Take a fresh look at your lifestyle.

المشكلة الزراعية

 

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.

الإخوة مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي الحزب التحرير السلام عليكم ورحمته الله وبركاته.

كثيرا ما تتناقل وسائل الإعلام أنباء تضمن إحصاءات موضوعها الغذاء ومن الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني مما شكل رأيًا عاماً مفاده إن هناك أزمة طاحنة في الإنتاج الزراعي ومشكلة مياه عميقة قد ينتج عنها في قادم الأيام حروباً إقليمية, وبنفس الوقت هناك معلومات وواقع تناقض مع هذا الواقع الإعلامي, ولا شك أنني تأثرت بالمعلومات والأخبار الإعلامية, وكوني احمل الدعوة الإسلامية، وأدرك إدراكا يقينياً أن الله عز وجل خلق الخلق ويسر لهم رزقهم مأكلهم ومشربهم, البشر والدواب، وان الإسلام يحمل حلاً لكل مشكلة بشرية فأحببت تناول هذا الموضوع حتى أقف على حقيقة أمره بتيسير من الله فتعاملت مع الأرقام الواردة حسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة -الفاو- وكانت نتيجة البحث الذي أعرضه عليكم إن شاء الله تعالى:

بلغ إنتاج الحبوب العالمي للعام 2009 مليارين ومئتين وتسعة ملايين طن منها ستماية وخمسا وخمسين مليون طن من القمح واربعماية وخمسين مليون طن من الأرز وبلغت التجارة الدولية من هذا الإنتاج العالمي ما لا يزيد عن العشرة بالمئة، بمعنى أن جل الإنتاج يذهب في أرضه للناس الذين يعيشون في تلك المنطقة، وفيما يلي أبرز عشرة منتجين ومصدرين:

الرقم

الدولة المنتجة

الإنتاج بالطن المتري

الرقم

الدولة المصدرة

التصدير بالطن المتري

1

الصين

96

1

الولايات المتحدة

31.6

2

الهند

72

2

استراليا

18.5

3

أمريكا

57

3

كندا

15.1

4

روسيا

46

4

فرنسا

14.9

5

فرنسا

37

5

الأرجنتين

10.00

6

كندا

26

6

روسيا

4.7

7

استراليا

24

7

ألمانيا

3.9

8

ألمانيا

24

8

بريطانيا

2.5

9

باكستان

22

9

قالب

2.4

10

تركيا

21

10

الهند

2

المجموع

425

المجموع

105.500

 بينما بلغ الإنتاج قبل عشرة سنوات أي في العام 1991 ملياراً وثمان مئة وخمسين طنا (1850 مليون طن) ولم يكن الإنتاج العالمي يزداد بنسبة مطردة كالنسبة السكانية، فإن الإنتاج للعام 2001 بلغ (1.482) ملياراً وأربعماية واثنين وثمانين طناً منها (565) خمسماية وخمس وستين مليون طن من القمح و(392) ثلاثماية واثنين وتسعين مليون طن من الأرز، وحسب تقرير الفاو بلغ عدد الجياع في العالم لنفس السنة 2001إثنان وستون مليون جائع وازداد هذا الرقم ليصل هذا العام 2009 إلى 850 ثمانية وخمسون مليون جائعاً نتيجة الكوارث والحروب في كثير من بقاع الأرض، وحسب تقرير الفاو أيضاً شهدت الأسعار ارتفاعا شديدا في العالم 1999 بنسبة بلغت 130% لأسعار القمح و74% لأسعار الأرز وستبقى حسب تقديرها هذه الزيادة مستمرة لعشرة سنين قادمة أي حتى عامنا هذا 2009.

ومن ضمن محاضرات وتقارير سواء لمراكز أبحاث عربية أو خطابات لوزراء زراعة عرب في محافل دولية أو محلية ظهرت الأرقام التالية:

بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي في الدول العربية من الحبوب 60% ومن قصب السكر 40% ومن الألبان 65% ومن البقوليات67% وبشكل إجمالي فإن الدول العربية مجتمعة إحصائياً تستورد الآن 35 مليون طن من القمح وما يزيد عن مليون طن من البقوليات بالإضافة إلى 700 ألف طن من اللحوم الحمراء ومع ازدياد عدد السكان في العام 2030 الذي سيبلغ تقديرياً 600 مليون نسمة حسب الدراسات سترتفع الحاجة إلى 100 مليون طن من الحبوب مستوردة من الخارج إن لم يتم إنتاجها محلياً، مع العلم أن عدد سكان الدول العربية بلغ عام 2005 / 317295 مليوناً.

