Take a fresh look at your lifestyle.

شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام – الحلقة الخامسة والعشرون المادة مئة وتسعة وأربعون

 

نص المادة : 149

    (واردات بيت المال الدائمية هي: الفيء كله، والجزية، والخراج، وخمس الركاز، والزكاة، وتؤخذ هذه الأموال دائميا سواء اكانت هنالك حاجة أم لم تكن).

      تبين هذه المادة واردات بيت المال الدائمية الخمسة هذه، مع أن لبيت المال واردات أخرى مثل الملكيات العامة بأنواعها، وأملاك الدولة، والعشور، ومال الغلول من الحكام، ومال ما لا وارث له، ومال المرتدين، والضرائب، وأدلتها جميعاً جاءت في القرآن والسنة المطهرة، فدليل الفيء قوله سبحانه وتعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ …} الحشر7، وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الحشر6، (فجعلها الله تعالى للرسول خاصة)، ثم كانت غزوة بني قريظة بعد أن نقضوا العهد، وخانوا المسلمين، وانضموا إلى الأحزاب في غزوة الخندق، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم اموالهم على المسلمين، وجعل للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهما، ثم جاءت غزوة خيبر، بعد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم هدنة مع قريش في الحديبية، ففتحها الله على رسوله وعلى المؤمنين عنوة، وملكه أرضهم، وديارهم،  وأموالهم، فقسم الغنائم والأرضيين بعد أن خمسها،  وجعل والأرضيين ألفا وثمان مائة سهم، ثم عامل أهلها عليها،  على النصف مما يخرج منها من التمر والحب.

      أما الجزية: فهي حق أوصل الله المسلمين إليه من الكفار، خضوعا منهم لحكم الإسلام، ويلتزم المسلمون للكفار الذين يعطون الجزية بالكف عنهم، والحماية لهم.

      ودليلها قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة29

      وتؤخذ الجزية من اهل الكتاب من اليهود والنصارى، وتؤخذ كذلك من غير أهل الكتاب مثل المجوس والصابئة والهندوس والشيوعيون، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخذها من مجوس هجر،  وأن عمر رضي الله عنه قد أخذها من مجوس فارس، وأن عثمان رضي الله عنه أخذ الجزية من البربر.

      وتؤخذ الجزية من الرجال العقلاء البالغين، ولا تؤخذ من صبي أو مجنون أو امرأة، وتسقط الجزية بالإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس على مسلم جزية).

       ومقدار الجزية ليس واحدا وليس محددا بحدا واحد، بل ترك لرأي الخليفة واجتهاده، ويراعى فيه ناحية اليسار والضيق، ويعين لها وقت استيفاء، يبدأ بأول محرم وينتهي في أخر ذي الحجة، ومصرفها مصرف أموال الفيء حسب ما يراه الخليفة وفق رأيه واجتهاده.

      أما الخراج، فهو حق للمسلمين يوضع على الأرض التي غنمت من الكفار حربا او صلحا، ويكون خراج عنوة وخراج صلح، وقد جاء دليله في القرآن الكريم في الآيات التي احتج بها عمر بن الخطاب لرأيه في عدم تقسيم أرض العراق والشام ومصر على المقاتلين، وهي: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ(8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} الحشر.

      أما خمس الركاز، فالركاز هو المال المدفون في الأرض، فضة كان أو ذهبا أو جواهر أو لآلئ أو غيرها من حلي وسلاح، سواء أكان كنوزا مدفونة لأقوام سابقين، كالمصريين والبابليين والأشوريين والساسانيين والرومان والأغريق وغيرهم، وكالنقود والحلي والجواهر التي توجد في قبور ملوكهم وعظائمهم، أو في تلال مدنهم القديمة المتهدمة، أم كان نقودا ذهبية, مخبأة في الأرض من أيام الجاهلية أو الأيام الاسلامية الماضية، فكل ذلك يعتبر ركازا.

      والأصل في الركاز، ما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (العجماء جرحها جبار، وفي الركاز الخمس)، وما روي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وفي السيوب الخمس قال: والسيوب عروق الذهب والفضة تحت الارض) ذكره أبن قدامة في المغني.

      وعلى ذلك فإن كل مال مدفون من ذهب أو فضة أو حلي أو جواهر أو غيرها، وجد في قبور أو في تلال أو في مدن الامم السابقة، أو وجد في أرض ميتة أو في الخرب العادي، أي القديمة نسبة الى عاد من دفن الجاهلية، أو من دفن المسلمين في عصور الإسلام الماضية يكون ملكا لواجده،  يؤدي عنه الخمس لبيت المال.

      أما الزكاة فأدلتها كثيرة، قال سبحانه تعالى: {… وَآتُواْ الزَّكَاةَ …} البقرة43، وقال عليه الصلاة السلام لمعاذ بن جبل: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، وهذه كلها أدلة تفيد الوجوب، فأداء هذه الأموال فرض، ولذلك تؤخذ دائمياً سواء أكانت هنالك حاجة أم لم تكن، لأن الله فرضها والفرض يجب أداؤه.

   وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الإقتصادي في الإسلام نستودعكم الله،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعدها للإذاعة: الأستاذ أبو الصادق