Take a fresh look at your lifestyle.

سـاعة مكاشفة-ذكرى هدم الخلافة- الأستاذ أبو إبراهيم

 

 

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيـبين الطـاهرين, ومن تـبـعه وسار على دربه, ودعا بدعوته, واستن بسنــته إلى يوم الدين, واجعلنـا معهم، أما بعد

قال الله تـعالى في محـكـم كتـابـه وهو أصدق القائلين: (قــل إن ربي يـقذف بالحق علا م الغـيوب، قــل جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد، قــل إن ضللـت فإنـما أضل عـلى نـفسي، وإن اهتـديت فبـما يوحي إلي ربي إنـه سميع قـريب).

إخوة الإيمان: يا من يتمسكون بالكتاب, يا رهط الأبرار , تعالـوا إلى ساعة من المكاشـفـة والمحاسبة وتقييم الذات, تعالـوا إلى وقفـة صدق في مقام الحق، تعالـوا إلى لـحظة استشراف عـلوية نسمو فـوق ارتكاسات الحمأ والطـين ، تعالـوا نـقـف بين يدي ربنـا، نــقـيــم ما لنـا وما عـلينـا, ما قدمنا وما أخـرنا، تعالـوا فإن لهذه الوقـفـة ما بعدها، فاليوم مضمار وغـدا السباق، يا قوم ما للعبث خـلـقنـا، وما ابتـعثـت أمـتــنـا إلا لتظــل مشغولـة بـجديـة الحياة, وارتياد المعالي، وقيـادة الركب, واكتساب الفضائل ، فـليخل كــل منـا بنـفـسه ويعلـو في آفاق ذكرياته.

هل مر بأحدكـم يوم ذاق فيه طـعم العزة ؟
هل دنت فكانت قاب قوسين أو أدنـى؟.
ليت شعري هـل هجرتــنـا أم تخـلـينـا عنها؟
ألا تـرون أن العذاب يصب عـلينـا صبا ؟
أما ترون أن الفتـن تـحيط بـنـا إحاطـة السوار بالمعصم ؟
ألا تـرون أن يومنـا أشد عـلينـا من أمسنـا؟
أما ترون أنــا نـفـقـد عزيزا غائبا عـنـا منذ ثمان وثمانين سنة ؟

لا طـعم لحياتنـا ولا لوجودنـا بدونه،

ألا تـرون أن الشــكوى والتـشكي لا يردان حقـا ولا يرفعان ضيما ، ولا ينكآن عدوا ؟

ألا تـرون أنـنا بحاجة إلى عزم وإرادة، ومثابرة لتـغيير هذا الحال ؟

يا أولي الألباب, وأولي النـهى وأولي الحجى! أفبعد هذه الأحوال من مزيد؟

أولم يأتكـم نـبأ أجدادكـم العظام كيف كانـوا يفتـحون الأرض, ويحررون الشعوب, يخرجونـهم من الظــلـمات إلى النـور , ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. كــل ذلك وهم يحملون ألوية الحق والعدل .

إخوة الإيمان: كـنـا نـأتي الأرض نـنــقـصها من أطرافـها غـالـبين فاتحين منتصرين، وعندما ذهب سنـدنا، ذهبت ريحنـا وذهبت أرضنـا وضاع جاهنـا، وزال من الأرض سـلطانــنـا يوم أن أعـلن نـعي الخلافـة للمسلمين، وسكتـوا عن ذلك ولـم يبذلـوا المهج والأرواح في سبيل إعادتها للحياة، يوم أن فـقـدت أرض المسلمين حارسها وسيدها وحاميها، يوم أن بكت أرض الإسلام عـلى الأعزة وعـلى العزة التي كانـت ترفــل بـها، يوم أن اسود أديم الأرض حزنا, يوم أن داست سنـابـك الأعداء ثــرى أرضها الطـهور، يوم أن زفـرت الأرض حسراتها، آه عـلى أيـام الفـتح ، آه عـلى أيـام الجهاد.

