Take a fresh look at your lifestyle.

محاضرة- الدولار والعملة البديلة – أبو عمر البدراني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لقد يسر الله لي دراسة مناسبة قبل كتابة هذا الموضوع للتعرف على طبيعة العملة الأمريكية -الدولار- وأسباب كونه عملة تحويل واحتياط دولية، واطلعت على كثير من الأرقام والإحصائيات والآراء الاقتصادية والسياسية،وكنت على وشك أن أضمن موضوعي هذا حصيلة مناسبة من هذه الأرقام لعلها تعطي المستمع الكريم فكرة مناسبة عن هذه المشكلة الصعبة -الدولار الأمريكي- ولكنني عدلت عن ذلك إلى فكرة التعامل مع الواقع الموجود، بمعنى أن ندرك واقع الدولار الآن وما أهيميته في المبادلات والتعاملات الأخرى وبالتالي على الحركة الاقتصادية.

أولاً -اتفاقية بريتون وودز-

تنادى الحلفاء بزعامة الولايات المتحدة عام 1944 لعقد مؤتمر في بريتون وودز للنظر في النواحي النقدية والتجارية الدولية بعدما أصابها من خلل خلال الحرب الكونية الثانية وكون الولايات المتحدة هي المنتصرة عملياً من حيث أن الحرب لم تطأ أرضها ولا بنيتها الاقتصادية من ناحية ومن ناحية أخرى تكدس ثلثي ذهب العالم في خزائنها المقدر (25 مليار دولار) آنذاك من أصل 38 مليار دولار أمريكي.
فقد جعل المؤتمر:

1- الذهب هو أساس نظام النقد الدولي، بمعنى أن تربط كل دولة عملتها بالذهب بتحديد وزن ذهبي لها مع عدم السماح بحرية التبديل بالذهب، ما عدا الدولار الأمريكي فهو الذي يسمح بتبديله بالذهب للأسباب المذكورة سابقاً.

2- جعل سعر أونصة الذهب (31.1) ملغرام بـ 35 دولار أمريكي قابلاً للتحويل وهذا يعني أن من يحوز أي مبلغ بالدولار يستطيع أن يبدله بالذهب بالسعر الرسمي وهو 35 دولار للأونصة، بينما إذا كان بحوزته أي عملة أخرى بحسب هذا القرار لا يستطيع تبديل ما بحوزته بالذهب.

وهذا ما جعل الدولار عملة احتياط، فبدل تخزين الذهب كاحتياطات للعملة، أخذت دول العالم تشتري الأوراق النقدية الذهبية -الدولار- وتجعلها بجانب الذهب في خزائنها، بعد ذلك حدثت عدة أزمات مالية في العالم، أدى ذلك إلى هروب المستثمرين نحو الذهب، فأخذوا باستبدال الدولارات بالذهب مما جعل الأرصدة الذهبية في الخزينة الأمريكية بالذوبان حتى جاء العام 1960 فتعادل الذهب والدولار بحيث وصلت نسبة التغطية الذهبية للدولار 100% وهي بحسب الإحصائيات كانت بواقع 188 مليار دولار تقريباً لكل من الأرصدة الذهبية والدولار مع العلم أنها كانت أكثر من 300% في الأربعينات وبدأت بعد ذلك رحلة التناقص واستمرت بعد العام 1960 كذلك إلى أن وصلت تغطية الذهب للدولار 50% فقط في العام 1965 أي بواقع 14 مليار دولار ذهب إلى 25 مليار دولار واستمرت في الزيادة حتى بلغت في آواخر 1970 إلى احتياطي ذهبي 11 مليار دولار مقابل 43 مليار دولار أي 25% مقدار التغطية الذهبية للدولار ثم جاء قرار الرئيس الأمريكي نيكسون في عام 1971 وقطع العلاقة بين الذهب والدولار بإزاحة التغطية الذهبية عن الدولار وتحرير الدولار من أي التزامات سابقة، وعملت الولايات المتحدة على جعل الذهب بضاعة وليست غطاء للعملة وصار الطلب على الذهب شديداً بحيث ارتفع سعره حتى زاد عن 160 دولار للأونصة الواحدة وذلك بسبب مشاكل اعترت الاقتصاد الأمريكي والدولار الأمريكي وبناءاً على هذه الزيادة أيضاً انخفضت قيمة الدولار ودخل بعدها الدولار في أزمات ما زالت قائمة حتى الآن.

