما روي عن عمر بن شعيب قال: (أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من مزينة أو جهينة أرضا)، وأما إعطاؤهم مالا لسداد الديون، فالله تعالى جعل من أسهم الزكاة (الغارمين)، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فمن ترك دينا فعلي ومن ترك مالا فلورثته)، ومعنى قوله صلى الله عليه (فعلي) أي على الدولة، وأما إعطاء المزارعين مالا للزراعة فقد أعطى عمر من بيت المال للفلاحين في العراق مالا غير مسترد، لإعانتهم وسد حاجاتهم ، فكان عمله هذا إجماعا.
أما السبب الخامس: وهو الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد.
فيشمل خمسة أحوال:
أحدها صلة الأفراد بعضهم بعضا كالهدية والهبة والوصية، فقد روي عن أبي حميد الساعدي قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، وأهدى ملك إيلية للنبي بغلة بيضاء وكساه بردا )، فهذا الحديث دليل على جواز الهدية, وقال عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابوا).
أما الهبة فدليلها قوله عليه صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه ).
وأما الوصية فدليلها قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن مالك: (أوص بالثلث والثلث كثير).
وثاني الحالات: استحقاق المال عوضا عن ضرر، كدية القتيل وديات الجراح، قال تعالى في الدّية: {…. وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ….}النساء92، وقال صلى الله عليه وسلم في ديات الجراح: (في السن خمس من الإبل).
وثالث الحالات: استحقاق المهر وتوابعه ، قال تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ….}النساء4
ورابع الحالات: اللقطة، فاللقطة يملكها من التقطها بشروطها، قال عليه السلام: )من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل، أو ليحفظ عفاصها ووكاءها فإن جاء صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها، وإن لم يجئ صاحبها، فهو مال الله يؤتيه من يشاء)
وخامس الحالات: تعويض الخليفة والمعاونين وسائر الحكام مالا مقابل حبسهم عن القيام بأعمالهم قبل استعمالهم بالقيام برعاية شؤون المسلمين. فقد ورد أن أبا بكر لما بويع للخلافة، خرج في اليوم الثاني يبيع الثياب كعادته قبل البيعة، فلقيه عمر فقال: إلى أين؟. قال إلى السوق، قال عمر: ومصالح المسلمين. قال أبو بكر ومن أين أطعم العيال؟ قال عمر: نفرض لك في بيت المال، فرجع وفرض له من بيت المال ما يكفيه وعياله، فكان ذلك إجماعا من الصحابة رضوان الله عليهم على تعويض الخليفة, ومثله تعويض المعاونين والولاة وسائر الحكام فهو تعويض وليس أجرة, كما هو معمول به في أنظمة الحكم اليوم.
وهكذا أيها الأخوة المستمعون: بينت لكم الأدلة على اسباب الملك الخمسة وهي أدلة قد ثبت بالاستقراء انه لا يوجد غيرها أسبابا للملك وهي الإذن الشرعي بالتملك, وما عدا هذه الأسباب الخمسة فهي اسباب لتنمية الملك كالتجارة والصناعة والزراعة, وليست أسبابا للتملك .
والى حلقة قادمة إن شاء الله ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق