الإسراء والمعراج.. بشائر نصر وتمكين-سلسلة قل كلمتك وامش – أبو محمد الأمين
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أرسل الله – سبحانه وتعالى- رسوله محمدا ً بن عبد الله رسولا ً إلى الناس كافة، وكانت بداية دعوته في مكة المكرمة حيث ولد ونشأ وترعرع، ولقد عرفته صادقا ً أمينا ً لا تشوب سلوكه شائبة حتى عرف بـ ” الصادق الأمين”.
دعا زوجته خديجة – رضي الله عنها- فآمنت، ودعا صديقه المقرب أبا بكر – رضي الله عنه- فآمن ودعا غيره إلى الإيمان فآمن عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وغيرهم وبدأت الدعوة تفشو في مكة، ولم يمض طويل وقت إلا وجمع قريشا ً عند الصفا، ووقف – عليه السلام- على الصفا وخاطب من حضر من قريش قائلا ً: ” أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا ً بسفح هذا الجبل، أكنتم تصدّقون؟ قالوا: نعم، أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا ً قط”. قال: ” فإنني نذير بين يديّ عذاب شديد. يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، يا بني زهرة، يا بني تيم، يا بني مخزوم، يا بني أسد، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وإني لا أملك لكم من هذه الدنيا منفعة، ولا من الآخرة نصيبا ً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله..” أو كما قال – عليه السلام-، فقام أبو لهب فصاح: ” تبا ً لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟ ” فنظر عليه السلام إلى عمه ثم ما لبث إلا أن جاء الوحي بقوله – تعالى-: ” تبت يدا أبي لهب وتب…” إلى آخر السورة.
بدأت قريش تعتدي على من آمن بالإسلام فتارة تضربهم وتارة تعذبهم بوضع الحجارة الثقال على صدورهم تحت أشعة الشمس المحرقة لما رأت من خطر هذه الدعوة على مكانة قريش وزعمائها، وكان كلما تقدم محمد – صلى الله عليه وسلم- في دعوته داعيا ً إلى ترك عبادة الأصنام والتوجه بالعبادة إلى الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد كلما ازدادت قريش في تعنتها وصلفها وغيها.
اعتصم الرسول – صلى الله عليه وسلم- بقومه من أذى قريش كما اعتصم بخديجة – رضي الله عنها- من هم نفسه، فقد كانت رضي الله عنها بصدق إيمانها وعظيم حبها له عليه السلام، وزير صدق تسرّي عنه همومه وتقوي من عزيمته في الدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى-، أما باقي المسلمين فقد وثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، وكان كلما اشتد أذى الكفار على المسلمين اشتد إيمانهم وقويت عزائمهم وازدادوا إصرارا ً على الدعوة إلى الإسلام – الدين الجديد- الذي أقض مضاجع قريش خوفا ً على مكانتها ومكانة زعمائها.
استعملت قريش وسائل ثلاث لمقاومة دعوة الرسول – عليه السلام- كان أولها التعذيب الذي تحدثنا عنه حديثا ً مجملا ً، ثم الدعاية المضادة بأنواعها في كل مكان في مكة، وخصوصا ًفي موسم الحج حيث اتفق زعماء قريش على اتهام محمد – صلى الله عليه وسلم- بسحر البيان حيث بدأوا يذيعون ذلك بين وفود الحجاج ويحذرونهم من الاستماع لمحمد لأنه ساحر البيان، وما يقول إلا سحرا ً يفرق فيه بين المرء وزوجه، وأخيه وأمه وأبيه، وعشيرته التي تؤويه. لكن هذه الدعاية لم تنفع بل أتت بنتائج عكس ما أرادت قريش، فصارت الوفود تجتمع إليه وتسمع منه حتى ولو من باب الفضول. لكن جميع أساليب الدعاية ضد الرسول – صلى الله عليه وسلم- ، وضد الإسلام أخفقت أمام قوة الحق الذي يدعو إليه الرسول – صلى الله عليه وسلم- في صورته الواضحة التي تتجلى على لسانه – عليه السلام- كانت تعلو على جميع الدعايات.
ثم رأت قريش أن التعذيب وسلاح الدعاية ضد الإسلام والرسول – عليه السلام- لم تنفع، رأت أن تستعمل سلاح المقاطعة وكتبوا كتابا ً تعاهدوا فيه على مقاطعة الرسول – عليه السلام- وأقاربه من بني هاشم وبني عبد المطلب مقاطعة تامة معتقدين أن سلاح المقاطعة سيكون أشد أثرا ً من سلاح التعذيب، وكتبوا صحيفة بذلك علقوها داخل الكعبة.
لجأ الرسول وأقاربه والمسلمون إلى شعب أبي طالب في مكة، واستمرت المقاطعة ثلاث سنين إلى أن هيأ الله نفرا ً من قريش تعاهدوا على نقض الصحيفة ورفع المقاطعة عن الرسول وأقاربه والمسلمين، وحينما ذهبوا للصحيفة في جوف الكعبة وجدوا أن الأرضة قد أكلتها، ولم يبق منها إلا: ( باسمك اللهم).