إخوة الإيمان: لقـد ضاعت أرضنا يوم غـرز العدو راياته في أهاب أديمها، يوم أن جاس العدو خلال الديار ، لم تـعد تـعرف هذه الأمة لـون السماء والضياء، يومها انكفـأت الأرض حزينـة تـداعب ذراتـها أجساد شهداء الله في أحشائها تهمس إليهـم وتـناجيهـم وتستـنـهـض رجولتـهم أن استـيقظـوا فقـد قـدم الغرباء، هـبوا فقـد استأسد الجبناء, انتفضوا جاهدوا فـقـد بغـى الأشقياء, أغيثـوني فقـد نـكـص عـلى أعقـابـهم الأبنـاء، أنجـدوني فقـد غشيني الأعداء، أعيدوا لي نصرتي فـبـغـير ولي أمري مالي من هناء ولا من رجاء … أنـا فلسطين, أنـا حطـين, أنـا اليرموك, أنـا عين جالوت، أنـا أرض الشـهداء, وأرض الأنبياء، أنـا الأقصى وما حولـه، أنـا موطن الإسراء، أنـا الأرض قـد زويت لخير الأنبياء، فتـباركت, وباركت النجباء الأصـفياء…

إخوة الإيمان: أيها الأحبة: إن أعداءنا ما نـاموا حيث نمنـا، ولا غــفلـوا حين غــفلنـا عن واجـبـنـا, ألـم يأن للعـقـلاء من هذه الأمة أن يرجعوا إلى ربـهم، ويعترفـوا بخـطيئـتهم ويمسكـوا عن اللـجاجة في باطلهـم؟؟ أليس بحسبنا ما نـحن فيه، فـشــل إثـر فـشـل , ولـطـمات تـلـو لـطـمات؟.

هل حصدنـا غـير الشـوك الدامي؟ كان عـلى هذه الأمة أن تغضب لربها غضبا منبعثا من عقيدتها وإرادتها؛ إن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قـريش يوم نـقـضت عهدها قد جاء بالفتح العظيم ، وإن غضب الرشيد قد أدب عـلـوج الروم، وإن غـضب المعتصم لله قد أحرق عمورية، وما حولـها وذاد عن أعراض المسلمين!
أما غـضبنا نـحن فزفـرات وانفعالات بلا عمـل ولا إرادة، غضب الضعيف الكـليل أمام مارد مجرم . فأي غضب يكون للفـت أنظـار العالم ونحن نهمل مراقبة الله، وقد اتـخذنـاه وراءنـا ظهريا ، وأمنـا مكره، فـلا يأمن مكر الله إلا القـوم الخـاسرون.

لا أيها الأخوة , معادلـتـنـا غير متـوازنـة وطريقـنا مـلتوية عرجاء, ومن ارتجى من أعدائه أن ينصفـوه فـعليه أن يستقيل من الحياة والتاريخ والوجود، فمن لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقم به الهدى جار به الضلال.

إخوة الإيمان: إن أولوياتنا قد اختلـطـت علينـا، وإن قضايانـا المصيرية قد اختلـت موازينها، وإن مواقف الصدق في حياتنـا قد تضاءلـت بل اندثرت، وإن مثــلــنـا العـليا قد أبهـمت حتى سأل سائل: أأنتـم أضـللتـم هؤلاء أم هم ضـلــوا السبيل؟.

فـنادى بـهم مشفق: ــ عـلى طـريق أبـلـج ــ يا أغراض المنـايـا، يا رهائن الموت، يا من غـرتـهم الفتـن, وحيل بينـهم وبين الحق مسافـات، بـحق أقول لـكـم: هـلـم إلي فما نـجا من نـجا إلا بمعرفـة نـفسه, وما هـلك من هلك إلا مـن تـحت يده.

إخوة الإيمان: لا نـريد أن نـظل نـتـمسك بـمقـولـة عبد المطــلب:((إن للبيت ربا يحميه)) صحيح أن الله هو رب كــل شيء، ومليكـه ولكنـه انتدبـنا، وابتعـثــنـا لنـكـون قـوتـه الضاربة وسيفـه المسلـول المسـلـط وعذابه النـازل عـلى أعدائه, وعقابه الأليم عـلى من عصى وأبى واستكبر. فالقـدس لنـا وفلسطين لنـا.. والعراق لنـا وكــل بـلاد المسلمين لنـا, فـلا تـميتـوا عـلينـا دينـنـا هداكـم الله، ولا تــقتــلوا العـزة في نــفوسنـا، واعرفـوا قدر أنفـسكـم وقليلا من ذاتية الاحترام واحترام الذات.

إخوة الإيمان: ارفـعوا رؤوسكـم بأعظـم شرف وأعـلى وسام , واستـعلـوا بدينكـم, واستـعزوا بعزة ربــكم، وتـيـقـــنوا من هيمنـة دينكـم عـلى الدنيـا قريبا ، وعدا لا يخلـف، وإرادة لا تـهـزم, وصدقا منجزا إذا صدقت العزائم. يقول صلى الله عليه وسلم: ” كـيف بك يا ابن حوالـة إذا نـزلـت الخلافـة الأرض المـقدسة فهناك الزلازل والبلايا والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب من يدي هذه من رأسك”.

