عادات وتقاليد في رمضان – أم حنين
مِصرُ أرضُ الكنانةِ التي شَهَدت نصرَ الله لسيدُنا موسى عليه السلام على فرعونَ عليه لعنة الله. والتي ذُكرت في القرآنِ الكريم. مصرُ أرضُ الكنانةِ كيفَ تستقبلُ شهرَ رمضانَ المبارك؟
عُرفت مِصرُ من بينِ كلِ بلادِ المسلمينَ بفانوسِ رمضانَ وبالمسحراتي. فاستُخدِمَ الفانوسُ فى صدرِ الإسلامِ للإضاءةِ ليلاً للذهابِ إلى المساجدِ وزيارةِ الأصدقاءِ والأقاربِ. وقد عَرفَ المسلمون في مِصرَ الفانوسَ فى الخامسِ من شهرِ رمضانَ سنة خمسٍ وثمانينَ وثلاثمُائةٍ هجرية. وقد وافقَ هذا اليومَ دِخولُ المعز لدينِ اللهِ الفاطمي القاهرةَ ليلاً ليجعلَها عاصمةً للخلافةِ. فاستقبلَه أهلُها بالمشاعلِ والفوانيسِ وهتافاتِ الترحيبِ. ثَم مع الوقتِ راحَ الأطفالُ يطوفونَ الشوارعَ والأزقةَ حاملين الفوانيسَ ، يطالبون بالهدايا من أنواعِ الحلوى. كما صاحبَ هؤلاء الأطفالُ – بفوانيسهم – المُسحراتى ليلاً لإيقاظِ الناسَ للسحور، إحياءً لسنةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حتى أصبحَ الفانوسُ مرتبطاً بشهرِ رمضانَ إتبارطا وثيقاً. ويُذكَرُ أن أهلَ مِصرَ استعملوه لأغراضٍ أخرى إبّان الحملةِ الفرنسيةِ على مِصرَ. فمن خلالِه بعثوا بإشاراتٍ متفقٍ عليها من أعلى المآذنِ لإرشادِ المسلمينَ المجاهدينَ في مِصرَ بتحركاتِ الجنودُ الفرنسيين. وهذا لم يمنع نابليون بونابرت، قائدُ الحملةِ، من الانتباهِ إلى خطرِ الفوانيسً ومحاولةِ تكسيرُها.
فبينما اليومُ نرى مجتمع مِصرَ يتهافتُ على اللغةِ الفرنسيةِ ويُعتبرُ التحدثَ بها من العصرنةِ وتقليدٌ مًسّلمٌ بهِ لحياةِ الغربِ الكافر. يُهاجمُ ساركوزي حاكمُ فرنسا حجابَ المرأةِ المسلمةِ وينعتُه بالإستعبادِ. إن فانوسَ رمضان الذي إستخدمَه المجاهدون ضد المعتدين الفرنسيين ليسَ فقط مجردَ شعارٍ لشهرِ رمضان، بل ويلعبُ دوراً في صياغةِ أحداثٍ جِسامٍ حدثت في تأريخِ المسلمين في مصرَ. مما يدفعُنا للتساؤلِ أين ذهبَ هذا التأريخُ ؟ ولماذا طُمِسَ وبُدِّلَ بالمسلسلات الهابطة ؟ ولماذا أصبحَ وجهُ مصرَ الإعلاميَّ الفاحشةُ والفسوقُ. خصوصاً في شهرِ رمضانِ ؟
فمن موائدِ الرحمنِ التي قامت إحياءً لسنةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآله وسلم وابتغاءً لأجرِ إفطارُ الصائمَ. وصلاةَ التراويحِ وتلاوةِ القرآنِ وتعميرُ الارضَ بالتراحمِ والتكافلِ والصدقاتِ في هذا الشهرِ الفضيلِ. كلُ هذه المشاعرُ القويةُ الفياضةُ الجياشةُ حباً للإسلامِ العظيمِ. لا يجدُ الإعلامُ إلا أن يُقزمَ هذه المعاني العظيمة ! فتكون مظاهرُ إستقبالِ شهر رمضانً هي الكسلُ وتضييعُ الوقتِ ! فتجدُ أن معظم هذه العاداتِ والتقاليدِ إنما لها جذورٌ إسلاميةٌ راسخة. وتحولت لمجردِ شعاراتٍ لا صلةَ لها بهذا التاريخِ العظيمِ.
وكذا مدفعُ الإفطارِ الذي له مكانةً تاريخية. فقد عَرِفَت مصرُ مدفعَ الإفطارِ والسحورِ منذ خمسُمائةٍ وستينَ عامًا أثناءَ الحكمَ العثمانيِّ للمسلمين في مصرَ. يُروىَ أن واليَ مصرَ (محمد علي الكبير) كان قد اشترى عددًا كبيرًا من المدافعِ الحربيةِ الحديثةِ. في إطارِ خطتِه لبناءِ جيش ٍمصريٍ قوي. وفي يومٍ من أيامِ شهرِ رمضان، كانت تجري الاستعداداتُ لإطلاقِ أحدِ هذه المدافعَ كنوعٍ من التجربةِ. فانطلقَ صوتُ المدفعِ مدويًّا في نفسِ لحظةِ غروبِ الشمسِ وأذانُ المغربِ من فوقِ قلعةِ صلاح الدينِ الأيوبي، فتصورَ الصائمونَ أن هذا تقليدٌ جديدٌ. واعتادوا عليه، واستمر هذا التقليدُ خلالِ شهرِ رمضانَ في وقتي الإفطارِ والسحورِ. وتحولَ إطلاقُ المدفعِ بالذخيرةِ الحيةِ مرتينِ يوميًّا إلى ظاهرةٍ رمضانيةٍ مرتبطةٍ بأهلِ مصرَ خاصةً وبالمسلمين عامة كل عام.
إن أمةَ الإسلامِ هى أمةُ الجهاد. فنرى كيف أن حكامَ المسلمين وقتها قد إهتموا بالجهادِ إهتماماً بالغاً. فالدولةُ الإسلاميةُ وحكمُ الخلفاءِ للناس بالإسلامِ هو الذي ضمِنَ تماسكَ المسلمين في كل بلادِ العالمِ كأمةٍ إسلاميةٍ واحدةٍ. حتى في عاداتِهم وتقاليدِهم. فبالرُّغمِ من التقسيماتِ التي وضعها الغربُ الكافرُ وفرّق بها بين أعضاءِ الجسدِ الواحدِ ، تجدُ شهرَ رمضانِ يجمعُها من خلالِ العاداتِ والتقاليدِ التي مصدرُها الأحكامُ الشرعيةُ. ففقدت الأمةُ الكثير من تاريخِها العظيمِ ومجدِها الغابر. وتمسّكت بالقشورِ عنِ الجوهر.
وأخيراً ، فيا أحبابَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، أوجّهُ ندائي هذا لمستمعي إذاعةِ المكتبِ الإعلامي لحزبِ التحريرِ، وللمسلمين أجمع، أن لا تفوتنكم فرصةُ العملِ لإستعادةِ ذلك المجد ِوتلكم العزةِ. فاجعلوا من كل شهورِ العامِ شهرَ رمضان.
واستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله ،،
أم حنين