قصص وعبر – فتاة الإسلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
وبعد ..
نرحب بكم من إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير، ونلتقي وإياكم في هذه الإذاعة الطيبة لنأخذ العبر من قصص اخترناها لكم
ولقاؤنا لهذا اليوم سنتناول فيه مواقف من حياة السلف الصالح وكيف كانت في رمضان، فقد اخترنا لكم كيف كان السلف يقرؤون القرآن الكريم في رمضان.
فلرمضان في حياة البشرية من الذكريات ما ليس لغيره، فهو ضيف يهل زائرا كل عام، فيستعد لمجيئه أهل السماء قبل أهل الأرض، يفتح الله فيه باب الجنة، ويغلق فيه باب الجحيم، وتصفد فيه الشياطين، وينادي مناد: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر.
وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يتهيأ له بما لم يتهيأ به لغيره من الشهور، فيضاعف فيه من العبادات، وفعل الطاعات، والإقبال على ربه؛ حتى قبل مبعثه، إذ اعتاد كل عام أن يصحب زاده ويصعد به إلى غار حراء، يترفع عن الدنيا، ويسمو إلى السماء..
فلما اصطفاه الله سبحانه وتعالى رسولا، وكان الاصطفاء في رمضان صار يقدر لهذا الشهر قدره، ويقوم لله في ليله حتى تتفطر قدماه؛ شكرا لله على هذا الاصطفاء، كما اعتاد جبريل عليه السلام أن يهبط إليه كل يوم بأمر ربه فيدارسه القرآن الكريم، فيزيده ذلك صفاء على صفائه، وكرما على كرمه، فقد ورد في كتب الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، وفي رواية أخرى “أجود من الريح المرسلة” حين يلقاه جبريل، ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير، وأعطى كل سائل..”.
وسار على سنته السلف الصالح، فكانوا إذا أهل عليهم رمضان شمروا عن ساعد الجد، واجتهدوا في العمل الصالح طمعا في مرضاة الله ورجاء في تحصيل ثوابه، وتدارسوا القرآن كما تدارسه رسول الله، وسهروا على تلاوته ليلا كما كان يسهر رسول الله..
وهذه سطور كلمات ألقيها على مسامعكم على عجل أبين فيها كيف كان حال السلف في رمضان، وكيف كانوا يقضون أيامه وساعاته، وكيف كانوا يحسنون الاستفادة من نفحاته خير إفادة، لعلنا نستطيع أن نقتدي بهم في هذا الأمر فنفوز كما فازوا، وننعم بلذة الطاعة كما نعموا، داعية الله سبحانه وتعالى أن يحشرنا معهم في رفقة النبي صلى الله عليه وسلم “إخوانا على سرر متقابلين” وأن يجعل هلال رمضان علينا هلال خير وبركة، وأن يجعله بداية لإزالة الغمة عن سائر المسلمين، وأن يرفع عنا ببركة رمضان البلاء والغلاء، إنه نعم المولى ونعم المجيب..
السلف وتلاوة القرآن الكريم في رمضان:
القرآن كلام الله سبحانه، يستمد عظمته وجلاله من عظمة الله عز وجل، كما أنه المنهج الذي وضعه جل شأنه للإنسان ليسير عليه كي يحقق الغاية التي أوجده من أجلها، ولذلك فإن دراسته هي السبيل لمرضاة الله وجلب الراحة والطمأنينة والسعادة في الدنيا والآخرة..
ليس فقط بل هو مأدبة الله التي يدعو إليها من أحب من عباده، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ ، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ، وَنَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ ، لاَ يَزِيغُ فَيَسْتَعْتِبُ ، وَلاَ يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَلاَ يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، فَاتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلاَوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، أَمَا إِنِّي لاَ أَقُولُ الم وَلَكِنْ بِأَلِفٍ وَلاَمٍ وَمِيمٍ”.
ولذلك كان السلف الصالح يتسابقون إلى تلك المأدبة، ويتنافسون فيها، وخاصة في شهر رمضان المبارك الذي خصه الله سبحانه وتعالى دون شهور السنة بإنزاله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا الأسود بن يزيد رضي الله عنه يروى عنه أنه كان يعكف على القرآن في رمضان حتى يختمه كل ليلتين، وكذلك كان يفعل سعيد بن جبير..
وكان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة.
وهذا محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله كان يجلس بعد صلاة القيام ليختم القرآن كل ثلاث ليال.
وهذا مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة كان إذا دخل عليه رمضان يقبل على تلاوة القرآن من المصحف، ويترك كل شيء حتى مدارسة الحديث، ومجالسة أهل العلم..
وهذا سفيان الثوري رحمه الله كان إذا دخل عليه رمضان أيضا ترك كل مشاغل الدنيا، وأقبل على قراءة القرآن..
وكان الزهري رحمه الله إذا دخل عليه رمضان يفر من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان المازني البصري علامة زمانه في الفقه والنحو رحمه الله تعالى إذا دخل شهر رمضان لا ينشد بيتا من الشعر حتى ينتهي، وإنما كان شغله قراءة القرآن..
ترك هؤلاء فضائل الأعمال التي هي دون القرآن الكريم في المثوبة والأجر، فما بالنا نحن لا نريد أن نعزم على ترك المحرمات والمكروهات في تلك الأوقات التي ينادينا فيها مناد السماء: أن يا باغي الخير أقبل؟!!
كما كان الرجل من السلف الصالح يحرص على أن يشرك أهله وأصحابه في ذلك الفضل، فهذا زبيد اليامي كان إذا حضر رمضان أحضر المصحف، وجمع إليه أصحابه..
وبعضهم كان يخصص ختمة لأولاده يجمعهم عليها؛ لينشأوا على تعظيم رمضان وحب القرآن..
ومنهم من كان يستغل الفترة من بعد الإفطار إلى صلاة العشاء، وهي الفترة التي يقضيها الناس الآن في تسالي التلفاز في تلاوة القرآن، ويجعل لنفسه ختمة مخصصة بهذه الفترة، مثل سعيد بن جبير، وساعدهم على ذلك أنهم كانوا يؤخرون صلاة العشاء في شهر رمضان تأخيرا شديدا، كما قال ابن عساكر في تاريخ دمشق، فهل من مشمر للحاق بهم؟؟..
ومن العجب أن الملوك من السلف كانوا يسابقون سائر العباد في ذلك المضمار، ولا عجب! فكان علو الهمة عند أحدهم يجعله يطمع في أن يكون صاحب المنزلة العالية في الآخرة كما كان صاحب الملك في الدنيا، فهذا الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي يذكر عنه أنه كان يختم القرآن في كل ثلاث.. وكان المأمون الخليفة العباسي يكثر من قراءة القرآن في شهر رمضان حتى يكون في صوته بحة..
وهذا الحجاج رغم مشاغله في الثورات والفتوحات كان يعين له قارئا في رمضان يقرأ عليه القرآن الكريم..
هذه نماذج من حياة السلف الصالح في التفرغ لتلاوة القرآن في رمضان
فحري بنا أن نكون أجود ما نكون في رمضان
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم أعنا على تلاوة القرآن واجعله ربيع قلوبنا، وأعنا على قيام الليل المضاعف في هذا الشهر الفضيل
اللهم ارحمنا واغفر لنا واجعلنا من عتقاء رمضان
اللهم آمين
كتبته للإذاعة: الأخت فتاة الإسلام