إخوة الإيمان: إياكـم ودعاة الذلــة، الفـظـوا من وجودكـم أهـل المسكـنـة والصغـار، والذين رضوا أن يكـونـوا مع الخوالف من النـساء والصبيان وأشباه الرجال ، حاولـوا إنعاشهم ما وسعكـم جهدكـم، وبادروا إلى النـجاة فقد دقـت ساعة المـفاصـلة. ألا وإنـكـم في أيـام أمـل من ورائه أجـل, فمن قـصر في أمله قـبل حضور أجـله فقـد خـيب عمـلــه. ألا فاعمـلـوا بالحق ليوم لا يـقضى فيه إلا بالحق تــنزلـوا منازل الحق. لا تـبرروا عبـاد الله استسلامكـم للنــكـبات بجراحكـم الغـائرة، ودمائكـم النـازفـة، وتـخــلـي النـاس عنكـم، وتآمر العالـم كــلـه علـيكـم.لا تفعـلـوا ذلك. فوالذي بيده ملكـوت السموات والأرض لـميتـة في طـاعة الله خـير من حياة في معصيـته.

إخوة الإيمان: لما كان يوم اليمامة في حروب الردة, جرح أبو عـقيل الأنصاري, ورمي بـسهم فوقع قريبا من فـؤاده، فـأخرج السهم, وقـد وهن نصفـه الأيسر، فجر إلى الرحل , فلما حمي القتـال, وانهزم المسلمون أمام جيش مسيلمة, وانحازوا إلى رحالهم, وأبو عـقيل واهن في جـراحه، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد: يا للأنصار، الله، الله، الكرة على عدوكـم أخلـصونـا واخلـصوا إلينـا، فنـهض الأنصار رجلا رجلا ، يميزون.

يقول ابن عمر: فنـهض أبو عـقـيل يريد أن يقـوم للجهاد، فقلت: الى أين يا أبا عـقيل؟ أفيك قتال ؟ قال: قـد نـوه المنادي باسمي، قال عبد الله بن عمر لـه: إن المنادي يقول: الأنصار وليس الجرحى. فقال: أنـا رجـل من الأنصار أجيبه وألـبي ولـو حبوا , فـتـحزم أبو عـقيل وأخذ سيفـه بيده مجردا ، ثـم جعل ينادي يا معشر الأنصار ، كـرة كيوم حنين فاجتمعوا يقدمون المسلمين واقتحموا على عدوهم الحديقـة ، واختـلطـت السيوف بالأجساد و قـطعت يد أبي عـقيل المجروحة من المنكـب فـوقـع عـلى الأرض ، وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كــل واحد منها قاتل، وقــتـل عدو الله مسيلمة.

إخوة الإيمان: قال ابن عمر: فـوقـعت على أبي عـقيل وهو صريع بآخر رمق فقــلت: يا أبـا عـقيل! قال لبـيك ــ بلسان ملتاث ــ قال: لمن الدبـرة ؟ قــلت: أبشر, قــتـل عدو الله مسيلمة ، فـرفـع إصبعه إلى السماء يحمد الله، والتـحق بركـب الشهداء.

إخوة الإيمان: هاهم آباؤنـا وأجدادنـا! فيا معشر المنهزمين أمام عدوكـم، يا معشر المبررين لهزائمكـم واستسلامكـم ألا تـتـأسون بهؤلاء الجرحى المشرفين على الموت؟!

إن من سرى الليل الداجي تنبثق تباشير الصباح . وبعد الغـروب شروق, ولكــل ليل نهاية , ومهما طـال ظـلام الليل فلا بد من طــلـوع الفـجر , وشروق الشـمس التي تـبـدد الظـلام وتنشر الدفء والضيـاء. (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقـريب)؟! (إنـهم يرونـه بعـيدا ونراه قـريبا).

فهـل تـصحوا أمـة الإسلام أمة الجـهاد, فـتـهب عـليها رياح النـصر وتـتـزيـن لها رياض الجـنـة؟.

وختاماً إخوة الإيمان نسأل الله عز وجل أن يقـر أعينـنـا بـقيام دولة الخلافـة, وان يجعلــنـا من جـنـودها الأوفـياء المخلصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام علـيكـم ورحمة الله وبركـاتـه.

أبو إبراهيم