أما بلاد المسلمين الأخرى فحالها متباين فهناك دول مثل باكستان وتركيا إنتاجها الزراعي فوق الجيد، بل هي مصدرة لكثير من أنواع الحبوب، وهناك دول كحال دول العالم العربي إنتاجها لا يلبي حاجتها.

أما الصين فقد استطاعت أن تنتج ما يزيد عن 500 مليون طن من الحبوب أي ما يقارب من 1/5 إنتاج العالم وقد اتبعت سياسات محفزة للوصول إلى هذا الإنتاج.

هذه هي الأرقام الدولية المتعلقة في الإنتاج، أما تلك المتعلقة في الاستهلاك فسنأتي عليها بعد قليل.

ولكن هناك إشارة إلى الولايات المتحدة فإنها بعد أن وصلت إلى مرحلة النضوب البترولي أي تناقص أو انتهاء الضخ من الحقول البترولية في أراضيها برزت الحاجة إلى بدائل للمواد المنتجة للطاقة وقد تقدم ذلك في بحث سابق، أما أثره في موضوع الإنتاج الزراعي فإن الولايات المتحدة بدأت حسب تقارير عالمية بإنتاج الوقود الحيوي المستخرج من الحبوب وبغض النظر عن المؤيد للموضوع أو المخالف له من حيث آثاره البيئية أو على الإنتاج الزراعي والحاجة البشرية له للغذاء وبغض النظر عن ذلك فإن الولايات المتحدة تهدف إلى إنتاج 136 مليار لتر من الوقود الحيوي في الأعوام القادمة أي 136 م3 من الوقود وهذا يلزمه مئة مليون هكتار لإنتاج ما يزيد عن 3 مليارات طن من الحبوب المستخدم في إنتاج الوقود الحيوي.

وبكل بساطة هذا يعني أن الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية ستستخدم لهذا الغرض،  مما يزيد من العبء أو يوجد ضغوطا على المزارعين خارج الولايات المتحدة الأمريكية لدعم إنتاج الحبوب العالمي، أو أن الولايات المتحدة الأمريكية ستضطر إلى استيراد قسم من هذا الإنتاج العالمي لتأدية هذا الغرض إن لم تنتجه محلياً.

وهناك الكثير من الدراسات تستخدم أرقاماً أخرى ولكنها قريبة من هذه الأرقام الرسمية الصادرة عن الفاو وتصريحات وزراء الزراعة العرب فيما يخصهم وكذلك مراكز الدراسة والبحث.

إن الناظر في هذه الأرقام يخرج بمجموعة من الحقائق،

 أولها: أن العالم الغربي إجمالاً يتقدم بكافة أنواع الزراعات وخاصة الإستراتيجية كزراعة الحبوب ومنتجاتها.

 وثانيها: أن الدول التي تعي مصالحها كروسيا والصين ويضاف لها الهند قادرة على إنتاج ما تريد من الإنتاج الزراعي وليس لديها مشكلة زراعية.

 والثالثة: أن العالم الإسلامي بشكل عام ومنه العربي خصوصاً فقيرة زراعياً إلى حد الذل سوى بعض منها التي لا تتجاوز أصابع اليد.

وأشير هنا إلى أن حصة الفرد من الحبوب عالمياً بحدود المئتي كيلو غرام سنوياً، تزيد أو تنقص بحسب الإنتاج المحلي لكل دولة، فهي في كندا مثلاً تبلغ 600 كيلو غرام سنويا، وفي مناطق أخرى تصل إلى 100 كيلو غرام وهذه الأرقام بحسب الإنتاج لكل دولة، أما حقيقة ما يلزم كل فرد فهي بدارسة الواقع لا تزيد عن 300 كغم سنوياً.

وبناء عليه فبعملية حسابية بسيطة نخرج بالنتيجة التالية:

مع افتراض أن عدد سكان العالم 7 مليارات فإنهم بحاجة إلى ما لا يزيد عن مليارين طن من الحبوب المتنوعة باعتبار حصة الفرد تقريباً 300 كغم فإن هذه النتيجة تظهر أن المسألة ليس مسألة إنتاج بل هي مسألة قهر واستعباد.