إن هذا الإجراء لهو أكيد عملية سرقة ونصب وقعت فيما أعلم على وجه الكرة الأرضية.

هذه هي البلطجة الأمريكية، الاقتصاد العالمي يقوم بورقة هي الدولار قيمتها لا تزيد عن ثمن الورق والحبر الذي عليها.

ثانيا: قد يقال أن قيمة الدولار تستمد من قوة الاقتصاد الأمريكي الذاتية وبالتالي فإن للدولار قيمة حقيقية، والرد على ذلك هو أن الاقتصاد الأمريكي كان هو الأقوى حتى منتصف القرن العشرين وبعد ذلك تغيرت الأمور، ينقل الدكتور عبد الحي زلوم في كتابه حروب البترول الصليبية صفحة 383 تحت عنوان نهاية الإمبراطورية الأمريكية -قلب صناعي فارغ- ينقل تعليق ايمانويل تود مستشار الرئيس شيرال ((شخصياً أحب الولايات المتحدة، وحتى وقت قريب كانت أمريكا العامل الأكثر أهمية في الحفاظ على النظام الدولي، غير أنها تحولت الآن إلى عامل عدم استقرار فمن جهة فقدت أمريكا قوتها الصناعية وأصبحت تعاني من عجز قياسي في الميزان التجاري يصل حالياًَ إلى 435 مليار دولار وتحتاج البلاد إلى 1.5 مليار جنيه إسترليني يومياً كعملة صعبة ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على تلبية احتياجاتها الاقتصادية دون مساعدة الآخرين وبالمقارنة نجد أن قوة أوروبا تكمن في قدرتها التصديرية” ويقول: ” فقد ارتفع حجم العجز في الميزان التجاري الأمريكي من 100 مليار دولار عام 1990 إلى حوالي 600 مليار دولار حالياً _الطبعة العربية 2005- وهو العجز الذي يتم تمويله من خلال تدفقات رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة التي تعيد بذلك التجربة الاسبانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فمع تدفق شحنات الذهب من العالم الجديد استسلمت اسبانيا للإنتاجية القليلة وارتفعت معدلات الاستهلاك والعيش بمستويات عالية تتعدى القدرات الفعلية للبلاد وانتهاء بالوقوع في مصيدة التراجع الاقتصادي والتقني” انتهى الإقتباس.

هذا مع العلم أن الدين العام للولايات المتحدة بلغ 34 تريليون دولار وهو ثلاثة أضعاف الناتج القومي الأمريكي البالغ 12 تريليون دولار، لو أن هذه الأرقام بل أقل منها بكثير وقع في أية دولة أخرى سواء أوروبية أو روسيا مثلاً لأصابها انهيار تام وشلل اقتصادي وتغير في النظام والسلطة وما إلى ذلك والسبب أن عملة هذه البلاد ليست عملة محررة من القيود كالدولار، فإذا طبع ذلك البلاد نقوداً ورقية إضافية انخفضت قيمتها بنسبة كمية الطباعة، بينما الولايات المتحدة تطبع ما تريد وتنقل هذا التضخم في عملتها المحلية من داخل الولايات المتحدة إلى خارجها ويتحمل عنها الاقتصاد العالمي كافة التبعات السيئة، فتشتري البنوك المركزية في اليابان والصين وألمانيا ودول أوروبا وغيرها ما وجد فائضاً من الدولارات حفاظاً على اقتصادها الذاتي كونه يعتمد في الاحتياط النقدي على الدولار بشكل رئيسي ومن ثم يحافظ على الاقتصاد الأمريكي من الضعف والتفكك.

فمثلاً مقابل إنتاج الأوبك من النفط المقدر بـ 30 مليون برميل يومياً وبسعر 55 دولار تطبع الولايات المتحدة 1650 مليون دولار يومياً مقابلها أي ما يزيد عن 6 مليار دولار سنوياً، فالنفط قيمة حقيقية والدولار لا قيمة حقيقية له، ولأن النفط مقدر بالدولار فالدول تنتج والولايات المتحدة تطبع وتضخ في الأسواق دولاراتها وعلى دول العالم امتصاص ما يوجد في السوق من دولارات وهكذا تغطي أمريكا نفسها بثروات غيرها.

-إذاً مديونية عامة تزيد 34 تريليون دولار.
-عجز في ميزان المدفوعات يزيد عن 600 مليار دولار.
-عجز بل عجوزات في الميزان التجاري مقابل كثير من الدول مثل الصين والدول الأوروبية.
-دولارات ضائعة في العالم لا قيمة لها إلا وهم قوة الولايات المتحدة.

