شرح المادة 138 من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام الحلقة الثالثة عشرة
نص المادة 138:
((المصنع من حيث هو من الأملاك الفردية, إلا أن المصنع يأخذ حكم المادة التي يصنعها, فإن كانت المادة من الأملاك الفردية, كان المصنع ملكا فرديا كمصانع النسيج, وإن كانت المادة من الأملاك العامة, كان المصنع ملكا عاما كمصانع استخراج الحديد)) .
هذه المادة تبين أمرين بشأن المصانع أولهما: أن المصانع في الأصل هي من الملكية الفردية, وثانيهما أن المصانع يأخذ حكم المادة التي يصنعها.
فدليل الأمر الأول هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم استصنع خاتما, وأنه صلى الله عليه وسلم استصنع منبر المسجد في المدينة المنورة, فيدل استصناعه هذين الشيئين عند من يملك المصنع ملكا فرديا, أنه صلى الله عليه وسلم أجاز للأفراد أن يتملكوا المصانع, ثم إن الناس كانوا يستصنعون في أيامه صلى الله عليه وسلم أشياء عند من يملكون هذه المصانع فسكت عنهم, ودليل أخر أنه أرسل اثنين إلى جرش اليمن يتعلمان صناعة السلاح, مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم، أقر الملكية الفردية للمصانع سواء أكانت مصانع أسلحة, أم مصانع معادن أم مصانع نسيج أم غيرها, ولم يروي أحدٌ من الصحابة أنه نهى عن تملك المصنع من قبل الأفراد, ولم يرد أي نص على أن المصنع ملكية عامة, كما لم يرد أي نص أن المصنع ملكية الدولة, فيبقي الدليل عاما ولا يخصص إلا بمخصص, على أن المصانع داخلة في الملكية الفردية.
أما بالنسبة للأمر الثاني وهو أن المصنع يأخذ حكم المادة التي يصنعها فدليله هي القاعدة الشرعية التي نصها: (( أن المصنع يأخذ حكم ما ينتج))، وهذه استنبطت من الحديث الشريف أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله شارب الخمر وعاصرها ومعتصرها))، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: (( لعنت الخمر على عشرة أوجه, بعينها, وعاصرها, ومعتصرها, وبائعها, ومبتاعها , وحاملها والمحمولة إليه, وأكل ثمنها وشاربها وساقيها))، فالنهي عن عصر الخمر وليس نهيا عن العصر, وإنما هو نهي عن عصر الخمر, فالعصر ليس حراما, وإنما عصر الخمر هو الحرام, فالعصر والاعتصار قد حرما لتحرير الخمر , فأخذا حكم الشيء الذي جرى عصره, فالنهي منصب على العصر أي على صناعة العصر, فيكون منصبا على آلة العصر يعني على المصنع الذي يصنع الخمر, فالصناعة تأخذ حكم الشيء الذي يصنع, فجاءت حرمة المصنع من حرمة الإنتاج الذي ينتجه, فالمصنع الذي يصنع الألبان ويصنع المربيات ويصنع المنظفات وغيرها ليس حراما, أما المصنع الذي يصنع الخمور واللحوم الميتة حرام, فالأحاديث التي جاءت بهذا الشأن ليست دليلا على أن المصانع ملكية عامة, بل هي فقط دليل على أن المصنع يأخذ حكم المادة التي ينتجها, بهذا ينظر في المصانع, فإن كانت المواد التي تصنع فيها ليست من المواد الداخلة في الملكية العامة, كانت هذه المصانع ملكية فردية, كمصانع النسيج , ومصانع الحلويات والنجارة وما شاكل ذلك, وإن كانت المصانع التي تصنع المواد الداخلة في الملكية العامة, كمصانع المعادن التي تستخرج المعادن التي لا تنقطع, فإنها تكون مملوكة ملكية عامة, تبعا للمادة التي تستخرجها من ذهب أو فضة أو نحاس أو نفط, كتبعية حكم مصنع الخمر للخمر في الحرمة, ويجوز أن تكون مملوكة للدولة, باعتبار أن الدولة, هي التي يجب عليها أن تقوم باستخراج هذه المعادن نيابة عن الأمة الإسلامية, ولحسابها, أما مصانع قطع الحديد وطرقه, ومصانع السيارات وما شاكل ذلك, مما تكون مواده داخلة في الملكية الفردية, فإنه يجوز للأفراد أن يتملكوها، لأن المادة التي تصنعها, ليست من المواد الداخلة في الملكية العامة, وعلى ذلك, فكل مادة مصنعة مما هو داخل في الملكية العامة يجوز أن تكون مملوكتا ملكية عامة أو مملوكتا للدولة, كما يجوز أن تكون مملوكتا ملكية فردية لأفراد تستأجرها الدولة منهم, وكل مصنع تكون مادة صنعه مما هو داخل في الملكية الفردية, فإنه يجوز للأفراد أن يتملكوه من نوع الملكية الفردية.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو الصادق