 قد يقول قائل أن العالم الغربي ينتج لنفسه وليس لنا أي حق فيما ينتجه فلماذا نلوم الغرب؟

 وسأجيب بالأرقام أيضاً، هناك أكثر من دراسة موثقة تقول بأن الأراضي الزراعية في العالم العربي فقط دون العالم الإسلامي بلغت 65- 70 مليون هكتار (أي البلاد الفقيرة زراعياً وتستورد نصف حاجتها من الخارج) وأن منتوج الهكتار المتوسط وليس السيئ (15طن) خمسة عشر طناً من الحبوب، وأن نصف هذه الأرض صالحة لزراعة الحبوب، لكانت النتيجة 1/2 مليار طن من الحبوب، هذا غير المحاصيل الأخرى المرافقة من حث الدورة الزراعية وهذا بكل بساطة يعني أن حصة الفرد في العالم العربي تزيد عن حصة الفرد في كندا أي 600 كغم في السنة، بالإضافة إلى الخضروات والفواكه… الخ.

وهذا يعني بكل بساطة أن الدول العربية تستطيع أن تكون منتجة ومصدرة أيضاً.

إن هذا الوضع العالمي مزري جداً، وسببه الواضح الجشع الرأسمالي، يقابله ضعف الإرادة عند الشعوب الأخرى وخاصة الشعوب الإسلامية.

فإن الولايات المتحدة كما عملت على جعل الدولار الأمريكي عملة احتياط وتبادل دولية وقامت بكثير من الضغط والألاعيب حتى حققت ذلك، ثم خضع العالم مستسلماً لهذه الإرادة، وبنفس الأسلوب وبنفس الإرادة تم سوق الدول المستعمرة إلى اتخاذ سياسات تدميرية لإنتاجها الزراعي النباتي والحيواني وربطت حياة شعوبها بالقمح الأمريكي وبحسب الجدول المعروض في أول الموضوع فإن الولايات المتحدة تصدر ما قيمته فقط 31.6 طن من القمح وباقي الدول المصدرة تصدر أكثر من 70 مليون طن ولعل الولايات المتحدة تتحكم بتصدير هذه الكمية، هل هذا معقول؟! نعم معقول فهذا هو الواقع.

الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم في تصدير القمح مع أن حصتها لا تتعدى القوة التصديرية الثلث فقط.

وفيما يلي أمثلة على بعض الأساليب التي ضغط الغرب الكافر على بلاد المسلمين للعمل عليها:

1- الاعتداء العمراني على الأراضي الزراعية فبدل أن يتم التوسع في بناء السكن في المناطق الجرداء منحت التراخيص للبناء في الأراضي الزراعية، ومثال ذلك فقدت مصر خلال ستة وثلاثين عاماً سبعماية وخمسين ألف فدان من خيرة الأراضي الزراعية كانت كافية لإنتاج عشرة ملايين طن من الحبوب تطعم خمسة ملايين شخص.

2- ولو توفرت الأرض الزراعية فإنها تزرع بمحاصيل غير إستراتيجية أو أن حصة المحصول الاستراتيجي لا تفي بالحاجة كمحاصيل القمح وقصب السكر والأرز، فهذه مصر أيضاً تفرض دولتها غرامة باهظة بلغت الألف جنيه مصري على كل فدان يزرع حبوباً زائدة عن الحصة التي تمنحها الدولة.

3- عدم توفير الدعم اللازم والكافي لإنتاج المواد الزراعية المطلوبة، بل وإجبار الناس على أخذ القروض الربوية مما يزيد الوضع ضغثا على إبالة مما أضطر بالكثيرين إلى ترك أراضيهم والاتجاه إلى الوظائف العامة.

4- إظهار أن هناك مشكلة حقيقية في وفرة المياه للشرب وسقي المزروعات، مما أثر في السياسة العامة لتوزيع المياه وبالتالي طبيعة المحاصيل المروية ومنها الأرز، لحاجته إلى كميات من المياه أكثر من غيره فأهملت زراعة الأرز لذلك، ومعلوم بداهة أن أزمة المياه خاصة في بلاد المسلمين موهومة وليست حقيقية وللوقوف على حقيقتها يلزمها وقفة خاصة.

5- أما تقسيم بلاد المسلمين فحدث ولا حرج فإن هذا التقسيم هو الذي ساعد على إيجاد المظاهر السابق ذكرها بالإضافة إلى أسباب أخرى ليس أقل من سوء توزيع المكاسب والثروات ووضع الخطط العامة للتكامل في كافة المجالات والانتقال الحر بين أطراف العالم الإسلامي.

من هذا كله يتبين أن وجود اختناقات ومشاكل مستعصية في مسألة الغذاء والإنتاج الزراعي راجع لهيمنة الغرب الكافر على مناطق الإنتاج والتسويق وكذلك على البرامج والسياسات التي تعتمدها الدول في مجال الزراعة والمجالات الأخرى المتصلة بهذا الأمر.

