نفحات إيمانية – شهر رمضان شهر الفتوحات والانتصارات فتح مكة – أبو إبراهيم
الحمد لله الذي فـتح أبواب الجـنـان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسـلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيـبين الطـاهرين، ومن تبـعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستـن بسنــته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أمـا بعد:
أتابع معكم إخوة الإيمان الحديث عن فتح مكة حيث إن الساعة الفاصلة مع أهل مكة قد دنت، وتمت الاستعدادات، وتحرك جيش المسلمين في عشرة آلاف مقاتل، فغادر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعشر خلون من شهر رمضان المبارك سنة ثمان للهجرة متوجها نحو مكة في عدد وعدة لم تعرفه الجزيرة العربية من قبل. ومع كثافة هذا الجيش وقوته وأهميته، فقد بقي سر حركته مكتوما لا تعرف عنه شيئا.
وتقدم الجيش الزاحف يقوده الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد امتلأت نفسه رضا ومسرة، إذ وجد قريشا عاجزة عن المقاومة، فخفض رأسه متواضعا لله تعالى حتى كاد عثنونه يمس واسطة الرحل. أي حتى كادت لحيته تمس ظهر دابته.
لقد فرض النبي عليه السلام كل الاحتمالات الممكنة فقرر على الرغم من ظواهر الموقف التي تدل على عزم قريش على الاستسلام، أن يدخل مكة بتعبئة حربية استعدادا للطوارئ، فقسم جيش المسلمين إلى أربعة أرتال، تتقدم على النحو الآتي:
1. رتل أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه: ويتألف من المهاجرين، وقد رافقه النبي صلى الله عليه وسلم بكتيبته الخضراء، ويدخل مكة من شمالها الغربي.
2. رتل سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه: ويتألف من الأنصار، ويدخل مكة من جانبها الغربي.
3. رتل الميمنة بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه: ويتألف من فرق مختلفة من القبائل تبلغ ثلث الجيش، ويدخل مكة من جنوبها.
4. رتل الميسرة بقيادة الزبير بن العوام رضي الله عنه: ويدخل مكة من شمالها.
وكان أمر الرسول عليه السلام لقواده ألا يقاتلوا إلا إذا اضطروا إلى القتال. حتى يتم فتح مكة سلميا وبدون قتال، واستثنى من ذلك جماعة عظمت ذنوبهم، وآذوا الإسلام وأهله عظيم الأذى، فأهدر دمهم وإن تعلقوا بأستار الكعبة، منهم:
1. عكرمة بن أبي جهل.
2. وصفوان بن أمية بن خلف.
3. ووحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب.
4. وهند زوج أبي سفيان.
5. وعبد الله بن أبي سرح الذي كان قد أسلم، وكتب لرسول الله الوحي، ثم ارتد، وافترى الكذب على النبي الأمين. وقليل غير هؤلاء.
إخوة الإيمان:
تقدمت طلائع أرتال الجيش الأربعة، في اليوم العشرين من رمضان نحو أهدافها، وسمع بعض المسلمين سعد بن عبادة يقول: ((اليوم يوم الملحمة! اليوم تستحل الحرمة!)). فأخبروا الرسول عليه السلام بذلك فقال:”اليوم يوم المرحمة! اليوم يوم تعظم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا”.
وأمر أن تؤخذ الراية من سعد وتدفع إلى ابنه قيس، فقد كان أهدأ أعصابا من أبيه، وأكثر سيطرة على نفسه، وبذلك حال دون اندفاع سعد لإثارة الحرب.
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل مكة من أعلاها، ودخلت قوات المسلمين مكة دون مقاومة، إلا رتل خالد بن الوليد، فقد تجمع متطرفو قريش مع بعض حلفائهم من بني بكر، وعلى رأسهم عكرمة وصفوان وسهيل بن عمرو، فتصدوا لخالد، وأمطروه بوابل من نبالهم، وهم يظنون أنهم بذلك إنما يدفعون عن مكة الشر، ولكن خالدا لم يمهلهم لحظة واحدة، بل كر عليهم، وشتت شملهم، بعد أن قتل منهم اثني عشر رجلا، ففروا أجمعين، واستسلمت مكة للمسلمين… وتم الفتح المبين!
إخوة الإيمان:
طاف النبي عليه السلام والمسلمون حول الكعبة، وأخذ يكسر الأصنام المصفوفة حولها، ويضربها بقوسه ظهرا لبطن، فتقع على الأرض مهشمة متناثرة، وهو يقول: ” جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا”.
ثم أمر بالكعبة ففتحت فرأى الصور تملؤها، وفيها صورتان لإبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام، فقال ساخطا على المشركين: ” قاتلهم الله، والله ما استقسما بها قط. ومحا ذلك كله.
حتى إذا طهر المسجد من الأوثان، أقبل على قريش وقد خرجت باطمئنان من الحرم، ومن دورها، ومن دار أبي سفيان، تشاهد مشدوهة هدم أصنامها التي كانت قبل لحظات آلهة تعبدها، فإذا هي الآن حجارة عاجزة عن المقاومة، لا تدفع ضرا، ولا تجلب نفعا!
إخوة الإيمان:
واستدار الرسول عليه السلام نحو الكعبة قائلا: “لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده”. ثم قال لقريش: ” يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟”. قالوا: خيرا! أخ كريم! وابن أخ كريم!
قال النبي عليه السلام: ” فإني أقول كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم … اذهبوا فأنتم الطلقاء!”.
وبهذه الكلمة المؤثرة صدر العفو العام عن أهل مكة جميعا، ونسي محمد عليه السلام في ساعة الظفر كل إساءة نالته، وكل أذى لحق به. وأمر النبي عليه السلام بلالا فصعد فوق ظهر الكعبة، وأذن للصلاة … وخطب النبي عليه السلام خطبة أبان فيها كثيرا من الأحكام الإسلامية، ثم قال: ” يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها بالآباء. الناس لآدم، وآدم من تراب”. ثم تلا قوله تعالى: ]يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير[.
إخوة الإيمان:
ثم شرع الناس يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فكان ممن أسلم في هذا اليوم معاوية ابن أبي سفيان، وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق، وقد فرح الرسول عليه السلام كثيرا لإسلامه!
أما الذين أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمهم فقد أدركت بعضهم رحمة الله فأسلموا بعد أن استأمن لهم بعض المسلمين كعكرمة بن أبي جهل الذي أصبح فيما بعد من أكثر الناس غيرة على الدين الحنيف، بعد أن كان من ألد أعدائه!
هذا ولما تمت بيعة الرجال بايعته النساء، وكن يبايعن على ألا يشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصين الرسول في معروف.
أقام الرسول عليه السلام في مكة خمسة عشر يوما، يقصر فيها الصلاة، وقد نظم خلالها شؤون مكة، وفقه أهلها في الدين، ثم أرسل بعض المفارز للدعوة إلى الإسلام، ولتحطيم باقي الأصنام. وهكذا كان فتح مكة فتحا مبينا، لا يوجد له نظير في تاريخ الفتوحات!
وفي الختام نسأل الله عز وجل، في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الفضيل، أن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة، وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين، وأن يعيد لأمة الإسلام أيام عزها ومجدها ويمكن لها في الأرض، نسأله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك قريبا وعلى أيدينا وفي رمضان، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكـم ورحمة الله تعالى وبركاته.