كل هذا يؤدي إلى النقطة الثالثة:

ثالثاً: قرار إنهاء الولايات المتحدة من الخارج.

لقد جاءت هيمنة الدولار كعملة دولية بقرار سياسي وصنعت المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لحماية العملة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي من الزوال، ولكن النتيجة الراهنة التي تعيشها الولايات المتحدة كارثية، فقد تنبهت كثير من الدول إلى الورطة التي حلت بها نتيجة استناد عملتها إلى الدولار، وهي أنه في حال هبوط قيمة الدولار فهذا يعني تبخر قيمة المدخرات والاحتياطات الدولارية، لذلك عملت أوروبا للوصول إلى أوروبا الموحدة، فوصلت إلى الوحدة الاقتصادية ووحدت عملتها باليورو الذي دخل في احتياطات كثير من الدول وكذلك في المعاملات التجارية الدولية، وأخيراً اتفقت روسيا والصين على جعل الروبل واليوان عملة تجارية بين بلديهما في محاولة للتخفيف من آثار الدولار عليهما.

فماذا لو أن الصين امتنعت عن شراء الدولار وسندات الخزينة الأمريكية؟ وهي التي تنتج الآن 3 آلاف طن من الذهب سنوياً.

ماذا لو جاء نظام وقال لا للدولار، مثلما هيمن الدولار بقرار سياسي فإن إسقاطه أيضاً سيكون بقرار سياسي شجاع من نظام يرفض الهيمنة الأمريكية ويملك من المقومات الفكرية والاقتصادية ما يمكنه من ذلك مع أن بعض الدول الآن تملك اقتصاد حقيقياً يؤهلها على اتخاذ هذا القرار ولكنها أجبن من ذلك فالنفعية حطمت هيبة الدول وكثير من كرامتها أمام الاستعمار والهيمنة الغربية وخصوصاً الأمريكية.

إن النظام المؤهل لاتخاذ هذه الخطوات هو نظام الإسلام (الخلافة) فكيف ذلك:

حتى يكون الحل واضحاً جلياً أضفه ضمن نقاط محددة:

1- إن الواقع العملي يقول أن العملات في العالم من حيث طبيعتها :

أ‌- إما أنها تستند إلى الذهب كلياً أو جزئياً، أما كلياً فإما أن تكون العملة ذهباً أو ورقاً نائباً عن الذهب وتكون مغظاة بكامل القيمة المحددة في القانون، وجزئياً أن تكون التغطية الذهبية ليست كاملة فهي 75% أو 50% أو أقل من ذلك.

ب‌- أن لا تستند إلى الذهب وتسمى النقد الإلزامي وهو أن يصدر قانون بصفة هذه الورقة النقدية وقيمتها كالدولار واليورو مثلاً.

هذا هو الواقع بالنسبة للعملات العالمية والمحلية والحاصل أن الدول تصدر وتستورد الخدمات والبضائع وتحب أو تشترط أن يدفع لها بعملة معينة سواء بعملتها المحلية أو بأي عملة دولية أخرى وهذا يحتم أن تحوز الدولة المقابلة العملة المناسبة للشراء من هذه الدولة.

فالشرع يجيز اقتناء هذه العملات من أجل شراء المواد والبضائع التي تلزم الدولة والناس باعتبارها أشياء والأصل في الأشياء الإباحة.

والحاصل أن المسألة في إسقاط عملة من عدم إسقاطها وإنما هو في رفع الهيمنة الدولية لصاحبة تلك العملة عن بلاد المسلمين فالمسألة ليست في الامتناع عن استخدام الدولار والجنيه الإسترليني وما شابه ذلك وإنما في رفع هيمنة الولايات المتحدة على دول العالم عبر استخدامها للدولار من كونه عملة احتياط وتسعير وتبادل دولية، لذلك فإن اتخاذ الدول عملات خاصة بها يحد من سيطرة الدولار على اقتصادياتها واحتياطاتها من العملة الأمريكية.

أما استخدام الدولة الإسلامية (الخلافة) للذهب والفضة كعملة أي نقد أو أساس للعملة فإنه آت من اعتباره حكماً شرعياً فالإسلام يوجب على الدولة اتخاذ الذهب والفضة عملة لها ودليل ذلك:

1- قول الله سبحانه: {…. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }التوبة34، فالنهي في الآية خص الذهب والفضة وليس أي مال آخر لأنها أداة التبادل النقدي مع العلم أن جمع أي مال آخر يسمى احتكاراً ولا يسمى كنزاً، فالكنز بمعنى جمع الذهب والفضة حصراً بالنقد ألذي بالذهب والفضة.

