مع الحديث الشريف من ولي من أمر المسلمين شيئا
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ يَا يَزِيدُ إِنَّ لَكَ قَرَابَةً عَسَيْتَ أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالْإِمَارَةِ وَذَلِكَ أَكْبَرُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ”مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ وَمَنْ أَعْطَى أَحَدًا حِمَى اللَّهِ فَقَدْ انْتَهَكَ فِي حِمَى اللَّهِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ قَالَ تَبَرَّأَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.” رواه أحمد
الخليفة مسؤول أمام الله عن ولاته واحداً واحداً في كل صغيرةٍ وكبيرة، وعليه أن يحسن اختيارهم ويراقب أعمالهم. فالأمير راعٍ وهو مسؤول عن رعيته وهذه المسؤولية ليست منصباً في الدنيا وحسب، لكنها موقف سيحاسب عليه أمام الله يوم القيامة.
وهذا ما فهمه السلَف الصالح فقد قال عمر بن الخطاب لمن حوله ( أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أ كنت قضيت ما عليّ..؟؟ قالوا نعم قال لا حتى أنظر في عمله.. أعمِلَ بما أمرته أم لا) وهذا ما فهمه عمر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ) الحديث، وقد عزم عمر بن الخطاب على الطواف في البلاد الإسلامية فقال ( لئن عشتُ إن شاء الله لأسيرنّ في الرعية حولاً فإني أعلم للناس حوائج تقطع دوني، أما عُمالهم لا يرفعونها إليَّ، وأما هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين ثم إلى الكوفة فأقيم بها شهرين ثم إلى البصرة فأقيم بها شهرين و الله لنعم الحول هذا ).
وهذه المتابعة والنظر لا تُسمى تجسساً ولا تدخل في بابه، لأن متابعة الولاة و الحكام من المسؤوليات الأساسية لضمان تنفيذ حكم الله في الأرض .
فقد شَكت طائفة سعد بن أبي وقاص فتحرى عمر الأمر و أوفد من يبحث عن حقيقة الشكوى بين أهلها فبعث، محمد بن مسلمة، يسأل عن سعد وسيرته في الرعية علناً. فالتنقيب عليه علناً لا يسمى تجسساً، وأن يكون عليه في تصرفاته رقيباً لا يعتبر تجسساً لأنه متعلقٌ بالرعاية والأمانة، فالأمير بوصفه مسؤول أمام الله عن الرعية فواجب عليه لتحقيق ذلك دوام المراقبة والمطالعة والبحث و تقصي الأخبار وحماية البلاد وتطبيق حكم الله في الأرض .
ولقد فهم أبو جعفر المنصور رحمه الله هذه القضية فهماً مستنيراً عندما نقرأ ما قاله ( ما كان أحوجني أن يكون عليّ بأبي أربعة نفر لا يكون عليّ أعفّ منهم قيل له يا أمير المؤمنين من هم؟ قال: هم أركان الملك لا يصلح الملك إلا بهم كما أن السرير لا يصلح إلا بأربعة قوائم، أما أحدها فقاضٍ لا تأخذه في الله لومة لائم والآخر صاحب شُرطٍ ينصف الضعيف من القوي والثالث صاحب خراجٍ يستقصي ولا يظلم الرعية فإني عن ظلمها غني، والرابع ثم عضّ على أصبعه السبّابة ثلاث مرات يقول في كل مرة آه قيل له من هو يا أمير المؤمنين قال: صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء عن الصحة )
ولقد فهم ما فهمه المنصور أغلب الخلفاء قبله وبعده فمروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين أوصى أن يدخل عليه صاحب البريد ليلاً ونهاراً لأن عدم دخوله ساعة يفسد أعمال الولاية سنة.