ولا شك أن للإسلام نظرته الخاصة لهذا الموضوع وهي ابتداء لا تقوم على الربحية مطلقاً أي لا ينظر إلى الأرباح والخسائر عندما يتعلق الأمر بحياة الناس وسد حاجاتهم الأساسية ولهذا تقوم السياسة الزراعية في الدولة الإسلامية دولة الخلافة على أسس معينة لتحقيق هذه الأهداف.

 ونظرة سريعة إلى طبيعة المعالجة.

فأولاً: كون الإسلام نظام وحدة وبلاد المسلمين قطعة واحدة لا يلزمها حد ولا يمنع الحركة والتنقل فيها طاغ فإن هذا يعين وييسر وضع سياسات متكاملة تضمن معالجة مشكلة وجود المواد الغذائية دون قيود عليها فتتحرك بحسب مناطق الحاجة إليها.

 وابتداء توضع سياسات تعتني بإمكانية وجود أنماط زراعية متكاملة ما أمكن ضمن وحدات زراعية، بمعنى أن نقسم الدولة إلى وحدات زراعية فنقول مثلاً منطقة شرق المتوسط بلاد الشام وجزيرة العرب إلى العراق وحدة زراعية تزرع فيها كافة المنتوجات الزراعية، ومثلها وحدة أخرى كمصر والسودان وأخرى كإيران وما حولها، ثم باكستان وما حولها، وهكذا، فإن مثل هذا التقسيم يقرب المسافات من جهة ويضمن التحكم بالحاجات ومعالجتها سريعاً إذا حدث خلل أو نقص في ولاية من الولايات، وهذا بطبيعة الحال يؤثر على المشاريع المتعلقة بالمياه فتدرس خارطة الأنهار والمسطحات المائية ويعرف مقدار الحاجة إلى السدود وطبيعتها وحجمها في كل وحدة زراعية، مما يساعد صاحب القرار اتخاذ القرار المناسب.

ثانياً كون الإسلام يضمن تأمين الحاجات الأساسية والضرورية للعيش فهذا يعني أن من سياسة الدولة الإسلامية مراجعة حدود هذه الأساسيات وفي حالة عدم وجودها أو نقصها فإنها تدخل مباشرة لعلاجها كمشكلة إنسانية مهما كلف الأمر من أموال، مع وجود قناعة أن مثل هذا النقص لا يحدث في هذه البلاد الغنية بالمياه والأراضي الزراعية، إلا إذا كان الأمر قضاء من الله تعالى وابتلاء كأيام المجاعة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلاً، فهذا الذي يستدعي تدخل الدولة لأنها هي الراعية والمسؤولة عن توفير الحاجات وليس ما يسمى بالقطاع الخاص الذي يعطى هذه الأيام صلاحيات كبيرة بل ويطلب من ذلك لأنها سياسات رأسمالية تقوم على مفهوم الربح والخسارة لا على مفهوم  الرعاية.

ثالثاًَ: تعمل الدولة على الوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي وهذا الأمر سهل وميسور كما مر معنا في الإحصائيات الدولية، ولكن بحاجة إلى نظام يتق الله سبحانه ويخلص لأمته فيحصل الاكتفاء الذاتي دون كبير عناء، ويتبع ذلك وجود مخزون استراتيجي يكفي لمدة مناسبة، لمعالجة ما ينشأ من كوارث طبيعية أو حروب، ولهذا تنفق الدولة الأموال اللازمة على المزارعين والمشاريع الزراعية ومراكز الأبحاث الزراعية وتتابع التطورات العلمية والعملية لمكافحة الآفات الزراعية ولتطوير المنتوجات الزراعية والحيوانية وصولاً لتحقيق هذه الأهداف.

أما الإنسان العامل في هذا المجال فترعاه الدولة حتى يكون قادراً على الاستمرار في هذا العمل فتراعي احتياجاته وزيادة، ويعان على إصلاح أرضه، ويمد بالتقنيات الحديثة إذا لم يكن قادراً عليها، ويعان على تسويق إنتاجه، وهذا كله ضمن الخطة العامة لرعاية المزارعين وأحوالهم.

أيها الناس يقول الحق سبحانه وتعالى:

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف : 96].

نسأل الله الهدى والتقى ونسأله سبحانه بنصر عظيم قريب يعز به دينه والمؤمنين اللهم آمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 كتبه للإذاعة: أبو عمر البدراني