2- أن الشرع ربط أحكاماً شرعية معينة بالذهب والفضة خصوصاً وذلك لأنها نقد ومنها تعيين الزكاة في الذهب والفضة، وكون حد السرقة في ربع دينار ذهب فصاعداً وتعيين ألف دينار ذهباً دية القتل في أصل الذهب واثني عشر ألف درهم فضة.

وإعتبار الصرف لا يكون إلا في الذهب والفضة، واعتبر الزيادة عن صرف الذهب بالذهب ربا وحرمه وكذلك الفضة بالفضة، وجعل التفاضل بين الذهب والفضة جائزاً ولكن يداً بيد، وكذلك الصرف بين الذهب والفضة وباقي العملات جعلها بالتفاضل ولكن يداً بيد.

من هنا نفهم الكيفية التي نتعامل بحسبها مع كافة العملات المحلية للدول الأخرى والتي تسمى الآن عملات دولية، فالتعامل بهذه العملات بيعاً وشراءً ليس لاتخاذها عملة احتياط أو نقد وإنما عملة للتبادل التجاري فحسب فالتبادل مباح مطلقاً بأي شيء مطلقاً لأن (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم).
قلنا أن العملات الأخرى إما فضة وذهب أو ورق نائب عن الذهب والفضة كلياً أو جزئياً أو ورق إلزامي قانوني غير مرتبط بالذهب والفضة.

فنحن في ظل دولة الخلافة أما نتعامل بالذهب والفضة مباشرة وإما بالورق النائب عن الذهب والفضة بحيث يستبدل عند الطلب بقيمته من الذهب والفضة كاملاً، فالدينار الذهبي يساوي 4.25 غرام، فمن الممكن طباعة ورقة بديلة عن هذا الدينار الذهبي لأنه أخف وزناً وأسهل للتعامل ولكن عند الاستبدال نستطيع أن نستبدله فوراً عن الطلب من الجهة المخولة بالاستبدال (مثلاً مصارف تكون موزعة في مدن وقرى الدولة تقدم هذه الخدمة سواء من قبل الدولة أو مصارف أهلية) أو ممن يملك قطعاً ذهبية كدنانير أو غير دنانير فالعبرة بالوزن لا بالشكل أو النقش الموجود على القطع الذهبية، فقد تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم بقطع فارسية ورومية ويمنية منقوش عليها وغير منقوش، الذي كان معتبراً هو الوزن والوزن كان وزن أهل مكة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الوزن وزن أهل مكة» وكذلك يقال عن الفضة ولكن بوزن آخر غير وزن الذهب.

ويُعمل بنظام الذهب ونظام الفضة سوية لتسهيل عملية التبديل وتقسيم العملة وأجزاءها وقيمها حتى تستوعب كافة عمليات البيع والشراء والاستبدال والصرف مع ملاحظة أن عمليات الصرف يجب أن تكون حاضراً يداً بيد، أي في نفس المجلس، فإذا كان من جنس واحد أي ذهب بذهب، أو فضة بفضة، فهي وزن بنفس الوزن من نفس الجنس وإن اختلف الشكل، أي قطعاً ذهبية بالتبر، فالعبرة هو الوزن لا الشكل، وكذلك الفضة بكافة أشكالها وأنواعها وزناً بوزن وكلها بنفس المجلس من حيث التقابض، أما الذهب بالفضة والعكس فيتفاضل الوزن ولكن التقابض في نفس المجلس.

وعند شراءنا لعملة أجنبية ذهباً نأخذ وزناً بوزن يداً بيد داخل الدولة وخارجها فالعبرة للحكم الشرعي لا للزمان ولا للمكان، وكذلك إن كانت فضة، فتطبق الأحكام الشرعية نفسها مع عملة الدولة.

