نفحات إيمانية- 05- أبواب الخير- أبو إبراهيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتــقين، ولا عدوان إلا على الظـالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وآله وصحبه الطيـبين الطـاهرين، ومن تـبـعه وسار على دربه، ودعا بدعوته، واستن بسنــته إلى يوم الدين، واجعلنـا معهم، واحشرنـا في زمرتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين وبعد:
إخوة الإيمان: روى الإمام أحمد والتـرمذي وابن ماجة، عن معاذ بن جبـل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أخبرني بـعمـل يدخلـني الجـنـة، ويبـاعدني من النـار، قال: “لقـد سألت عن أمر عظيم، وإنـه ليسير عـلى من يسره الله تعالى عـلـيه: تـعبد الله، ولا تـشرك به شيئا، وتــقيم الصلاة، وتـؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتـحج البيت، ثـم قال: ألا أدلـــك على أبواب الخير؟ الصوم جنـة، والصدقـة تـطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النـار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثـم تـلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ …} السجدة16. ثـم قال: ألا أخبرك برأس الأمـر، وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثـم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كــلـه؟ قلت بلى يا نـبي الله، فـأخذ بـلسانه وقال: كـف عليك هذا، قلت يا نـبـي الله، وإنـا لـمؤاخـذون بما نـتـكـلـم به؟ فقال: ثـكـلـتـك أمــك يا معاذ! وهل يكـب النـاس في النـار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنـتهم”.؟
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معـلـما لجماعته، إليه يـلجأون لمعرفـة أحـكام دينهـم، وما يجب عليهم أن يعملـوه في دنياهم، حتى يضمنـوا الجنـة التي أعدت للمتــقين.
وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، من أولئك الذين شرح الله صدورهم للهدى، يسأل رسول الله عن ذلك، وُيكـبـر الرسول المسؤول عنه ويعظـمه، ويسـند التـوفيق للعمل به إلى الله، وإنه يسير على من وفــقـه الله، وذلك لـيستعين المرء به تعالى على الوصول إلى أهدافه السامية النـبيلة.
ثـم يجيب الرسول بـبيـان هذه الحقائـق، والأسباب الأساسية لدخول الجنـة، والبعد عن النـار، والفوز في الدنيا والآخرة، وهي: الإيمان بالله وحده، وإقامة الصلوات المفروضة، وإيـتاء الزكاة الواجبة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا .
ولما آنـس الرسول صلى الله عليه وسلم من معاذ بن جبــل حرصه على الفـهم، وشدة اهـتمامه، زاده الرسول ودلــه على السبيل الصحيحة التي إذا تـقـرب بها العبد إلى ربه، وصـل إلى المنـازل الرفيعة في الجـنـة وهي: صوم النـافلة، وصدقـة التـطـوع، وصلاة التـهجد. ولعمري إن روح الإنسان لتـسمو وتـطـهر بهذه الأعمال !
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم شدة الإقبال وكـثرة الاهتمام، ومعاذ ممن يعي قـول رسول الله صلى الله عليه وسلم زاده، وبين القواعـد الأساسيـة التي تـحفـظ هذا الدين وهي:
رأس الأمر الإسلام: أي أن أساس هذه الأعمال الصالحة هو أن تـقـوم على الدين الإسلامي بـعقيدته السليمة الصحيحة، وتـقـوم كذلك على الاستسلام والخضوع لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، عقيدة وقـولا وعملا .
وعموده الصلاة: أي أن دعامة الدين التي يرتـكز عليها، وتـثــبــتـه هي الصلاة؛ لأنـها كما قال الله تعالى تنهى عن الفـحشاء والمنكـر… ولا زال المسلمون بـخير ما أقاموا الصلاة. وإن إقامة الصلاة في المدلـول الشرعي تـعنـي إقامة الحكم بـما أنزل الله، وذلك من باب تـسمية الشيء بـأبرز ما فيه، وهي في علـم البلاغـة كنـاية عن تـطبيق أحكـام الإسلام كاملـة، وقد ذكـر الجزء {وهو الصلاة} وأريد به الكــل {وهو الحكم الكامل بما أنزل الله} وهذا مثـل قوله تعالى: {…فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ …}النساء92، فإن المراد عتــق العبد كاملا، وليس تحرير رقـبـته فـقـط
وذروة سنامه الجهاد: أي أن أعلى شيء في هذا الدين، وأشرفـه عند الله هو الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله، وقد جعل الله الجهاد أعلى مراتب العبادة؛ لأن الأمة التي تترك الجهاد في سبيل الله تتعرض إلى الذل والهلاك والدمار، واللـجوء والتـشرد وتضييع حـقوقها، فلا تستطيع المحافظـة على عقيدتها ولا على أموالها ولا على أعراضها ولا على أوطانها. هذا في الدنيا، أما في الآخرة، فإن العذاب الأليم في جهنـم سيكـون في انتظارهم
وقـد حرص رسول الله على أن يختم حديثــه لمعاذ ببيان ما يحفـظ عليه ثـواب تلك الأعمال من التــلـف والضياع، فقال لمعاذ: كـف عليك هذا، مشيرا إلى لسانه أي احـفـظـه من اللـغـو والخوض في الباطل.
وختامـــا إخوة الإيمان: نسأل الله عز وجل، في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الفضيل، أن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة، وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه،
والسلام عليكـم ورحمة الله تعالى وبركاته
أبو إبراهيم