مع القرآن الكريم المنافقون
قال تعالى في كتابِهِ العزيز: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)). إنه ما من شك في أن الحرب معلنة ومتأججة بين الإسلام والكفر منذ أن نزل الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجهر بدعوته، سواء أكانت هذه الحرب فكرية أم عسكرية، واستمرت هذه الحرب وستستمر ما دام هناك إسلام وكفر، وسيبقى سيف الإسلام مصلتا على الكفر بكل أشكاله حتى يزهق الباطل ويتقهقر. ولا يغرن المغرورين والمضبوعين بعض الجولات التي يبرز فيها الكفر وكأنه منتصر، فهي جولات لا تعمر، ولا تحسب في عمر التاريخ، وقد ينتج عنها صيانة لكيان الأمة في بعض الأوقات. |
إن الكفار لا يألون جهدا في انقضاضهم على المسلمين، وقد حاولوا ذلك كثيرا في تاريخ الإسلام. وقد أخبرنا الله تعالى أنهم حال ظهورهم على المسلمين لا يحافظون على عهد ولا ميثاق، قال تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً). فهم يستخدمون منتهى قدرتهم واستطاعتهم في القضاء على هذه الأمة. لكن الأمر يهون إذا كان العدو ظاهرا مكشوفا مزيلا للقناع عن وجهه، أما إن اختفى بين صفوف المسلمين، يظهر الإسلام ويخدم أعداء الإسلام، فهنا يكمن البلاء، سواء أكان هذا النوع في سدة الحكم أم بين سواد الناس. وهذه الفئة وجدت بين المسلمين في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية، وكانوا من أهل المدينة لأنه لم يهاجر إلا مسلم مخلص للإسلام، وهذه الفئة تحمل اسم (المنافقين) فقد كان عبد الله بن أبي بن سلول رأسهم في المدينة، وزاد حقده عندما اقترب تتويجه على قبائل بني عبد الأشهل، فجاءت الهجرة النبوية المباركة بقيادة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فقصم ظهره وخسر تاجه. فهي فئة مجرمة أشد خطرا على المسلمين من الكفار أنفسهم، لأنها لم يظهر منها سوى بعض صفاتها، ويصعب معرفة شخصياتها حيث قال رب العزة: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُم نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) وقال: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)، وقد ذكرَ اللهُ تعالى صفاتَها في القرآنِ الكريمِ وبيَّنَها، ولِنَتَنَاوَلْ بعضَ هذه الصفاتِ بشيءٍ مِنَ التوضيحِ:
1- الإفساد: قال تعالى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)).
عن مجاهد قال يعني “إذا قيل لهم لا تفعلوا كذا وكذا قالوا إنما نحن على الهدى مصلحون”، وعن ابن عباس “انهم يقولون إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب”.
2- ومن صفاتهم أنهم مذبذبون: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ)، فلا هم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ولا هم مع الكافرين ظاهرا وباطنا، بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، قال ابن كثير: وقال مجاهد: مذبذبين بين أصحاب محمد وبين اليهود. عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المنافقين كمثلِ الشاةِ العائِرَةِ بين الغنَمَينِ تَعِيْرُ إلى هذه مرةً والى هذه مرةً ولا تدريْ أيُّهُمَا تتَّبِع».
3- ومن صفاتهم أنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين: قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)).
فكما أن منافقي المدينة راسلوا اليهود على الوقوف بجانبهم ضد المسلمين وحثوهم على الوقوف أمام محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه وعدم الاستسلام، فإن منافقي اليوم يعملون ما هو أكبر، فإنهم يخدمون الكفار أكثر من الكفار أنفسهم، فهم يحاربون الإسلام باسم الإسلام، فكم مؤتمر انعقد باسم المؤتمر الإسلامي وهو غير إسلامي، وكم من جريمة يرتكبها الكافر أو المنافق نفسه وينسبها للمسلمين زورا وبهتانا كما هو الحال في الجزائر، مع أن علاقة المسلم هي علاقة أخوة ومحبة وتعاطف وتراحم فالله تعالى يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “المسلم أخو المسلم” لكنهم يستغلون الجهل المستفحل في سواد الأمة ليمرروا عليها هذه الخزعبلات. ولو كانت الأمة بسوادها على درجة من الوعي لما سكتت عنهم، لأن الله تعالى أوجب علينا أن نرهب عدونا قال جل وعلا: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، وأن الجهاد الذي تحمله دولة الإسلام سوف يكون بإذن الله الطريقة التي بها يذبح اليهود غربي النهر، وتفتح به روما، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: “نصرت بالرعب من مسيرة شهر” وما ذلك إلا لأن الإسلام أوجب علينا إرهاب عدونا، ولو كان المنافقون على حق لأطلقوا على أنفسهم أنهم إرهابيون على ما يقترفون من جرائم ضد المسلمين. فماذا نسمي مخور الأساطيل وحاملات الطائرات في مياهنا وبحارنا؟ وماذا نسمي احتلال اليهود لبلادنا؟ ماذا نسمي وقوف حكام العرب والمسلمين بجانب الكفار في أية قضية يراد بها إذلال المسلمين؟ ماذا نسمي بعدهم عن الحكم بالإسلام؟ لماذا هذه القواعد والثكنات العسكرية التي امتلأت بها بلاد الإسلام؟ ماذا نسمي مجاهرة حكام تركيا علنا بمحاربة الإسلام وعلمنة تركيا؟ …الخ فهم يتربصون الدوائر بالمسلمين كما قال الله فيهم: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: “انهم ينتظرون من المؤمنين زوال دولتهم وظهور الكفرة عليهم وذهاب ملتهم، فإن كان للمؤمنين نصر وغنيمة قالوا ألم نكن معكم؟ وإن أديل على المؤمنين في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد قالوا للكافرين: إننا ساعدناكم في الباطل وما ألوناكم خبالا حتى انتصرتم عليهم”.