خرج الرسول وأصحابه من الشعب، وازداد أذى قريش لهم وازادات في تعذيبهم. وفي العام العاشر من البعثة وبعد نقض الصحيفة بشهور، توفي عمه أبو طالب ثم ما لبثت أن توفيت السيدة خديجة – رضي الله عنها- ففقد بموتهما حماية عمه أبي طالب وحنان زوجته خديجة – رضي الله عنها-، ولشدة حزن الرسول- صلى الله عليه وسلم- عليهما سمي ذلك العام ” عام الحزن” فاشتد أذى قريش للرسول – صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين، وأخذت قريش تمعن في إيذاء وتعذيب المسلمين. هكذا فقد تحجر مجتمع مكة ولم يعد بالإمكان نشر الدعوة فيه، ففكر الرسول – عليه السلام- بعرض نفسه على القبائل في موسم الحج وفي مضاربهم.
خرج الرسول – عليه السلام- إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام ويطلب منهم النصرة والمنعة بتبليغ دين الله، لكن ثقيف ردتهم ردا ً قبيحا ً فقد أغرت به صبيانها وسفهاءها فرموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه الشريفتين، وبهذا فقد أغلقت أبواب البشر أمامه ولم يبق إلا باب الله – سبحانه وتعالى- الذي أرسله رحمة للعالمين، ولقد تجلى ذلك واضحا ً في دعائه ومناجاة ربه الذي يرعاه ويحوطه من كل سوء، فقد روي أنه وقف بجانب بستان وهو في طريقه راجعا ً إلى مكة فقال: ” اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك. لك العتبى حتى ترضى ولاحول ولا قوة إلا بك”.
بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر كيف يدخل مكة وهي التي تقاومه وتؤذي أصحابه، فكيف بها الآن وقد علمت ما فعلت ثقيف به، فبالتأكيد ستكون نظرات الشماتة أشد إيلاما ً من لسع سياط الجلد والتعذيب، ولكن الله – سبحانه وتعالى- لم يتركه ولن يتركه؛ فقد هيأ له المطعم بن عديّ الكافر ليدخله مكة تحت حمايته وفي جواره، ورغم كل هذه الأحداث فقد بقي الرسول – صلى الله عليه وسلم – مثابرا ً على الدعوة إلى دين الله ويعرض نفسه على القبائل ووفودها التي تأتي إلى مكة، وازداد أذى قريش وتعذيبها للرسول وللمسلمين. وفي هذه الأثناء وفي ليلة من ليالي مكة جاء الملك إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- وأيقظه وأركبه البراق وسرى به إلى المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وفي المسجد الأقصى صلى إماما ً بالنبيين والرسول من قبله وبعد انتهاء الصلاة عرج به عليه السلام إلى السماوات العلى عند سدرة المنتهى حيث رأى من آيات ربه الكبرى، وعاد من ليلته إلى فراشه في مكة وأصبح يحدث أهل مكة بقصة إسرائه ومعراجه لكنهم لم يصدقوه حتى أن بعضا ً من المسلمين ارتد عن الإسلام لأن مداركهم لم تستطع تحمل هذه القصة إلا أبوبكر الصديق – رضي الله عنه- فإنه ما لبث أن قال عندما أخبروه بالقصة: ” إن كان قالها فقد صدق”.
وعندما أسري به – صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى وعرج به إلى السماوات العلا وكأني بالله – سبحانه وتعالى- يقول لرسوله الكريم: إن كان قومك قد كذبوك وآذوك وعذبوا أصحابك واستغلق مجتمع مكة أمامك فإنني سآتي بك إلى السماوات العلا لتصل عند سدرة المنتهى نواسيك فنطيب خاطرك عما حصل لك في الدنيا، وسترى مما سنريك من آياتنا الكبرى ما تقر به عينك وتطمئن به نفسك، ولتعلم أننا أرسلناك إلا مبشرا ً وهاديا ً ونذيرا ً وإننا سننصرك نصرا ً من لدنّا يكون عزيزا ً مؤزرا ً.
ولم يمض طويل وقت عليه – عليه السلام- إلا وبدأت طلائع النصر والتمكين تبدو من يثرب، فلقي ستة نفرمن قبيلة الخزرج فعرض عليهم الإسلام فأسلموا وذهبوا إلى قومهم داعين إلى الإسلام وعادوا إلى مكة في العام الذي يليه فبايعوا بيعة العقبة الأولى ثم تلتها في العام الذي يليه بيعة العقبة الثانية وهي بيعة نصرة وحماية وقتال. فقد هاجر – صلى الله عليه وسلم- بعدها إلى المدينة وأقام دولة الإسلام التي أخذت تدعو إلى الإسلام في عزة ومنعة وصار – عليه السلام- بسير الجيوش ويقوم بالغزوات.
وهكذا فقد كان الإسراء والمعراج بشرى نصر وتمكين، ومن المصادفات الرائعة أن الناصر صلاح الدين دخل بيت المقدس يوم الإسراء والمعراج، فهل سيكون يوم الإسراء والمعراج في العام القادم يوما ً يدخل فيه خليفة المسلمين على رأس جيشه بيت المقدس ويطهره وفلسطين كلها من دنس يهود، نرجو الله أن يكون ذلك.
وختاما ً نسأل الله – تعالى- أن يمن علينا بنصر من عنده نصرا ً يعز الإسلام والمسلمين ويرفع راية الإسلام على العالم الإسلامي الموحد إنه نعم المولى ونعم النصير.
والسلام عليكم ورحمة الله،
أخوكم، أبو محمد الأمين