فإن كانت أوراق نقدية مغطاة بقيمة معينة من الذهب أو الفضة، فإنها تؤخذ بقيمة ما فيها من الذهب أو الفضة فقط دون زيادة أو نقص وإلا كان رباً إذا كان النقد من جنس واحد ويجوز التفاضل باختلاف جنس النقد وإن كانت أوراق إلزامية كالدولار واليورو، ليس لها قيمة من الذهب والفضة فإنها تشترى بحسب ما فيها من قوة شرائية، والأصل أن نحوز من هذه العملات الإلزامية بقدر ما نحتاج، ولا أن نكدسها في بلادنا، لما في ذلك من مخاطر فقدانها لقيمتها بقرار ما من دولتها مثلاً، فنتكبد خسائر لا داعي لها سواء على صعيد الدولة أو الأفراد، وعلى صعيد آخر فإن احتياج الدولة أو الأفراد لهذه العملات هو حسب احتياجنا لبضائع تلك الدولة أو بحسب سياسة دولة الخلافة تجاه تلك الدولة وهذا بحسب السياسة الخارجية ومقتضيات حمل الدعوة وهذا موضوع آخر.

وعلى الدولة الإسلامية أن تقلل حاجتها بأقل قدر ممكن للدول الأخرى فالأصل فيها أن تشترى وتدخل للدولة ما هو ضروري من الناحية الإنسانية كالطعام مثلاً وما هو ضروري لقوة الدولة من سلاح ومواد إستراتيجية وأن تنمي قدراتها الذاتية من المأكل والمشرب والملبس والمواد الضرورية للصناعة سواء الصناعة العسكرية أو المدنية والطاقة والمواد المؤثرة في التقدم الصناعي والاتصالات وما شابه ذلك، وهذا يؤدي إلى قلة الاتصال مع الدول الأخرى وبالتالي يؤدي إلى تعاظم عوامل الاستقرار داخل الدولة وخارجها، وإن كان حجم العلاقة التجارية بينها وبين الأمم الأخرى مع كل هذا الحرص سيكون كبيرا، بحسب احتياج تلك الدول إلى كثير من بضائعنا، مما يجيز لنا الشرع أن نبيعه للدول الأخرى المعاهدة مثلاً والمحاربة حكماً سواء من المواد الطبيعية كالمواد الخام أو المواد الصناعية والزراعية والخدمات الأخرى، وما نحتاجه نحن بطبيعة الحال.

من هذا كله يتبين أن العملات ضمن هذه المعالجة ستصبح محلية لا دولية وأن نظام الذهب هو الذي سيتجه إلى الشيوع والانتشار، لعوامل الاستقرار الناتجة عن استخدامه فالذهب والفضة لها قيمة ذاتية في نفسها، ليست موجودة في العملات الأخرى الإلزامية.

من الملاحظ أن الدول الاستعمارية فقط هي التي استخدمت أسلوب النقد الإلزامي من أجل الاستعمار، بغض النظر عن المخاطر التي يتعرض لها الناس أو الدول كما هو مشاهد عملياً ومحسوس الآن.

لذلك فإن وجود نظام الخلافة بالإضافة لكونه ضرورة شرعية لأنه فرض، فهو ضرورة بشرية لأن هذا الوجود من أهم عوامل الاستقرار الدولي على الإطلاق وكفي أن أحكامه آتية من التشريع الإلهي الخالي من الأنانية والجشع واستنزاف ثروات الشعوب والأمم.

هذه هي الطريقة العملية للخلاص من هذه المعاناة التي تعيشها الشعوب في زمن الاستعمار زمن الحرية الاقتصادية الكاذبة التي خلفت تحكم حفنة جشعة من البشر لا تزيد عن 1% من السكان في مصير البشرية، دون رادع من دين أو دولة أو خلق، هذه هي الرأسمالية هذه هي أمريكا ودولارها، فالمسألة هي بإيجاد نظام بديل صحيح يقوم على أساس روحي وهو الإيمان بالله خالقاً مدبراً للبشر وعيشهم، يجعل أساس العيش عبادة الله لا جمع الثروة، بل يجعل الثروة في خدمة هذه العقيدة التي أوجبت على الحاكم أن يرعى رعيته بتقوى الله وأن يحافظ على كرامتها ودينها وثروتها وأن يكون هو أحد أفراد هذه الأمة خادم لها لا متسلط عليها، وأن يكون مقياس الحياة الحلال والحرام لا التبعية المادية، فيوجد بين الناس دين ودولة إنسانية تعالج مشاكل الناس تبعاً لإنسانيتهم لا باعتبارهم وسائل إنتاج وعمل، أو مرتزقة قتل وحماة سلطة.

إن وجود هذا النظام سيكون مثيراً، وسيواجه ردود أفعال مختلفة قد تكون خشنة أو أقل من ذلك، ولكنه وبغض النظر فإن هذا النظام هو الذي سيكون.
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33)} التوبة
.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو عمر البدراني