فعندما تأتيهم الأريحية للسخرية بالمؤمنين يتبرعون لهم ببيوتات للبراعم والأيتام، وبمراكز لمعالجة الأمراض والصم والبكم، ويبنون لهم المساجد على الطرز الحديثة على حساب الملك فلان ورئيس الجمهورية فلان و …
4- ومن صفات المنافقين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)) قال السدي عن أبي مالك في قوله تعالى: (خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ) مضوا إلى ساداتهم وكبرائهم ورؤسائهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين، وقال ابن عباس شياطينهم يعني يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب بما جاء به محمد r. وما اجتماع إسرائيل لاو أكبر حاخام يهودي في دولة يهود بشيخ الأزهر طنطاوي ببعيد.
5- ومن صفاتهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)) هذه الآية والآية التي قبلها وما بعدها حتى آية ثلاث وستين ينكر الله تعالى فيها على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين يريد أن يفصل خصوماته ويتحاكم إلى غير الكتاب والسنة، فما بال من يدعي أنه من سلالة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتجده حربا معلنة على الإسلام والمسلمين، ومن يدعي إمارة المؤمنين وهو يأمرهم بأوامر الطاغوت!
6- ومن صفاتهم: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)) أي أنهم ذوو أجسام جميلة وجبناء فهم مع جمال أجسامهم وفصاحة لسانهم صور بلا معان وطبول جوفاء، وجاءت آيات أخرى أيضا بينت جبنهم: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ). فانظر إلى الحرس من حولهم ومن تحت أرجلهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، حتى أن الحارس بحاجة إلى حارس خوفا منه، ومن شدة الجبن، فوالله كيف يحسون بطعم الحياة مع حرمانهم نعمة الأمن حتى داخل بيته لا يشعر بالأمن، وهذا يرجع إلى الجبن كما ذكرت الآيات إضافة إلى إجرامه في حق شعبه و أمته، فهو مطلوب للأمة وهذا حال المجرمين، اسمع إلى قول الله تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)).
7- (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)).
عن ابن عباس لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه، لا يرجعون إلى هدى، ولا يتوبون.
8- (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ). مِنْ شدَّةِ جَزَعِهِم وفَزَعِهِم وهلعهم، فهم يعلمون ما بأنفسهم ويخافون من الفضيحة فيؤكدون باليمين، والله تعالى يخبر أنهم ما هم كما يقولون فيكذبهم في قولهم، فهم لا يخالطون المؤمنين عن محبة وود، بل كرها لأن سيل الإسلام جرفهم ولا يستطيعون إلا أن يخفوا أنفسهم لكن مضرتهم للمسلمين هي هدفهم.
9- استهزاؤهم بالإسلام قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)) فذكر في سبب نزول هذه الآية أن رجلا من المنافقين قال: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: “أبالله ورسوله كنتم تستهزؤون” وإن رجليه لتشقان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله وهو متعلق بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعندما يطرحون بعض القضايا الاعتقادية للنقاش والمداولة فهم بعيدون في نقاشهم عن الخط الإسلامي، وقد يناقشون أمورا لا يجوز نقاشها مثل: إيجاد جمعية أبناء إبراهيم، أو جلوس رجال الدين اليهود والنصارى والمسلمين ليتكلموا معا في الإرهاب ويصدروا بيانا مشتركا، أو عندما يطلعون على المسلمين بأنهم حريصون على القرآن الكريم ولذلك ينكرون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إصدار الفتاوى التي يقصد بها إرضاء الحاكم، بغض النظر طابقت الإسلام أم لم تطابق.