شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح23)- من منشورات حزب التحرير – شرح المادة (144)
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
شرح المادة 147-ج2
إخوتي الكرام:
أتابع معكم شرح المادة147 والتي تحدثنا فيها في الحلقة السابقة عن بعض الحاجات والجهات التي يجب على المسلمين الإنفاق عليها في حال خلو بيت المال من المال، حيث تحدثنا عن نفقات الجهات وما يلزم له، وتحدثنا عن نفقات الصناعات الحربية وما يلزم لها من صناعات ومصانع،.
أما الجانب الثالث الذي يجب على المسلمين الإنفاق عليه في حال خلو بيت المال من المال فهو:
1. نفقات الفقراء، والمساكين، وأبناء السبيل، فالإنفاق عليهم مستحق في حالة وجود المال في بيت المال، وفي حالة عدم وجوده، فإن كان المال موجودا في بيت المال أنفق منه عليهم، فإن لم يكن في بيت المال مال انتقل وجوب الإنفاق عليهم إلى المسلمين، لأن الإنفاق على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، قد فرضه الله على المسلمين في الزكاة والصدقات وغيرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ” ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به” لذلك إن كان في بيت المال مال للإنفاق على الفقراء، والمساكين، وأبناء السبيل، أنفق عليهم منه، وإلا انتقل وجوب الإنفاق عليهم إلى المسلمين، وفرضت الدولة على المسلمين ضرائب لذلك، بالقدر الكافي، للإنفاق عليهم.
2. نفقات رواتب الجند، والموظفين، والقضاة، والمعلمين، وغيرهم ممن يقدمون خدمة يقومون بها في مصالح المسلمين، فإنهم مقابل تقديمهم هذه الخدمة يستحقون الأجرة عليها من بيت المال، واستحقاق الصرف لهم من الحقوق اللازمة، سواء أكان في بيت المال، أم لم يكن فيه مال، فإن كان في بيت المال مال، صرف منه لهم وإن لم يكن فيه مال، انتقل وجوب الصرف عليهم إلى المسلمين، لأن الله سبحانه قد جعل السلطان للأمة، وأوجب عليها أن تنصب خليفة، تبايعه على السمع والطاعة على العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، ليقوم بهذا السلطان نيابة عنها، وليرعى شؤونها وفق الكتاب والسنة. ورعاية شؤونها لا تتم إلا بإقامة أجهزة الدولة، من حكام، وقضاة، وجند، ومعلمين وموظفين، وغيرهم. وإقامتهم متوقفة على دفع تعويضات، ورواتب لهم. وما دام أن الله قد أوجب على المسلمين إقامتهم، فإنه يكون يقد أوجب على المسلمين دفع تعويضاتهم، وأجورهم، بطريق الالتزام. فقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاة، والعمال، والكتّاب، وفرض لهم أعطيات. كما أقام الخلفاء من بعده الولاة، والعمّال، والقضاة، والكتّاب والجند، وفرضوا لهم الأعطيات من بيت المال.
لذلك إن كان في بيت المال مال، صرف عليهم منه، وإن لم يكن في بيت المال، فرضت الدولة على المسلمين ضرائب، للإنفاق عليهم، بالقدر الذي يُحتاج إليه.
3. النفقات المستحقة على وجه المصلحة، والإرفاق بالأمة، والتي تُنفق على المرافق، التي يُعتبر وجودها ضرورة من الضرورات، وينال الأمة ضرر من عدم القيام بها، مثل الطرقات العامة، والمدارس، والجامعات، والمستشفيات، والمساجد، وتوفير المياه، وما شاكل ذلك. فاستحقاق الصرف لهذه الأمور يُعتبر من الحقوق اللازمة، سواء أوجد مال في بيت المال، أم لم يوجد. فإن وجد مال في بيت المال، صرف على إقامة هذه المرافق، وإن لم يكن في بيت المال مال، انتقل وجوب الصرف عليها إلى الأمة، لأن الصرف عليها واجب على المسلمين، لأن عدم إقامتها يؤدي إلى ضرر بالأمة، والضرر تجب إزالته على الدولة والأمة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”. وقوله: “ما ضارّ أضرّ الله به، ومن شاقّ شاقّ الله عليه”.
