شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح11)،المادة 136
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
شرح لمواد الدستور المتعلقة بالنظام الاقتصادي في الإسلام
من مشروع دستور دولة الخلافة (من منشورات حزب التحرير).
(ح11)
شرح المادة 136 من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام
نص المادة 136:
((يجبر كل من ملك أرضا على استغلالها, ويعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من هذا الاستغلال, وكل من يهمل الأرض ثلاث سنين من غير استغلال تؤخذ منه وتعطى لغيره))
تبين هذه المادة أن كل من يحمل تابعية الدولة الحق في أن يتملك الأرض لاستغلالها , ولكنه إن لم يقم باستغلالها فأهملها ثلاث سنوات متوالية, فعلى الدولة أن تأخذها منه وتعطيها غيره، وله أن يأخذ من بيت المال ما يمكنه من استغلالها إن كان محتاجا للمال.
ودليل هذه المادة ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )(عادي الأرض لله ولرسوله, ثم لكم من بعد, فمن أحيا أرضا ميتة فهي له, وليس لمتحجر حق بعد ثلاث سنين))، فالشخص يملك الأرض الموات بعد أن يحييها أو يضع عليها سياجا أو حجارة أو وضع اليد عليها, وأما الأرض التي يملكها الشخص بغير الأحياء بالشراء أو الإرث أو الهبة أو غير ذلك, فإنها كذلك, إذا لم يستغلها ثلاث سنوات متتالية تؤخذ من مالكها, والدليل على ذلك, ما أخرجه يحيى بن أدم عندما قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من مزينة أو جهينة أرضا فعطلوها, فجاء قوم فأحيوها, فقال عمر: لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لرددتها ولكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لو كانت قطيعة من عمر أو من أبي بكر لما مر عليها ثلاث سنوات ولهذا لكان ردها, لأن مدة أبي بكر في الخلافة سنتان, ويظهر أن الحادث كان بعد مُضي سنة من تولي عمر ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم, أي منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولذلك لا أردها, وقول عمر رضي الله عنه: ((من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهي له))،
وحادثة بلال بن الحارث المزني: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع، قال: فلما كان زمان عمر قال لبلال, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجره على الناس, إنما أقطعك لتعمل, فخذ منها ما قدرت عمارته ورد الباقي))
فهذا يدل على أن الأرض التي يملكها الشخص بغير الأحياء وبغير وضع اليد, كأن كان يملكها بالإقطاع أو بالشراء أو الإرث أو غير ذلك, فإنها تؤخذ منه إذا لم يستغلها ثلاث سنين متوالية, وقد كان هذا أمام مرأى من الصحابة, ولم يسمع أنه أنكر عليه أحد منهم, لذا فإن ذلك إجماع, لأن هذا مما ينكر مثله, لأن إجماع الصحابة السكوتي هو إن فعل أحد منهم فعلا مما ينكر على ملأ منهم, لا ينكر عليه أحد, وهو دليل شرعي, وعليه تكون الأرض العامرة المملوكة لشخص إذا لم يعمرها ثلاث سنين متوالية تأخذها الدولة منه جبرا عنه ودون مقابل, ولا يقال أن هذا في الأرض المقطعة, لأن الموضوع ليس سؤالا, ولا حادثة حصلت, فكان النص خاصا بها, بل هو عام, فيكون عاما لكل أرض مملوكة, فالحكم يشمل الجميع الأرض المملوكة بالشراء أو الإقطاع أو الأحياء, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((وليس لمحتجر حق بعد ثلاث)).
وأما إعطاء الفلاحين من بيت المال ما يمكنهم من زراعة أرضهم فإن دليله ما فعل عمر رضي الله عنه في أرض العراق المفتوحة, فإنه لما فتحت العراق ترك الأرض تحت يد أهلها ولم يقسمها على المحاربين مع أنها من الغنائم, وأعطى الفلاحين مالا من بيت المال, يتقوون به على زراعة أرضهم, مع أنهم كانوا غير مسلمين بعد, ومع أن الفلاحين بوصفهم فلاحين ليسوا مما يستحقون شيئا من بيت المال ما داموا يملكون أرضا فلا يدخلون في الفقراء ولا في المساكين, فهذان الأمران مما ينكر مثلهما لمخالفتهما لأحكام الغنائم وأحكام بيت المال, فترك الأرض بيد أهلها بعد أن غنمها المسلمون, وعدم تقسيمها على المحاربين, فقد وجد في الصحابة من ينكره على عمر رضي الله عنه, وصار فيه نقاش بينهم وبينه, إلى أ ن قدم لهم عمر الدليل الأقوى فكان إجماعا سكوتيا, هذا الأمر الأول، أما الأمر الثاني وهو إعطاء الفلاحين في العراق من بيت المال مالا لزراعة أرضهم, فلم ينكره أحد على عمر, فكان إجماعا سكوتيا على أن الفلاحين يعطون من بيت المال ما يمكنهم من زراعة أراضيهم, فالإجماع ألسكوتي من الصحابة هو دليل هذه المادة.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو الصادق