ولا يجوز أن تفرض الضرائب على الأمة للنفقات التي تجب على بيت المال في حالة وجود المال فيه، لا في حالة العدم، وذلك كالنفقات التي تُصرف على المرافق التي تقيمها الدولة، وتوفرها للناس على سبيل المصلحة والإرفاق، ولا يوجد ضرر يلحق بالمسلمين من عدم القيام بها، ومن عدم توفيرها، مثل فتح طريق ثانية، أو عمارتها، مع وجود غيرها يغني عنها، ويسدّ مسدّها، ومثل بناء مدرسة، أو جامعة، أو مستشفى، يوجد غيرها يسدّ مسدّها، ويغني عنها، أو مثل توسعة الشوارع التي لا تستدعي الضرورة توسيعها، ومثل إقامة المشاريع الإنتاجية التي لا يترتب على عدم إقامتها أيّ ضرر بالأمة، كإقامة مصنع لاستخراج النيكل، أو الكحل، أو إنشاء حوض لبناء السفن التجارية، وأمثالها. فإن جميع هذه الأمور تقوم بها الدولة عندما يكون عندها في بيت المال مال فاضل عن نفقات الجهات التي يلحق الأمة ضرر من عدم القيام بها، فإن لم يكن في بيت المال مال، لا تقوم الدولة بها، ولا يجوز أن تُفرض ضرائب لأجلها، لأنه لا ينال المسلمين ضرر من عدم القيام بها، لذلك فإنّ إقامتها ليست واجبة عليهم.
وعليه فإنه إن وُجد في بيت المال مال، صرف منه على إقامة وتوفير المرافق الضرورية، وإذا لم يكن في بيت المال مال، فرضت الدولة ضرائب على المسلمين بالقدر اللازم، للإنفاق على إقامة هذه المرافق، وتوفيرها.
4. نفقات الحوادث الطارئة من مجاعات وزلازل وطوفان، أو هجوم عدو، فاستحقاق الإنفاق على هذه الأمور غير معتبر بالوجود، بل هو من الأمور اللازمة في حالة وجود المال في بيت المال، وفي حالة عدم وجوده. فإن كان المال موجوداً في بيت المال، وجب صرفه في الحال على ما يحدث من هذه الطوارئ. وإن كان المال غير موجود، صار فرضاً على المسلمين، ويجب أن يُجمع منهم في الحال، دون إبطاء، فإن خِيفَ الضرر من التأخير، استقْرَضَت الدولة ما يكفي للإنفاق على ما يحدث من هذه الطوارئ، ثم تسدد ما اقترضته مما تجمعه من المسلمين. ودليل وجوبه على المسلمين حديث: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به”، وحديث: “أيّما أهل عَرْصَةٍ أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله”. هذا بالنسبة للمجاعات، وأما الزلازل والطوفان، فإن أدلة وجوب إغاثة الملهوف، ووجوب رفع الضرر عن المسلمين هي أدلة وجوب الصرف عليها من المسلمين.
هذه هي الجهات التي يجب على المسلمين الإنفاق عليها في حالة عدم وجود مال في بيت مال المسلمين، والتي يجب على الدولة أن تقوم بفرض ضرائب على المسلمين لأجل الإنفاق عليها، في حالة عدم كفاية واردات بيت المال الدائمية، وواردات الحمى من الملكيات العامة للإنفاق عليها.
وتؤخذ الضرائب من المسلمين، مما يَفْضُلُ عن إشباع حاجاتهم الأساسية والكمالية بالمعروف، حسب حياتهم التي يعيشون عليها. فمن كان عنده من المسلمين فضل عن إشباع حاجاته الأساسية، والكمالية، أخذت منه الضريبة، ومن كان لا يَفْضُلُ عنده شيء بعد هذا الإشباع لا يُخذ منه شيء، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى”. والغنى ما يستغني عنه الإنسان، مما هو قدر كفايته لإشباع حاجاته. وروى مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ابدأ بنفسك فتصدّق عليها فإن فَضُلَ شيءٌ فلأهلك، فإن فَضُلَ عن أهلك شيءٌ فلذي قرابتك، فإن فَضُلَ عن ذي قرابتك شيءٌ فهكذا وهكذا -يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك”. فأخّر من تجب عليه نفقته عن نفسه، ومثل ذلك الضريبة، لأنها مثل النفقة، ومثل الصدقة، والله سبحانه وتعالى يقول: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} أي ما ليس في إنفاقه جهد، وهو الزائد عن الحاجة. وتُؤخذ الضريبة على جميع المال الزائد عن الحاجة، لا على الدخل.
وتُفرض الضرائب بقدر الحاجة والكفاية لتغطية العجز في النفقات اللازمة على الجهات السابقة المذكورة. ولا يُراعى في فرض الضرائب منع تزايد الثروة، أو منع الغنى، أو زيادة واردات بيت المال، ولا يُراعى في فرضها إلا كفايتها لسد النفقات اللازمة لهذه الجهات، ولا يُؤخذ أكثر من ذلك، لأن أخذه يكو ظلماً، لكونه غير واجب على المسلمين أن يدفعوه، والظلم ظلمات يوم القيامة.
ولا يجوز للدولة أن تفرض ضرائب غير مباشرة، كما لا يجوز أن تفرض ضرائب على شكل رسوم محاكم، أو على الطلبات المقدمة للدولة، أو على معاملات بيع الأراضي وتسجيلها، أو على المسقّفات، أو الموازين، أو غير ذلك من أنواع الضرائب غير السابقة، لأن فرضها من الظلم المنهيّ عنه، ومن المكس الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة صاحب مكس”.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة إن شاء الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق